موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين جهد كبير يحاكي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> «موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين» إنجاز كبير صادر عن دائرة التوجيه المعنوي، يرفد المكتبة اليمنية بعشرة مجلدات عدا الفهارس التي ضمها المجلد الحادي عشر، تغطي فضاء الشعر الغنائي اليمني في القرن العشرين، بفهرسة ومنهاج علمي وطباعة راقية، كانت طبعتها الأولى من الورق المصقول من الحجم الكبير، وطبعت بمطابع التوجيه بصنعاء عام 2005م وأشرف على إنجاز هذا العمل الثقافي الكبير الأخ علي حسن الشاطر، مدير عام التوجيه المعنوي، وشارك في إنجازه عدد من الأدباء والاختصاصيين والفنيين، منهم الأستاذ علي بن علي صبرة والشاعر عباس الديملي، وقام بتحقيق النصوص وضبط اللغة الدكتور عبدالله حسين البار والدكتور عبدالله طاهر الحذيفي وجمال عبدالله الرميم، ووضع التراجم والمراجعة: آسياء أحمد العبيدي وكوكب محمد الشريف. أما الهيئة الاستشارية فمن الموسيقي المعروف الأستاذ أحمد بن غودل والقاضي علي أحمد أبو الرجال والأستاذ علي أحمد الأسدي والأستاذ حسن اللوزي وعقيد ركن/ عبدالمجيد عبدالله بن عبدالله. ناهيك عن كوادر وفنيي التوجيه المعنوي، وبتعاون جهات أخرى مثل إذاعة صنعاء وعدن والمركز الوطني للوثائق.

تقول التوطئة: «هكذا أطلق الفكرة- والمقصود فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح- وبعد أن أثراها بملاحظاته وآرائه كلف الأخوين العميد علي حسن الشاطر، مدير دائرة التوجيه المعنوي، وعباس علي الديملي، رئيس قطاع إذاعة صنعاء بوضع التصور والمطلوب لتنفيذها وتحديد من تتم الاستعانة بهم» (ج 1 ص 12) كان ذلك في أواخر العام 2003م.. ولعل هذا العمل الكبير يذكرنا تماماً بمثيلات له في التراث العربي الإسلامي، وكيف تجشم أبوالفرج الأصبهاني عناء أن يفعل ما فعل في تحديد الأصوات الشعرية الغنائية في الشعر العربي- ديوان العرب- من عصر ما قبل الإسلام- الجاهلي- سقف الشعر عند العرب، إلى عصر أبي الفرج نفسه، وكيف كانت البعير تنوء من حمل أسفار أبي الفرج التي وجدت في خلفاء بني العباس وتحديداً هارون الرشيد مجدداً من جهة اختيار المائة الصوت الواردة عند أبي الفرج. ثم ينبرى ابن عبدربه ليحاكي أبا الفرج في «العقد الفريد» ليكون للمغرب (الأندلس) مباهاته لأغاني المشرق، ولكن الأصل واحد في الأغاني والعقد، وهو الشعر العربي وحكاياته.

أما «الموسوعة» - كما تقول المقدمة- فإنها كتاب يجمع معلومات في كل ميادين المعرفة أو في ميدان منها، مرتبة ترتيباً هجائياً، فهي على ذلك دائرة معارف مختلفة الأشكال والألوان والروائح والطعوم.. يستوي في ذلك أن تشتمل على اتجاهات شتى متعددة متنوعة من المعارف والعلوم، أو أن تنحصر في اتجاه بعينه فتُلمّ بكل تفاصيله وجزئياته، وتحيط بها علما (ج1 ص 16).

وتقول -أيضا- : «وموسوعة شعر الغناء في القرن العشرين كتاب متعدد الأجزاء يحتوي على أغلب ما تغنى به المغنون ورددته الشفاه مترنمة من شعر الغناء اليمني في القرن العشرين» (ص 17-16).

لقد جاءت الموسوعة في 10 أجزاء عدا الجزء الحادي عشر الخاص بالفهارس، فيما مجموعه 5075 ورقة من الحجم الكبير (الطبعة الأولى) ماسحة فضاء الشعر الغنائي اليمني في المائة عام المنصرمة بما مجموعه مئتا شاعر توزعوا على صفحات الموسوعة حسب تسلسلهم الأبجدي مع ملاحظة أن حرف (الباء) لم يرصد له من الشعراء أحد. وطبيعي أن لا يشمل أو يصل هذا الجهد الفريد والمتميز إلى كل صوت غنائي في بلد لا تشرق الشمس فيه أو تغرب قبل أن تزف شاعراً إلى أهله.

وكم يستوقفني أن تنبري دائرة من دوائر المؤسسة العسكرية لعمل ثقافي جبار بحجم الموسوعة التي بين أيدينا لكننا نعرف جيداً ان دائرة التوجيه المعنوي والواقفين عليها قد انتقلوا بجدارة خارج مصاف النطاق المحدد الذي يرسم في الأذهان عادة لهكذا دائرة، لتلامس أفعالهم الثقافية النبيلة مشرق الوطن ومغربه، جنوبه وشماله، منطلقين من القاعدة التقنية الكبيرة التي تهيأت للدائرة في السنوات الماضية، ولوجود عزائم على قدر أهلها تذهب بهم إلى إنجاز مثل هذه الأعمال التي منها غير الموسوعة، الأجزاء الأربعة الكبيرة والأنيقة من «وثائق ندوة الثورة اليمنية: الانطلاقة التطور آفاق المستقبل»، وهو العمل التوثيقي الرائع لمراحل الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً والاستقلال الوطني في رصد دقيق لكل الأطروحات التي تقدم بها أصحابها، ووضعه في مكانه اللائق توثيقاً حتى تحين الساعة لإعادة صياغة وكتابة تاريخ الثورة اليمنية.

شعر الغناء أصيل في الذائقة الموسيقية الجممية للشعب اليمني، متأصل بعراقة الشعر كمكون أساسي من مكونات الشخصية اليمنية والعربية عموماً، وإذا طرأ طارئ- لعوامل اجتماعية وسياسية- يحدّ من ذلك اليعبوب التاريخي الممتد في النفسية اليمنية بمراحلها المختلفة، فإن ذلك الطارئ لا يلبث أن يتلاشى ويتبدد بقوة المكوث على الأرض، وليس أدل على ما نقول الحظر الذي أشاعه بعض الأئمة المتأخرين تجاه الغناء في عصرهم، فازدهرت الأغنية الصنعانية وراجت في المدن غير المغلقة وتحديداً مدينة عدن. وأخيراً حين أشارت مقدمة الموسوعة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من لم يتغن بالأذان».. كما قال:«اقرأوا القرآن على أصوات العرب».. وهي الصوت والركباني والحداء. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«روحوا على أنفسكم فإن النفوس تصدأ كما يصدأ الحديد»، وقال النبي عليه الصلام والسلام لأبي موسى الأشعري، (وكان يعجبه صوته في تلاوة القرآن): «لقد أوتيت يا أبا موسى مزماراً من مزامير داود».. كما قال:«رُبَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه”. وقالت العرب: «ويل للشعر من قارئه وكاتبه». فالإلقاء فن موسيقي أيضاً، ولقد اهتزّ النبي صلى الله عليه وسلم طرباً لقصيدة كعب بن زهير التي مدحه بها وابتدأها بالغزل ومطلعها:

(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)

ومنها:

هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة

لا يشتكي قصر منها ولا طول

فمنح الشاعر بردته. وكانت عائشة رضي الله عنها تطلُّ من على ظهره على الأحباش وهم يغنون ويرقصون.

وقال في وليمة عبدالرحمن بن عوف:«ألا تجعلوا لهم من يغنيهم؟!».

أما قول عليه الصلاة والسلام: «لست من ددن ولا ددن مني» فذلك بمعنى أنه لا يغني ولا يقول الشعر ولا ينبغي له (المقدمة ص 18 و19).

وقد جاء في خاتمة هذا العمل الموسوعي ما يشير إلى معرفة القائمين عليه عدم اكتماله بالصيغة المثلى التي تعدّ وتحصي كل شاعر غناء يمني في بحر المائة عام الماضية، مع عدم الركون والانتظار طويلاً، بل تخّطى ذلك بالبدء في إنجاز كل ما يقع في اليد أو الذاكرة، لتكون العودة حميدة في الطباعات القادمة بالإضافة والتنقيح والمراجعة. تقول الخاتمة: «.. لقد طوفنا ما طوفنا في حقبة من تاريخ شعر الغناء اليمني يمتد أمدها حتى بلغ المائة عام كاملة.. ولم نقل مثلما قال الأول: رضينا من الغنيمة بالإياب؛ لأننا نعلم أن ما لم نتمكن من الوصول إليه من شعر الغناء اليمني في هذا القرن كثير لا يكاد يحصى. لكننا قلنا- ولم نزل قائلين- إن البدء في إنجاز المشروع لا يعني الترقب والانتظار، وإنما لابد من لمِّ ما تجمع بين أيدينا من قصائد وأشعار لشعراء الأغنية اليمنية في القرن العشرين، وتقديمها في موسوعة تشتمل على أكبر قدر ممكن من هذه القصائد والأشعار منسقة ومشروحة ومضبوطاً شكلها قدر المستطاع لتسهل قراءتها قراءة صحيحة لا خلل فيها ولا اضطراب». (الفهارس ص 317).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى