الشعر في موكب الاستقلال(2)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> الإهداء: إلى روح الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان بمناسبة ذكرى وفاته ..وبعد أن حلق الشاعر لطفي جعفر أمان في سماء الفرح الشامل عاد إلى هدوئه الواقعي النسبي فمضى يقترب من التاريخ مسجلاً في نهاية القصيدة هذه الأبيات:

فأين القلاع مدوية تصول وتردي وتستهترّ

وأين العروض مفخمة وأين من الشعب مستعمرُ

جحافله بل شياطينه كما قيل حمر ألا فاسخروا

لقد هب ردفان في ثورة يخلدها عيدنا الأكبرُ

وينشرها فوق كل الجنوب ضياء سخيا لأول مرة

بلادي حرة

لقد عنى الشاعر بـ (القلاع) دبابات الاستعمار التي كانت تصول وتجول، أما الشياطين الحمر فهم جنود الاستعمار الأقوياء الذين استنجد بهم بعد هزيمته ولكنهم اندحروا امام اقتحام الثوار في أيام معدودات.

أما عبدالعزيز المقالح شاعر اليمن الكبير، فقد حرص على أن يوثق فنياً لهذا اليوم العظيم يوم الاستقلال، إذ كتب قصيدة تفعيلية جديدة بعنوان (رسالة عامل في ميناء عدن يوم الاستقلال) أودعها انفعاله بهذا اليوم ورؤيته، فمثلما كان الشكل جديداً كانت الرؤية جديدة، فقد أخذ حزئية هي إحدى مكونات اللوحة الكاملة، ولكنها جزئية جوهرية مهمة، هذه الجزئية هي: (العامل) هذا العامل هو واحد من عمال ميناء عدن، أنطقه الشاعر بما لا يستطيع هو أن يقوله على هذا النحو وإن كان يشعر بالإحساس الذي خلعه عليه الشاعر نفسه إلى هذه الدرجة أو تلك، لأن الأديب الفنان لديه ملكة عجيبة في أن يتقمص شخصيات مختلفة في مواقف مختلفة وإن لم يكن قد مر بهذه المواقف أو التجارب ومن هنا يأتي تفرد الأديب قاصاً أم شاعراً لكن الأول يكون أكثر موضوعية ومحايدة من الثاني الذي لم يكن ملزماًً بهذه الحيادية أو الموضوعية، بل عليه أن يلون موصوفاته الواقعية أو المتخيلة بعواطفه ومواقفه الذاتية. كتب الشاعر:

منتصف النهار

مازال كفي خاوياً

لم أتسلم بعد كسرة الإفطار

لكنني لست ككل يوم،

أحلم بالرغيف عند الصحو

عند النوم.

في لحظة قتلت معنى الجوع في دمي

أصبحت أغنى أغنياء العصر

.......الخ

القصيدة ذاتها مترابطة بحيث لا نستطيع أن نقسمها إلى أفكار مستقلة أو حتى جزئية، فإنما هي قطعة واحدة، مترابطة في مبناها كما هي مترابطة في معناها، ولن تصل فيها إلى نهاية الفكرة ونهاية النفس الشعري إلا حين تصل إلى آخر كلمة فيها هكذا تدفقت الجمل على لسان العامل من دونما انقطاع أو توقف حتى نهاية النص فليس ثمة حوار، و تداخل أصوات، فهذا هو يومه الكبير فليقل ما يريد وعلى الوجود أن يسمع رسالته حتى النهاية.

أكلت في شراهة،

كل سياط الأمس والقيود

فصرت لا أعرف معنى الجوع

والخواء

وقامتي تمتد في الفضاء

تضرب في التخوم

تقبل الشمس تعانق النجوم.

ونحن هنا لا نريد أن نشرح النص فهو واضح، ويكفي أن نشير إلى تلك الجزئية في حياة العامل ذلك اليوم وهي «كسرة الإفطار» قد تشكلت منها قصيدة وانثالت منها الأفكار والرموز، في ذلك الصباح الذي شكل نقطة النهاية لمرحلة قاسية من حياة الذل والاستغلال على المستوى الشخصي والوطني، ونطقة بداية لحياة العزة والكرامة والنصر والاستقلال على المستويين أنفسهما، مع ما تميزت به القصيدة من مثالية الشعر في تصوير الأشياء ومن تطرف، سواء في رسم ماضي العامل أم في رسم حاضره.

ولكن هذه المثالية وهذا التطرف ياتيان عادة ف يجوهور الشعر نفسه ليس من باب الافتعال والتكلف ولكن من باب الصدق الفني والشعوري والا فان حياة العامل في ظل النظام الوطني بعدالاستقلال والى يومنا هذا لم تكن مثالية ولم تكن حتى عند المستوى المطلوب او المقبول اما العمل النقابي نفسه وماينطوي عليه من نشاط وكفاح واستقلالية يعد افضل من العمل النقابي بعد الاستقلال وحتى اليوم ولكن الشعر عادة لا يحاكم على هذا النحو وانما الشيء عند الشيء يذكر واذ كان الشعر اليمني قد رسم صور ةمثالية للمرحلة التي تلت الثور ةمباشرة فيالشمال وللمرحلة التي تلت الاستلال مباشرة في الجنوب فان الشعر نفسه قد رافق المسيرة الوطنية وصور ماهمرت به انكسارات وانقسامات عميقة بقصائد قاتمة لاسيما مسيرة الثورة فيالشمال مثلما عبر عن معاناة مابعد الثورة فيالوطن كله وصور ماكان ايجابيا ومشرقا وتفنى به.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى