مسكين بو عامر صبح مزقول

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> لعبت الأغنية الحضرمية الموضوعية دوراً كبيراً في إبقاء جذوة الوعي لدى العامة، وشكلت مساحة جديدة، وفضاءات رحبة للغوص في أعماق المجتمع، ونقشت في ذاكرة الذائقة الشعبية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي الكثير من الروائع الغنائية التي لامست بشفافية رقيقة، ورمزية دالة وحذق فني قضايا الساعة، سياسياً وفنياً وثقافياً وتراثياً، وبذلك ظلت الأغنية الحضرمية مكتسية ألقها المشع الذي عرفت به، وقد كان للشاعر الراحل الكبير حسين أبوبكر المحضار النصيب الوافر في هذا الاتجاه الموضوعي، بعد مغادرته النص الغنائي الذاتي، وتغليفه السياسي النقدي (بورق سوليفان) شعري عاطفي، فاتحاً شهية الكثير من مبدعي تلك الفترة الذهبية في تاريخ الفنون الحضرمية كافة، ومن أولئك المبدعين يأتي الشاعر حسين عبدالرحمن باسنبل المتميز بقاموسه الرمزي الخاص، الذي كان لقصيدته المغناة (بن مسلم) بعد نسجه معانيها ومضامينها على مطلع شعري لشاعر شعبي قديم يكنى (بن مسلم الشحري) الذي قال:

بن مسلم قال بالناظور خايل ساعيه

نتخت من زنجبار

وسطها شبان لي مايحسبون التاليه

يطعمون الحلو قار

فما كان من شاعرنا المبدع باسنبل إلا أن التقط هذا المضمون المباشر بقادم جديد، فنسج على شاكلته قصيدته الشهيرة، التي أكملها بقوله:

فيهم الصمصوم يسلم بوالشروع الوافيه

قبل ما يطلع نهار

يحزم العدة ويركبها المواج العاتيه

ما يحب صيد القشار

فكان هذا النص الغنائي الذي تغنت به فرقة الإنشاد التابعة لمكتب ثقافة حضرموت -يوم كان لحضرموت ثقافة رسمية فاعلة- وتعددت بعد ذلك روائع الباسنبل في هذا المنحى الرمزي الموضوعي، محملاً نصوصه الغنائية الكثير من المضمانين، طارقاً مظان لا يقترب منها إلا شاعر مجيد، يغترف من بيئته تراكيبه اللفظية الدالة، ويرسم صوره، وينسج خيالاته.

ومن ذلك قصيدته (بو عامر المسكين) التي وضع لحنها الفنان القدير أحمد مفتاح، وقدمت في احتفالات أكتوبر 1985م، من قبل فرقة الإنشاد كذلك، وقد كانت هذه الأغنية تأكيداً جديداً من شاعرنا حسين عبدالرحمن باسنبل على مقدرته الخاصة، وحساسيته الرامزة، إذ قال فيه:

مسكين بو عامر *** صبح مزقول في نص الطريق

ولعاد حصل من يعينه*** أو يشله من مكانه

***

من فهمه القاصر*** فسح في الأصل وأغراه البريق

وإن جاه بدوي من كنينه*** حط عينه عاثبانه

إن كان هو قادر*** على مد البيس يصبح صديق

وإن كان ما سمحت يمينه*** قال له بقعة ملانه

***

بالأمس باقادر*** ذرع له بالنصيحة كي يفيق

وعطاه كم كلمه رزينه*** علمه شرع الأمانه

لكن بو عامر** طمع في سمن غيره والدقيق

دايم يدور ع السمينة*** مارحم حتى خوانه

***

لي في الحيل شاطر*** صبح بعد النفس عايش بضيق

ضيع مفاتيح الخزينه*** مامعه في الكيس عانه

ووقفة عجلى مع هذا النص الغنائي، تضعنا أمام قضية في غاية الأهمية وهي كيف يستطيع الشاعر الحقيقي ملامسة واقعه، وطرح رؤيته الشعرية والفنية عن قضايا مجتمعه واختلاجانه وأحلامه وآماله، دون السقوط في المباشرة والتقريرية التي ابتليت بها أغانينا اليوم، ويؤكد قدرة الفنان على تذويب نصه في ذاكرة الأمة ليغدو جزءاً من ذاكرتها وذخيرتها، التي تستعديها في كل منعطف حياتي، تحتاج فيه إلى رؤية في نفق الآن المظلم، فترسل بصيرتها إلى أعماق الذاكرة لائذة بمثل هذه الدرر الفنية المنفتحة على قضايا الساعة ولو عن بعد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى