> ثمان سنوات والمواطن أحمد علي الشبابي من أبناء منطقة منصأ بمديرية سرار يافع محافظة أبين يقوم بإصلاح وتعبيد وتأمين الطريق التي تربط مديرية سرار بمحافظة لحج، وعلى امتداد يقدر بـ 26 كم. هذا المواطن الذي يشهد الجميع بعطائه وسرعة إصلاحه الأضرار التي تخلفها سيول الأمطار يقوم بذلك حبا بعمل الخير، ودون معاش من الدولة باستثناء ما يجود به بعض سائقي السيارات.. وعلى إثر النداءات المستمرة من أبناء مديرية سرار وبالذات من سائقي السيارات ومن أصحاب المحلات التجارية الذين يقومون بنقل البضائع والعبور دائما عبر طريق سرار العسكرية باتجاه محافظة لحج لزيارة هذا المواطن لبّت «الأيام» كعادتها في تلبية دعوات ونداءات المواطن اليمني أينما وجد، وطرحت قضية هذا الجندي المجهول الذي تآكلت أصابع يديه من العمل بالطرقات أمام وزير الأشغال ومحافظ أبين ومحافظ لحج.

تحركت تمام الساعة الثامنة صباح يوم السبت 2007/12/1م إلى منطقة (خيرة) التي تبعد ساعة ونصف عن عاصمة المديرية سرار، حيث صحبني بسيارته في تلك الرحلة الأخ عزمي محمد علي سالم أحد التجار الكبار بالمديرية ومن المهتمين بقضية هذا المواطن، والذي تشكره «الأيام» على الجهود التي بذلها لتهيئة هذا اللقاء، وبعد أن تجاوزنا مشقة الطريق بالوادي وصلنا المكان الذي قصدناه فوجدناه يقوم بتصليح الطريق ويرص الأماكن الوعرة بالحجارة دون أن يلتفت إليه أحد أو يمد له يد العون والمساعدة، وبإصرار عجيب وعزم يفل الصخر والحديد ولا يعرف اليأس والاستسلام للواقع المرير، وبالرغم من تقدم العمر به وجسمه الناحل الذي أنهكته سنوات العمل في تعبيد هذه الطريق مايزال يحمل (المجرفة والزبرة والمغرس والخنزة والصبرة)، وهي عبارة عن وسائل قديمة يعمل بها بجهد مضاعف.

مشهد المواطن وهو يغالب الصخور القوية ويبني بها الجدران الساندة وما تحتاجه من جهد وصبر وتجلد، حيث تختلط قطرات العرق بحبات الدم النازق، هذا المشهد ينم عن حبه لعمل الخير وابتغاء الأجر والثواب من الله، وينم أيضا عن ألم كبير وتضرر أكبر من الجهات المعنية التي نسيته وتجاهلته. وقد تبادلنا أطراف الحديث مع المواطن أحمد علي الشبابي بعد أن أخبرناه مسبقا بمقصدنا. وعن سؤالي منذ متى وأنت تعمل في هذه الطريق؟ أجاب والعبرة تكاد تخنقه:« منذ عام 99م وأنا أعمل بهذه الطريق التي تربط مديرية سرار بمحافظة لحج، من خلال تسوية ورصف الأماكن الصعبة بالحجارة وتوسيع الأماكن الضيقة وبناء الجدران الساندة وبناء عبارات (منافذ) لسيول الأمطار، حيث أن هذه الطريق وأثناء نزول الأمطار تتعرض للخراب مما يجعل عبور السيارات فيها أمرا مستحيلا، كل هذا العمل أقوم به لوحدي منذ ثمان سنوات دون أن أتقاضى شيئا من الدولة، باستثناء ما يجود به بعض سائقي السيارات، رغم سماعنا أن هناك مخصصات معتمدة لصيانة الطرق في المديرية إلا أننا لا نعلم مصيرها».

والغريب في الأمر أن بعض العبارات للمياه والجدران الساندة التي قام ببنائها هذا المواطن لم تنزح أو تجرفها السيول رغم مرور ثمان سنوات على بنائها، ورغم أن هذا المواطن يعمل بالأدوات التقليدية القديمة إلا أن ما يقوم به من عمل يفوق عمل بعض الشركات والمقاولين من حيث المواصفات والدقة في العمل، وبإمكان أي مسئول أن ينزل لمعرفة ما يقوم به هذا المواطن.

وأضاف الشبابي:« هذا العمل الذي أقوم به أمامكم في الصورة، وأي مسئول ينزل ويشوف العمل، فهذا العمل كنموذج، وإذا في مساعدة سأعمل على رصف الأماكن المتبقية، لكن للأسف ثمان سنوات ولا أحد زارني لا مسئول ولا شيخ ولا أحد قدم لنا أي دعم، أنا تعبت تعبا شديدا دون فائدة، أناطلبي الوحيد إذا في دعم من الدولة ودعم من أصحاب الخير سوف أعمل ثلاثة أضعاف المبلغ إذا استوجب الأمر، وبتعاون الجميع، لكن أنا يصيبني الإحباط والفتور عندما أسمع أن هناك أناسا يستلمون مبالغ على حساب هذه الطريق، ولم أشاهدهم يعملون معي في الطريق».

جزاء سنمار

وثالثة الأثافي الطابور الخامس ولوبي الفساد من الذين لم يرق لهم هذا العمل الطوعي والخيري العظيم، فراحوا يعملون على تخذيله وإثنائه عن العمل في الطريق، حيث ذكر لنا الشبابي أنه ونظرا لطول مسافة الطريق التي يعمل بها وبعد السكن الذي يقع في منطقة منصأ بعاصمة المديرية سرار قام ببناء غرفة صغيرة (ديمة) في عقبة أرأدة للسكن والطباخة، وحفظ معدات العمل، وأن هذه العقبة تعتبر كابوسا بالنسبة لسائقي السيارات، فهي تتعرض دائما لجرف السيول بشكل رهيب.. وقال إنه عاد إلى المنطقة التي يسكن فيها لزيارة أسرته في يوم عيد الأضحى قبل عامين، ولما رجع بعد ذلك للعمل في الطريق فوجئ بقيام مجهولين بكسر باب الغرفة التي بناها في عقبة أرأدة، وسرقوا جميع معدات العمل وأواني الطباخة وأسطوانة الغاز، وكل ما بحوزته من مال، فقام بالإبلاغ عن ذلك لأحد مشايخ منطقة خيرة، إلا أنه لم يتم الكشف عن الجناة، وقام بعض الخيرين من أبناء المديرية بالتبرع له ببعض المال. هذه الفعلة التي أقدم عليها هؤلاء تذكرنا بالمثل القائل (جزاء سنمار)!

زيارة ولو جبر خاطر

ثمان سنوات والشبابي يعمل في هذه الطريق، ولم يكلف المسئولون في المديرية أنفسهم الالتفات إليه والنظر بعين المسئولية، حتى بزيارة تقديرا لجهوده، وما يقدمه من خدمة في تعبيد الطريق، بل قوبل بالجحود والنكران، فالمسئولون في الدولة أثناء مرورهم عبر هذه الطريق وزياراتهم المتكررة للمديرية أيام الانتخابات الرئاسية لم ينظروا إليه ولو باعتماد راتب رمزي تقديرا لتلك الجهود، باستثناء وعود عرقوبية من قبل مدير عام المديرية براتب عشرة آلاف ريال، وبالنسبة لوزير الأشغال العامة والطرق أثناء زيارته للمديرية قبيل موعد الانتخابات الرئاسية والمحلية في سبتمبر من العام الماضي فقد قدم مبلغا لصيانة الطرقات بالمديرية ومنها هذه الطريق، لم يصله منه سوى ستين ألف ريال وباقي المبلغ في علم الغيب!

الشبابي حل محل (الشيول) والآليات

مبالغ مالية يتم استخراجها باسم صيانة الطرق بالمديرية بينما معدات الأشغال لم يتم الاستفادة منها في صيانة الطرقات بالمديرية، وقد أكلها الصدأ وأصبحت معوقة بجانب المجمع الحكومي، وابقوا معنا في هذا الفاصل المضحك المبكي، وبما أن الطريق يقوم بصيانتها الشبابي الذي حولوا اسمه من شبابي إلى (شيول) أمام مكتب الأشغال في المحافظة، حيث توجد في المديرية ثلاث حراثات تابعة لمكتب الأشغال العامة والطرق بالمديرية مكينة (D6) تابعة للتعاونية الزراعية رصد، سرار، سباح تم (تشليحها) بجانب المجمع الإداري من قبل المسئولين بالسلطة المحلية السابقة، ولم يبقى منها إلا الهيكل، ومكينة (D8) تم تأجيرها لأحد المقاولين بالمديرية بمبلغ أربعة مليون ريال سنويا تذهب لجيوب الفاسدين في المديرية دون حسيب أو رقيب، وثالثة معوقة منذ سبع سنوات بجانب المجمع الحكومي أكلها الصدأ وهي بدون صيانة بعد تعرض قطع الغيار التابعة لها للنهب من داخل المستودع من قبل أحد المسئولين، وبيعت على أحد تجار المعدات الثقيلة.. الشبابي حل محل هذه الآليات التي لا وجود لها، وهو الذي يقوم بصيانة الطرق ليلا ونهارا معتمدا على ما يعطى له من مالكي السيارات.

مواطن يتحدث

الأخ عزمي محمد علي سالم الذي صحبني بسيارته في تلك الرحلة والذي لولاه لما قمنا بهذه المهمة الصحفية تحدث مبديا انطباعه عن العمل الذي يقوم به هذا المواطن، حيث قال:«أقول بصراحة، هذا المواطن أعطاه الله القوة وحب الخير، رجل مثالي على مستوى مديرية سرار، يعمل ليل نهار من دون أن يشتكي أو يمد يده أو يفرض مبالغ محددة على أصحاب السيارات، رجل نزيه وأمين يعمل بكل طاقاته ليس من أجل المال ولكن حبا في الخير.. أنا أقول لو كان يوجد من يهتم به ويدعمه ويشجعه لعمل المستحيل لهذه الطريق ولغيرها من الطرقات في المديرية، والله العظيم ومش حق مجاملة في ناس يمرون بهذه الطريق من مديريات أخرى يقولون نريد هذا المواطن يعمل معنا ونعطيه أي مبلغ يحتاجه. والذي نريده من الدولة ومن أصحاب الخير أن يتعاونوا معا لتكملة الجزء المتبقي من الطريق، وأن يدعموا باسم هذا المواطن، كيف عمل ثمان سنوات من دون مقابل والدولة لا تأمنه على أي مبلغ، ويتصرف بنفسه، فعلى الدولة أن تهتم بهذا المواطن أولا وتكرمه تقديرا لتلك الجهود لأنه لا أحد يتوقع أو يتصور أن مواطنا بمفرده يقوم بهذه الجهود الكبيرة، وبإمكان أي مسئول من إدارة محافظة أبين المرور لمعرفة الطريق وما يقوم به من جهود».

نداء

عبر «الأيام» إلى كل من وزير الأشغال ومحافظي أبين ولحج للنظر إلى ما يقوم به المواطن أحمد علي الشبابي من جهود في صيانة الطريق نرجو من سيادتكم اعتماد المذكور ضمن إدارة الأشغال بمحافظة أبين وإعطائه حوافز من المبالغ التي تصفى على حسابه باعتباره (شيول) لأنه من العار أن يتجاهله المسئولون ولا يقدمون له العون، ومن العار أن يقوم بمفرده بتعبيد الطريق مستخدما وسائل بدائية قديمة في عصر جديد متطور، لهذا فإننا نستصرخ فيكم واجب المساعدة للمذكور، فالسابقون من سلف الأمة قد حرصوا على تعبيد طرق البغال والحمير والبهائم حتى لا تتعثر.

لافتات على الطريق

-1 تحية إجلال وإكبار لهذا المواطن ولسواعده السمراء النظيفة والشريفة، التي شرفت المنطقة بتسوية الطريق، وكان له فخر التوقيع التاريخي على ترابها بمداد عرقه العطري المتضوع في أرجاء المديرية كلها.

-2 تحية صادقة من القلب لهذا المواطن الذي اقترح وخطط إصلاح الطريق.. ونقول له لا تثنيك مقولة حاقد، أو متآمر حاسد، وعليك أن تستمر في الخير.

-3 تبا لكل خائن لمنطقته.. تبا لكل مخذل.. تبا لكل متكاسل.