قمحاً ودقيقاً ومساواة

> محمد علي محسن:

> المفروض أن يكون اليمن الكبير قمحاً ودقيقاً ومواطنة متساوية وشراكة ونظاماً، هكذا هو اليمن الموحد الذي ننشده من وجهة نظر ساخرة اختزلت ببعض مفردات كتبها صاحبها في قصاصة لعلها تجد من يعقلها وسط انهماك الساسة والمفكرين وقادة الرأي في مسألة التأصيل لوحدة الأرض والإنسان والثورة، وبمعزل عن المجتمع ذاته المنشغل بمسائل حياتية ضرورية مثل الخبز والغلاء وجور العدالة وغياب القانون والشراكة وغيرها من القضايا اليومية.

فلو أن الدولة قامت بواجبها وأوجدت هذه الأشياء للمواطن لما أرهقت نفسها و أتعبت شعبها في جدل بيزنطي من التأجيل والتنظير في مسمى الوحدة التاريخية والجغرافية.

وإذا كان هذا هو حال من يحكم وبيده السلطة والمال والقرار، فإن في المعارضة من هم على شاكلة الحاكم من ناحية إجهاد أنفسهم في محاولات التأصيل والإثبات لما يدحض فكرة السلطة القائلة بواحدية الثورة والتاريخ أو الجغرافيا أو الشعب، ولكأنما دورها يقتضي مخالفته والسلام، ولو تطلب الأمر من المعارضة الانصراف لقضايا جدلية لا علاقة لها أو صلة بمعيشة الناس و حياتهم أو حقوقهم و مشكلاتهم و حاضرهم ومستقبلهم، فماذا يعني تاريخ (أوسان وقتبان وسبأ وحمير) لمواطن عادي في الألفية الثالثة وفي بلد مثل اليمن الفقير تنموياً ًواقتصادياً ومعرفياً وليس في الدول الاسكندنافية ذات أعلى نسبة في الدخل؟!

كيس قمح بثمن زهيد وأجر يومي يكفل حياة معيشية كريمة ونظام سياسي تعددي وديمقراطي جدير بكل اليمنيين وبدولة واحدة حاضنة للجميع دون فروقات أو تمييز أو هيمنة أو استئثار بها من فرد أو حزب أو قبيلة أو طائفة أو سلالة، بل وأكثر من ذلك دولة مدنية وحديثة أساسها العدل واحترام القانون والنظام وجوهر ازدهارها وتطورها المشاركة في الثروة والقرار.

نعم معضلة البلد ليست في التنوع الثقافي والسياسي والجغرافي ولا هي بوفرة الأحزاب والصحف والحريات في وطن متخلف، ولا هي محصورة بجنوب وشمال، وحدة وانفصال، أكثرية وأقلية، تخلف الشمال وتحضر الجنوب إلخ.. من المبررات المجتزأة المطروحة للأسف من جهة و شريحة النخبة السياسية المعنية بإصلاح وتغيير منظومة من المفاهيم والممارسات السائدة والناتجة عن إخفاق سياسي محض حدث عند قيام دولة الوحدة، أو قبل ذاك التاريخ بأشهر، فلقد كانت العاطفة والوجدان هما الغالبان على العقل والمنطق، كما أن النظامين المتناقضين ايديولوجياً وسياسياً لم يكونا بحجم الإنجاز الوحدوي الجديد، ولا المجتمع تم تهيئته وتأهيله للاندماج الفوري.

ما حدث بعد أشهر ثلاثة فقط يؤكد حقيقة واحدة هي أن هذه الفروقات والاختلافات الايديولوجية والثقافية والقيمية والجغرافية وغيرها كان لها أن تكون قوة دفع للأمام وليس للخلف مثلما رأيناها واقعاً منذ اجتياح العراق لدولة الكويت يوم 2 أغسطس 90م وما نتج عنه من أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية للدولة التوافقية الحديثة العهد والتي لم تصمد أمام أول اختبار من هذا القبيل، طغيان الايديولوجيا على السياسة والاقتصاد والإدارة كان سبباً في فشل النظامين الشطرين لحقبة، ومع كل ما حدث من إخفاق جراء هيمنة الايديولوجيا على السياسية وليس العكس ولج الشريكان عتبة البيت الجديد والكبير بالعقلية والإدارة والشراكة الضيقة ذاتها غير المستوعبة أو المتساوقة مع عظمة الفعل المحقق، ولأن الدولة الوليدة مثلت وسيلة لبقاء واستمرارية النظامين المتأزمين في الشمال والجنوب أكثر من كونها غاية وهدفاً للنهوض والازدهار الجمعي، فإن ما نشاهده اليوم من محاولات بائسة لتأصيل الوحدة السلمية المغدور بها منذ ما قبل لحظة ميلادها يأتي في سياق البقاء والحفاظ على السلطة أكثر مما هي حاجة وضرورة للشعب اليمني الواحد منذ الأزل وحتى الوقت الحاضر الذي توحّد فيه التراب وتشطّر الإنسان.

اليمن الكبير لا نظنه بهذا الفهم والتأصيل والجمود ولا هو بمساحته وتاريخه وثقافته وثورته ووحدته المراد إثباتها اليوم، بل في الإنسان نفسه يمكن رؤية اليمن الكبير، ومن دون مجتمع حر وموحد ومتساو وطموح وناهض ومنتج ومزدهر تنموياً واقتصادياً وديمقراطياً ومعرفياً ومعيشياً ،لا يجدر بنا الحديث عن مكانة ومقام، ومن دون تخطي الإنسان الوحدة السياسية والجغرافية والشطرية إلى وحدة الطموح والشراكة والتنمية والمستقبل يصعب القول بعظمة المنجز، ومن دون مغادرة المواطن مربع كيس القمح واسطوانة الغاز وتعرفة الأجرة للطقم والفقر المدقع والجهل إلى رحاب الحداثة والعولمة وتحسين دخل الفرد والمعيشة المستقرة وتداول السلطة وسيادة القانون والنظام فلا قيمة أو أهمية تذكر لهذا المسمى الكبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى