«الأيام» ترصد معاناة أهالي المسيمير في حلقات (4-2):سطور بسيطة من أسرار مديرية منكوبة: منطقة مغاثة.. تئن من تحت أنقاض المعاناة

> «الأيام» محمد مرشد عقابي:

>
طريقة جلب الماء من الوديان
طريقة جلب الماء من الوديان
على صدر الجبال الشاهقة، وفي مشهد جمالي بديع، منطقة مغاثة مغطاة بلباس الاخضرار الذي يكسوها، منازلها تتناثر في ثنايا الجبال، وكأنها قطرات ندى على لوحة زراعية مخضرة، وفي منظر جمالي بديع تنساب تحته مياه وادي تبن، لتضيف بأصوات خريرها منظراً جمالياً آخر إلى جماليات المنطقة. إنها بعض مشاهد الجمال الطبيعي التي تتمتع بها منطقة مغاثة إحدى مناطق مديرية المسيمير، فبالرغم من حيازتها موقعاً جغرافياً رائعاً، وامتلاكها الخضرة والماء، ومميزات السحر الطبيعي الأخرى، إلا أنها لم تحظَ بأدنى اهتمام من قبل السلطات بالمديرية، لذلك كان لـ«الأيام» السبق في ملامسة الهمّ، والتعرف على أسبابه عن قرب، لتخرج بهذه الحصيلة المحتوية على أصناف المآسي وألوان المقاساة التي يكتوي بها أهالي المنطقة .

المسيمير ليست نبتة شيطانية على أرض الوطن حتى تصادر جميع مشاريعها

«الأيام» شدّت الرحال لتعانق تلك الجبال العالية والراسية بثبات وشموخ، ومن تحت صخورها الصلبة نبشت خفايا وأسرار المعاناة، وتعرفت على بواطن القهر التي انبعثت من أفواه الأهالي، وكأنها قنابل موقوتة تحرق قلب من يستمع إليها، إنها بالفعل صور من أحزان مخيفة في صدور الأهالي لسنوات عديدة، نتيجة ضيق الحال وشظف العيش .

وفي بداية مشوارنا تحدث إلينا المواطن وشيخ المنطقة محمد قائد الفتاحي ليضع انطباعاته عن واقع المنطقة، حيث قال: «إننا في منطقة مغاثة لم نرَ نور المشاريع والمنجزات في منطقتنا منذ عقود سالفة، ومنذ بزوغ فجر الثورة وصولاً لميلاد الوحدة اليمنية، التي تعشمنا فيها خيراً لكنها -بكل أسف- لم تلبِّ لنا ولو جزءاً يسيراً مما حلمنا بتحقيقه من طموحاتنا وآمالنا الواسعة التي علقت عليها، كما إنها لم تحقق ولو جزءاً يسيراً مما حلمنا بتحقيقه من خلالها» .

وواصل قائلا :« سنوات عجاف اكتوينا بنيرانها وتطلعاتنا للمستقبل الأفضل، وتصوراتنا للغد المشرق في هذه المديرية، جميعها حنطت في غرفة الإهمال، وقيدت بحبال وثيقة من الوعود، التي تطلق كالرعود، وأصحاب الامتياز في إلقاءها عناصر سلطة المديرية. ياعزيزي كم لنا ننادي ونستغيث بالجهات المسؤولة لتوفير ولو مشروع للمياه، لكن مناشداتنا واستغاثاتنا لم تلقَ الآذان المستجيبة، وكأننا كمن يلاحق السراب أينما يذهب ظناً منه أنه ماء» .

وأضاف :« نحن في منطقة مغاثة أصبحنا نداري حالنا وآلامنا في أنفسنا، بعد أن تقطعت بنا كافة سبل التواصل، وأغلقت جميع قنوات التحاور مع الجهات المسؤولة والمعنية بالمديرية. فكل مطالبنا تصطدم دوما بجدار الإهمال وحواجز اللامبالاة من قبل كل المعنيين، وجميع نداءات مطالبنا ترتطم بصخور مشيدة من ملفات المشاريع الكاذبة، فقد وصلنا إلى مرحلة عجز ويأس من مجاراة تلك الوعود الوهمية، ولم يعد بمقدورنا إطلاق صرخات الاستغاثة أكثر مما فعلنا، لأن إخواننا في السلطة يمتلكون طرقاً سحرية في إذابة كل مطالبنا في كؤوس من الوعود التخديرية الطازجة التي تتحفنا في صياغتها سلطتنا المحلية وأصحاب الامتياز في عرض تفاصيلها على الهواء».

وقال :« قد مللنا من الرجاء والاسترجاء، وتعبنا من المناشدات والاستغاثات بهذه السلطة، لكن كل تلك النداءات تبخرت بفعل الوعود بإنجاز المشاريع، التي لم نرَ من طول جعجعتها المستمرة حتى اللحظة، ولو شيئاً بسيطاً من الطحين».

وطالب في ختام حديثه كل الجهات الرسمية بالمديرية بأن يعودوا إلى صوابهم، وينظروا بعين الاعتبار إلى حال البلاد والعباد في المديرية، وأن يراعوا الله في حق الناس، ويؤدوا أمانة المسؤولية التي تلقى على عاتقهم .

أجزاء من منطقة مغاثة
أجزاء من منطقة مغاثة
رياح المنغصات اجتاحت منطقتنا وبعثرت آمالنا

أما المواطن مفتاح علي سالم فقد أبدى بعض انطباعاته هو الآخر عن وضع المنطقة قائلا:« نحن نفتقر لأبسط المشاريع الخدمية الأساسية، فلا ماء ولا كهرباء ولا أي شيء من أساسيات المواطنة العادلة التي ينعم بها الآخرون»، وقال:« نحن نشرب من مياه وادي تبن ونستعملها في جميع ضروريات حياتنا الأخرى، وهذه المياه كما لايخفى على الجميع بمن فيهم السلطة المحلية الموقرة، وهذه المياه كما يعرف الجميع مليئة بعوائل الديدان المعروفة والنادرة، والتي تجد لها أرضا خصبة في التطفل علينا وعلى أولادنا ،وكون هذه المياه أضحت سببا رئيسيا في إحداث الوفيات في المنطقة بسبب ماتحدثه من أضرار صحية جسيمة تلازم المواطن طوال حياته» .

وتابع حديثه بالقول :« لم يعد أمامنا من خيار في ظل هذه الأوضاع الكئيبة والمنعطفات التي تعصف بحياتنا وحياة أطفالنا إلا أن نستغيث عبر صوتنا «الأيام» بكل أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي الخيرة، وكل مريدي الخير، للتوجه لإنقاذنا وأطفالنا من هذه الوضعية المأساوية التي نعيشها ليجنوا الخير بإذن الله» .

أساليب الدعاية والتهميش طغت على واقع الإنجاز

أما المواطن فؤاد السوادي فقد تحدث إلينا قائلا :«كم نستغرب نحن أهالي المسيمير لتلك الوعود بالمشاريع والإنجازات من قبل سلطتنا المحلية، التي تهلّ علينا بعد كل تخزينة يقرح فيها القات لأعلى درجاته، لتتبلور معه الأفكار وتتحول إلى جمل وتتشكل وتطلق كخطابات معسولة، تضفي على طبلة أذن المواطن وكل سامعيها وخزات تخديرية من إبر اعتاد المواطن على وخزها في كل مناسبة». وأضاف :« أيعقل أن سلطة قائمة لإدارة شؤون مديرية، ولها مخصصات مالية مركزية لايعلم بحصرها وعدها إلا الله لاتستطيع أن تقدم الحد الأدنى من الخدمات الأساسية والضرورية لبقاء الإنسان حيا، كمشاريع الماء والطرقات، وكذا الكهرباء التي تفتقر إليها منطقتنا بجانب أغلبية مناطق المديرية.» وواصل حديثه قائلا :« لاندري إلى أين تسير بنا عجلة الحياة في ظل هذه الأوضاع الرديئة والمأساوية، وماقد يترتب عليها من كوارث لن تحمد عقباها نتيجة زيادة نسبة الفقر والمرض والجهل والبطالة، وغيرها من منغصات الحياة بين أوساط شبابنا وطلابنا. إننا ماضون فعلا إلى هاوية الهلاك، وليس أمامنا من وسيلة متاحة لتنبيه مسوؤلي المديرية عن أوضاعنا إلا المناشدة عبر «الأيام» وإظهار معاناتنا لجميع الخلق، بعد أن عجزت مناشداتنا وتعبت ألسنتنا من كثرة المطالب التي حتى الآن لم تستطع أن تخطب ود المسؤولين، حتى من باب تحريك بواعث الرحمة والشفقة بأن يعاملولنا معاملة إنسانية تليق بكياننا الآدمي وتميزنا عن سائر الحيونات، وذلك بتوفير ولو مشروع واحد للماء لنشرب، ونسقي أطفالنا منه لنحافظ على ماتبقى لنا من أوردة تنبض بالحياة، بعد أن حرمنا من خدمة التيار الكهربائي الذي تعبر قوائمه وأعمدته أراضينا لتستقر خدماته وينعم بها الغير" .

وادي تبن وتظهر أضراره على الأراضي الزراعية
وادي تبن وتظهر أضراره على الأراضي الزراعية
يا سلطة ويا مجلس محلي إذا توليتم فارحموا أثابكم الله

الزراعة والمسيمير وجهان متلازمان دوما، فالمواطن بالمسيمير يعتمد اعتمادا شبه كلي على ما توفر له من أرض مزروعة لتسيير أمور حياته، وتوفير لقمة العيش لأسرته وأطفاله، لكن سيول هذا الموسم أطلقت رصاصة الرحمة، وفعلت مافعلت بأراضي ومزروعات المواطنين، واستطاعت تلك السيول بفعل قوتها أن تخلع لباس الاخضرار من على جسد تلك الأراضي، محولة إياها إلى تجمعات وأكوام متراكمة من الحجارة والحصى، ليقف المواطن إزاء هذه النكبات والأزمات موقفا لايحسد عليه. في هذا الشأن تحدث إلينا المواطن لطفي صالح أحمد قائلا : «المحاصيل الزراعية هي أساس معيشتنا والعصب الرئيسي لضمان بقائنا وأطفالنا على حيز الوجود، بما يعني بقاءنا وتعلق جميع الأمال، ومصير حياتنا مرتبط بمؤشرات بقاء الأرض الزراعية أو فنائها، كوننا لانملك مصدر رزق آخر يعيننا على مقاومة احتياجات ومتطالبات الحياة المتزايدة والكثيرة». وقال :«نحن أهالي منطقة مغاثة نعيش الظروف القاسية بكل فصولها المرة، فالمواطن فينا لا يكاد يوفر قوت يومه إلا بالكاد، وليس أمامه من منفذ أو مخرج للنفاذ بجلده من نيران غلاء الأسعار المستعرة، وجحيم متطلبات وحاجيات الحياة الأخرى غير الأرض، وماتحمله على ظهرها من مزروعات، لكن لأسف في هذا الموسم أتت السيول لتجرف وتعبث بأراضينا، ولم نجد من المسؤولين من يقف بجانبنا، فالأخوة في السلطات المعنية بالمديرية تنصلوا منا، ولم يوفروا الدفاعات اللازمة لحماية الأرض، حيث تقاعس وتخاذل جميع المسؤولين في المديرية عن القيام بواجبهم تجاه أراضينا التي لم يتبقَ منها سوى اليسير من عبث السيول«. وأبدى استغرابه بالقول :« رغم الكارثة التي تعرضنا لها بجرف أراضينا ومزروعاتنا إلا أن قادة سلطتنا المحلية لم يكلفوا أنفسهم حتى للنزول إلى الأرض ومعاينتها، والتعرف على الأضرار التي لحقت بها من السيول وكأن شيئا لايعنيهم، وليس من صميم مهامهم وأعمالهم». وتعجب بالقول: «لله في خلقه شؤون». وتابع حديثه قائلا:« جميع مناشدتنا لكل الجهات المعنية بالمديرية لم تحرك فيهم أي إحساس بالمسؤولية تجاهنا، وكذا لم تزحزح مشاعر الرحمة الجامدة والراكدة في قلوبهم».

واختتم حديثه قائلا:« إلى متى ستظل السلطة ترقص على إيقاع مشاريعها الوهمية، وتتفاخر بمنجزاتها الخيالية، بينما نحن أمام تعاملاتها نصبح فاقدي الوعي، ولا نملك إلا شدّ الشعر ولطم الخدود حزنا على خسارة وفقدان أراضينا ومزروعاتنا التي سلبت أمام أعيننا بفعل السيول الجارفة، ولا نستطيع أن نعبر نحن الأهالي المنكوبين إلا بذرف دموع الحسرة والقهر على حالنا البائسة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى