الشعر في موكب الاستقلال (2)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> لقد صور الشعر تلك المحطات المشرقة في تاريخنا المعاصر، التي استطاعت أن تفجر ينابيع الشعر تفجيراً بما انطوت عليه من مضامين وطنية وقومية وإنسانية إلى حد كان فيه الشعراء مثاليين في رؤيتهم لهذه الأحداث، وهذه المثالية عادة لا تنسجم مع طبيعة التاريخ والسياسة، فهذا البردوني يطير طرباً في إثر انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م فيقول:

أفقنا على فجر يوم صبي

فيا ضحوات المني أطربي

أتدرين يا شمس ماذا جرى

سلبنا الدجى فجرنا المختبي

فولّى زمان كقلب البغيّ

وأقبل عهد كقلب النبي

فمهما يكن عهد ما بعد الثورة فلن يرقى في صفائه إلى قلب النبي، فقد رأينا ما حدث بعد الثورتين معاً من أحداث مؤسفة، ومن تداعيات وانقسامات لا علاقة لها بمثالية الشعراء ورؤاهم المتفائلة، ولكن الشعر عادة يصور النموذج أو المثال سواء في تصوير المواقف الإيجابية أم في تصوير المواقف السلبية، والشاعر ليس مؤرخاً ولا سياسياً واقعياً محترفاً في شعره ولا ينبغي له ذلك، فهو إنما يصوّر موقفه الداخلي الوجداني من الأحداث. أما ما يخص يوم الاستقلال المجيد فإنه لم يكن بمنأى عن اهتمام الشعر واحتفائيته وفرحته الكبرى، فقد انبرى كل من لطفي جعفر أمان ومحمد سعيد جرادة وعبدالعزيز المقالح وغيرهم في تصوير ذلك اليوم المشهور وما ترتب عليه من تغيير إيجابي، كل من زوايته الفنية.

فهذا أولاً لطفي جعفر أمان في قصيدته «بلادي حرة» يسجل تفاصيل ذلك اليوم ويبرز شعوره البهيج به الذي انعكس على كل شيء في الوطن من طبيعة وحيوان وإنسان وغير ذلك.

هاهو يقول في مطلع قصيدته:

على أرضنا بعد طول الكفاح

تجلى الصباح لأول مرّه

وطار الفضاء طليقاً رحيباً

بأجنحة النور ينساب ثره

وقبلت الشمس سمر الجباه

وقد عقدوا النصر من بعد ثوره

لقد طغى الشعور بالفرح الوطني على هذه القصيدة وصار يشكل مضامينها وهذا أمر طبيعي لأنها جاءت صدى لذلك اليوم الكبير في تاريخنا الذي كان تتويجاً لكفاح طويل لشعب أصيل في مواجهة دولة استعمارية عظمى فحق للشاعر أن يفرح ويصور فرحة الشعب والوطن باستقلالهما وانعناقهما فليس هناك ما هو أغلى - بعد الإيمان- من الحرية.

لقد ذكرني موقف الشاعر هذا في فرحته، بموقف الشاعر اليمني القديم عمرو بن معدي كرب الزبيدي حينما انتصر المسلمون الفاتحون على الفرس في معركة القادسية الخالدة إذ قال مرتجزاً:

أنا أبو نور وسيفي ذو النون

أقتلهم قتل غلام مجنون

يالزبيد إنهم يموتون

لقد كان الشاعر من قبل يشك في أن الفرسان الفرس يموتون نظراً لما كانت تتمتع به الامبراطورية الفارسية من أبهة وهيبة وقوة ونظام وتنظيم ولكنها سقطة سقوطاً مروعاً تحت ضربات المسلمين الفاتحين.

كلمات وآفاق:

ليس الذين طلبوا الحق فأخطأوه مثل الذين طلبوا الباطل فأصابوه.

(الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه)

وما الخوف إلا ما تخوّفه الفتى

وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا

(المتنبي)

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى