القصيدة الوطنية في تجربة الشاعر والأديب الكبير الراحل لطفي جعفر أمان (1971-1928)

> «الأيام» مهندس عصمت خليل:

> يصادف اليوم الأحد السادس عشر من ديسمبر 2007م الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل شاعرنا اليمني العظيم والأديب الكبير لطفي جعفر أمان، الذي اختاره ربنا سبحانه وتعالى إلى جواره عن عمر لم يتجاوز الثلاثة والأربعين عاماً.

يعتبر الشاعر والأديب الراحل لطفي جعفر أمان أبرز الشعراء والأدباء في اليمن، وله عدة مواقف وطنية في القصيدة الوطنية خلال تجربته الشعرية كلها والتي ظلت معه تصاحبه ويصاحبها منذ خطواته الأولى في الإبداع الشعري. فقد قال لطفي وهو يستقبل ميلاد مجلة (أفكار) الأدبية التي صدرت في عدن عام 1945م وهو ينطلق إلى التعبير عن الحياة العامة التي كانت قضاياها تثقل على قلبه الشاعر وموهبته في بعض الأحيان:

عدن يا أنام ظمأي فهاتو

كأسها العذب من زلال الحضارهْ

كم شكلت ظلمها وفاض بها الدمع

وكم ألهب التوجع ناره

ومش العلم واهناً في حناياها

فلاقى على يديها احتضاره

أطبق الجهل فوقها فاستجارت

بكم اليوم من قوى جباره

هي قلب يفيض حباً وعطفاً

وحناناً ولوعة وحراره

(ديوان : بقايا نغم - لطفي أمان)

كما أنه استقبل في الأربعينات صدور صحيفة «صوت اليمن - 1946» التي تم إصدارها من قبل بعض الأحرار اليمانيين الذين فروا من صنعاء وتعز وإب وغيرها من مناطق ما كان يعرف بالمملكة المتوكلة إلى المستعمرة عدن التي احتضنهم أهلها على اختلاف ميولهم الاجتماعية واتجاهاتهم السياسية وذلك بقصيدته الرائعة «أنا حامي الضمير» التي تعتبر من أجل ما قيل في هذا المجال في وقتها حيث قال لطفي:

وسرى موكب من النور

أنماق عليه يتيه في سريانه

زخرت حوله الجموع فلا

تبصر إلا الربيع في مهرجانه

موكب صفقت حواليه أملاك

وغـنــت عـرائـس لازديـانــه

فيه للعقل لفتة فيه للقلب

وثــوب يــزيـد من خـفـقـانــه

كل صاد هفا إليه فأجرى

مـورداً شـافـيـاً إلـى ظـمـآنه

(ديوان: ليل إلى متى - لطفي أمان)

يصور الشاعر الكبير فرحة انتصار صدور الصحيفة التي كانت لسان حال المعارضة اليمنية خارج نطاق المملكة المتوكلية، ويجعل من هذه المناسبة عرساً ملائكياً يتعاضد في خلقه العقل والقلب معاً. لكن فرحة الانتصار لا تلهي الشاعر عن التعبير عن المأساة العامة، فيعمد لطفي إلى فضح الأوضاع والكشف عن المأساة التي عانى منها اليمانيون الويل والثبور وهو يفضحها دونما رحمة مبيناً بشاعة الحياة التي قتلت في الشعب اليمني روح الإبداع ووحي الابتكار قائلاً:

وإذا بالرجال من كل مقدام تفور الحياة ملء كيانه

حملوا مشعل الهدى لشباب مستكين في ذله وهوانه

في دياجير حرمه البلد الغافي ربيب الحجا على أحضانه

في بلاد تثن من وطأة الظلم وتدمي شعوبها من طعانه

لفها الليل في قنام من وطأة الجهل فضاقت أنفاسها من دخانه

كلما هب ينشد العدل في الحكام أعيته عقدة في لسانه

..... ..... .....

أيها العابثون بالحق مهلاً ليس نصر القوي في طغيانه

انظروا تزأر الجموع وتذرو - جامحات - عرش الخنا من مكانه

(ديوان:ليل إلى متى - لطفي أمان)

وقد صدر عن شاعرنا وأديبنا المرحوم لطفي جعفر أمان دواوينه (بقايا نغم - 1948م)، («الدرب الأخضر» و«كانت لنا أيام»- 1962م)، (ليل إلى متى- 1964م)و(إليكم يا إخوتي- 1969م) وجميعها تجمع مرحلة اليقين الوطني في تجربة لطفي جعفر أمان الشعرية، وكان يقف في مقدمة صف الشعراء الوطنيين يدعو إلى الكفاح ويحرض الجماهير على البذل والتضحية.

وكانت قصيدة «أخي كبلوني- أو سأنتقم» في منتصف الخمسينات والتي غناها فيما بعد الفنان الكبير محمد مرشد ناجي - أطال الله بعمره - في ديوان «ليل إلى متى» قد اخترقت على الناس بعض الهدوء الذي كانوا يعيشونه قائلاً:

أخي كبلوني

وغل لساني واتهموني

بأني تعاليت في عفتي

ووزعت روحي على تربتي

فتخنق أنفاسهم قبضتي

لأني أقدس حريتي

لذا كبلوني

وغل لساني واتهموني

... ... ...

أخي...يا أخي

أيصفعني الخوف؟ لا يا أخي

أنا لطخة العار في موطني

إذا انهار عرضي ولم أصرخ

بحق الوطن

بهذا القسم

أخي قد نذرت الكفاح العنيد.. لهذا الوطن

إلى أن أرى.. أصدقائي العبيد

وهم طلقاء

يقولون ما مات حتى انتقم

(ديوان : ليل إلى متى- لطفي أمان)

وقد أصبحت هذه القصيدة لسان حال القوى الوطنية، وصارت شعار الحركة الوطنية اليمنية تمثل نموذجاً للقصيدة الوطنية في الخمسينات بما تحمله من معان واضحة تتصدى للغزو الأجنبي آنذاك إلى الثورة وتحرض على الخلاص من الاحتلال.

وعندما احتدمت المجابهة الضارية بين الحركة الوطنية اليمنية وبين الاحتلال من جهة وبين القوى الوطنية والإمامة من جهة أخرى كان الموقف يستدعي تلاحم أبناء الشعب اليمني في الجنوب والشمال آنذاك ووقوفه صفاً واحداً في وجه الاحتلال، حيث كانت طبيعة الشاعر المرحوم لطفي جعفر أمان طبيعة موحدة لا تعرف التفرقة والتجزئة داخل الحياة الاجتماعية والسياسية في وطنه وكانت قصيدة «هات بيدك على يدي» التي غناها فيما بعد فناننا الكبير محمد مرشد ناجي، حيث قال لطفي:

هات يدك علي يدي تعاهدني وأعاهدك

وأكون لك على ودي وتكون لي على ودك

هات يدك على يدي

هات يدك أقسم لك ببلادي وتقسم لي

باتكون لي وأكون لك أخلص لك وتخلص لي

... ... ...

آلامنا وآمالنا تواسينا وتجمعنا

هات يدك وعاهدنا قوتنا في وحدتنا

هات يدك على يدي

وفي هذه القصيدة اكتشف شاعرنا أنه كان يعيش في قلب الأحداث السياسية الملتهبة وهذا يؤكد لنا أن ديواني «ليل إلى متى؟» و«إليكم يا أخوتي» يتقدمان دواوين المرحلة الأولى لشاعرنا لطفي جعفر أمان في القصيدة الوطنية وفي الموقف الوطني إلى حد كبير إذ احتوى الديوانان على أجمل ما كتب لطفي جعفر أمان في الشعر الوطني.

ومنها أيضاً قصيدتا «موكب الثورة» و«إلى الفدائيين في فلسطين».

وتعتبر قصيدة «موكب الثورة» من أروع قصائد لطفي الوطنية على الإطلاق والتي كتبها بمناسبة الذكرى الثانية لعيد الاستقلال الوطني المجيد 30 نوفمبر ولحنها وغناها فيما بعد الموسيقار والفنان الكبير الراحل أحمد بن أحمد قاسم.

وكما عرفت أن القصيدة سيتم تقديمها قريباً بصورة غنائية ودرامية من قبل الفرق الموسيقية العسكرية، والتي يقول فيها لطفي:

يامزهري الحزين

من يرعش الحنين؟

إلى ملاعب الصبا.. وحبنا الدفين؟

هناك حيث رفرفت

على جناح لهونا

أعذب ساعات السنين

يا مزهري الحزين

.... .... ...

وهكذا تبددا

عهد من الطغيان لن يجددا

وحلقت على المدى

ثورتنا.. تهتف فينا أبدا

يا عبدنا المخلدا

غرد..

فإن الكون من حولي طليقاً غردا

غرد على الأفنان في ملاعب الجنان

الشعب لن يستعبدا

قد نال حريته بالدم والنيران

وقتل القرصان

(1968/11/20)

رحم الله شاعرنا العظيم وأديبنا الكبير لطفي جعفر أمان .. خالي العزيز الغالي.

المرجع: د. أحمد علي الهمداني

دفاعاً عن لطفي جعفر أمان - صنعاء

الطبعة الأولى- 2004م)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى