السياسية الاقتصادية العرجاء تجعل الأسعار في اليمن أعلى

> «الأيام» د. محمد حسين حلبوب:

> بمقارنة أسعار التجزئة في عدن لـ 18 سعلة غذائية أساسية في الشهر الحالي (ديسمبر 2007م)* مع أسعارها في ديسمبر من العام الماضي (2006)** يتضح التالي:

1- بلغت نسبة الزيادة في أسعار سلعتي الدقيق الأبيض وزيت الطبخ النباتي 50%.

2- بلغت نسبة الزيادة في أسعار الحليب المجفف 45%.

3- بلغت نسبة الزيادة في أسعار الرز البسمتي 32%.

4- انخفضت أسعار سلعتي معجون الطماطم والسكر بنسبة 10% لكل منهما.

5- بلغ متوسط الزيادة في أسعار السلع الـ 18 سلعة 22%.

وللمقارنة فقد بلغ معدل التضخم في المملكة العربية السعودية حتى نهاية أكتوبر من عام 2007م 35%.

أما خلال عام 2006م (وفقاً لبيانات البنك الدولي)*** فقد بلغ معدل التضخم في السعودية 2.2%، وفي عمان 3%، وفي الإمارات 6%، وفي قطر 7% وفي الأردن 6.1%، وفي لبنان 4%، وفي سوريا 6%، وفي مصر 7.7%، وفي ليبيا 3.1% وفي الجزائر 2.2%، وفي المغرب 3.1% أما في اليمن فوصل معدل التضخم إلى 15.7% وبلغ في العراق 50%.

من البيانات أعلاه نلاحظ أن معدل التضخم في اليمن أعلى بأكثر من الضعف مقارنة مع أعلى معدلاته في الدول العربية المستقرة باستثناء العراق، وهو أعلى بثلاث أضعاف بالمقارنة مع متوسط معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي.

فلماذا ترتفع الأسعار في اليمن بمعدل أعلى؟!

إن ما يصرح به قادة السلطة التنفيذية من أن سبب ارتفاع الأسعار (عالمي) هو قول لايظهر سوى أقل من نصف الحقيقة، أما أسباب النصف الأكبر من ارتفاع الأسعار فهي محلية ترجع إلى (قصور في منظومة الحكم) متمثلة في جانبين :

الجانب الأول: (قصور منظومة الحكم) لأسباب إدارية وتنظيمية مثل: وجود الاحتكار في استيراد بعض السلع، وعدم توفر مخزون إستراتيجي من السلع الأساسية، ضعف تأثير الوزارة المختصة على الأسعار وغيرها، وهذه الأسباب ليست مستجدة، بل كانت موجودة قبل ظهور موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، وتأثيرها أكبر على مستوى ارتفاع أسعار السلع منفردة إلا أن نسبة تأثيرها على المستوى العام لارتفاع الأسعار أقل، ويرجع ذلك إلى أن المحتكر مثلا يستطيع رفع سعر سلعته بنسبة أكبر، من خلال تقليص نسبة الرفع في سعر سلعة غير المحتكر.

أما الجانب الثاني: وهو السبب الرئيس الذي يجعل مستوى ارتفاع الأسعار في اليمن أعلى مقارنة ببقية الدول العربية فيتثمل في (عدم توافق السياستين المالية والنقدية) وتعارضهما أحيانا.

وقد بدا عدم التوافق بين السياستين المالية والنقدية منذ النصف الثاني من عام 2005م عندما بدأت الحكومة اليمنية بتطبيق سياسة (مالية) (توسعية) بعد عشر سنوات من تطبيق السياسة الاقتصادية (الانكماشية) وقد ظهرت السياسة المالية التوسعية على شكل توسع في الإنفاق على الانتخابات الرئاسية والمحلية، وزيادة في رواتب وأجور الموظفين الحكوميين وتخفيض في الرسوم الجمركية وبعض الضرائب الأخرى وارتفاع في مستوى الإنفاق الاستثماري الحكومي.

وخلال الفترة نفسها زادت أيضا التحويلات والعوائد المالية من الخارج (زيادة تحويلات المغتربين بتأثير تحسن مستويات الدخل في دول الخليج)، وزيادة المداخيل الناتجة عن زيادة الصادرات غير النفطية (المنتجات السمكية والأغنام والخضروات والفواكه وغيرها) وازدياد العوائد المالية من السياحة وغيرها.

وقد نتج عن الزيادتين (الزيادة في الإنفاق الحكومي والزيادة في التحويلات والعوائد المالية من الخارج)، زيادة مضاعفة في الدخل (النقدي) الكلي، لكن تلك الزيادة في الداخل (النقدي) لم تجد أمامها مجالات إنفاق جديدة بسبب كوابح السياسة النقدية (الانكماشية) حيث لا تزال معدلات الفائدة البنكية مرتفعة (13% للودائع و17- 22% للقروض)، كما لم يحصل تغيير يذكر على نسبة الاحتياطي القانوني على البنوك ولم يتم إنشاء سوق للأوراق المالية.

فمثلاً بسبب ارتفاع معدل الفائدة لم يتمكن الموظف الحكومي أو المغترب الذي زاد دخلهما من الاستفادة من تلك الزيادة للحصول على قرض لبناء منزل، وهو ما كان سيخلق مجال إنفاق جديد وفرص عمل إضافية، وبسبب عدم وجود سوق للأوراق المالية لم يتمكنا (الموظف والمغترب) من شراء أسهم وهو ما يحول الزيادة في دخلهما إلى مجال الاستثمار.

وبتضافر عوامل الكبح الأخرى (الفساد، مشكلة الأراضي، مشكلة نقص الكهرباء وغيرها)، لم تجد الزيادة في الدخل مجالات للإنفاق عليها، سوى تلك المجالات الاستهلاكية السابقة، التي كان يتم إنفاق الدخل السابق (الأقل) عليها، وهكذا تكونت آلية خلق التضخم المتمثلة في (دخل نقدي أكبر يجري وراء كمية سلع وخدمات ثابتة).

وبسبب التضخم فإن السياسة المالية التوسعية التي كان الهدف من تطبيقها رفع المستوى المعيشي للسكان وتحسين مناخ الاستثمار أدت إلى نتائج عكسية، حيث يؤدي التضخم إلى إعادة توزيع الدخل بين فئات المجتمع بصورة غير عادلة، فينتج عن ذلك تدهور المستوى الحياتي للعاطلين عن العمل وانخفاض في مستوى المعيشة لفئات الدخل المحدود وأصحاب الأسر كثيرة الأولاد، وهم معظم السكان في اليمن، كما يؤدي التضخم إلى عدم وضوح الرؤية لدى رجال المال والأعمال فتهرب الاستثمارات.

والخلاصة هي: أن التجربة اليمنية خلال العامين والنصف الماضية قد أثبتت أن السياسية الاقتصادية (العرجاء) (مالية - توسعية) ونقدية (انكماشية) قد فشلت في تسريع نمو الاقتصاد اليمني، وأدت محاولات الحكومة تنشيط الاقتصاد باستخدام السياسة المالية لوحدها إلى نتائج عكسية، ذلك أن كوابح السياسة النقدية الانكماشية قد أبقت الاقتصاد اليمني مقيداً فتحولت الزيادة إلى زيادة الأسعار.

أخيراً: ننبه الحكومة إلى أن زيادة الإنفاق الحكومي بدون تخفيف (كوابح) السياسة النقدية لن ينشط الاقتصاد بل سينشط (الأسعار)، كما أن الاستمرار في السياسة الاقتصادية (العرجاء) لن يخلق إلا مسيرة تنموية (كسيحة).

* أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد

* المصدر: قائمة الأسعار في دكان (حنتوش) مدينة الشعب/ عدن

** المصدر: بيانات الجهاز المركزي للإحصاء عن الأسعار في عدن

*** المصدر: بيانات موقع البنك الدولي على الإنترنت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى