المؤيد والمحاكمة العادلة

> أبوبكر السقاف:

> الدول الاستعمارية تضع نفسها فوق القانون الدولي، وكان ظهورها على المسرح الدولي إيذاناً باستمرار مبدأ القوة، ومع الارتقاء الذي إنجزته الإنسانية وبعد تراكم هذه الإنجازات ازداد تنظيم هذا المبدأ متانة وحضوراً في العلاقات الدولية، ولعل 2001/9/11 كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ هذه العلاقات، لاسيما وأنها جاءت بعد انهيار أحد المعسكرين الدوليين، فأصبح الحدث الإجرامي ذريعة وظفته الدولتان الامبرياليتان على أكمل وجه، بل وغدا سلوكاً انتهازياً تستخدمه الأنظمة الاستبدادية في كل مكان لحماية نفسها بقمع دموي ومباركة متحمسة من قبل الدولتين اللتين أضفتا بذلك طابعاً عالمياً فكرة محاربة الإرهاب أصبح يهدد فيما يهدد استقلال الدول وحق الشعوب في الدفاع عن الحرية وحق تقرير المصير. أصبح ذريعة سهلة في يد الصين لمحاربة حركة التحرر والحقوق الإسلامية، واستخدمه شارون ومن جاء بعده لإغراق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في سفسطة تلغي الفرق بين الإرهاب وحق مقاومة الظلم الذي كان من الحقوق الأولى التي وردت في الإعلان المعروف لحقوق الإنسان والمواطن في بداية الثورة الفرنسية العظمى، وجعل بوتن من الذريعة نفسها وسيلة لاستمرار حربه ضداً على الشيشان *.

لكن أخطر ما حدث هو أن هذه الذريعة تحولت من قضية أمنية بوليسية إلى وسيلة لعولمة مسيرة الاستعمار ليكون الغزو العسكري مكملاً ومتضافراً للعنف الاقتصادي الدولي، ونتج عن ذلك التنكر لمبادئ الحرية الشخصية، وسيادة القانون حتى في الدولتين الامبرياليتين أمريكا وبريطانيا، ورفضت الهيئات الحقوقية فيهما القوانين التي تهدد حرية المواطن حتى أن ثلاث عشرة هيئة حقوقية أمريكية أجمت على رفض قانون التنصت وغيره من القوانين التي تناقض الدستور والقوانين السائدة .

أحدثت أمريكا ومعها خادمها ماتي ** خلاءً قانونياً في غير بلد حيث السجون السرية في أوروبا والبلدان العربية دهاليز تعذيب بالإنابة، ولكن ذروة هذا الخلاء : غوانتانامو والسجون الأمريكية المعروفة ببشاعتها تاتي بعده .

إن المحاكمة العادلة تعني فيما تعني أن تكون السجون أثناء المحاكمة مكاناً لحجز المتهم لا زنزانة تعذيب يومي، كما هي الحال مع المؤيد وزايد، وقد نشرت الصحف في غير بلد معلومات عن سلوك يحط من كرامة الإنسان السجين، بما يعرف باختصار لكلمة سام، الذي من إحدى بركاته تقييد السجين طوال مدة بقائه في السجن وحرمانه من حقوق كثيرة يتمتع بها المجرمون، وهذا أدى إلى وقوع زايد في حال اكتئاب وإلى وهن شديد أصاب المؤيد قال الطبيب بأن استمراره يمكن أن يودي بحياته.

الحرية هي حرية الآخر، ولا علاقة لها بآرائه السياسة أو الدينية وكذلك حق المحاكمة العادلة، لأن هذا اللون من الاحتجاز يعادل تجريماً يسبق نتائج المحاكمة، التي استؤنفت غير مرة .

بعض كتاب صحف المهجر العربية، من ما يعرف بالواقعيين كانوا يبشرون بأن التطبيع مع العدو الصهيوني هو ضرورة لتحقيق السلام، وهو موقف إسرائيلي بامتياز ورغبة غير معلنة لعدد كبير من الأنظمة الرجعية والاستبدادية، وهم اليوم يحذرون الوطنيين والقوميين واليساريين في البلدان العربية من مغبة الاستمرار في معاداة الامبريالية، لأن ذلك يصب الماء في طاحونة المتطرفين المسلمين في القاعدة وغيرها، فشرط التقدم في نظرهم هو أنه يمكن الاختلاف مع أمريكا ونقدها أحياناً ولكن لا يمكن البتة معاداتها، ولذا يجب السكوت عن جرائمها في كل مكان وفي المقدمة ما تصنعه في البلدان العربية، واتساقاً مع هذه الحكمة يجب أن يسكت اليمنيون عن المعاملة غير الإنسانية التي يلقاها المؤيد وزايد. إن تأييد حقوق الإنسان قد يرتفع فوق محاكمة آراء الناس السياسية وعقائدهم الدينية. والدفاع عن حقوق الإنسان بما هو إنسان هو ما تشير إليه كلمتا الحق الطبيعي الذي لا يقبل التفويت، ورغم استقلال هذا الحق وأسسه الفلسفية عن الفكر الديني والأديان إلا أنه يراها جزءاً من مسار تكوينه. كانت ذروة دعوى السادة الواقعيين في طرح الخيار القاتل بين الامبريالية والفاشية هي السنوات التي سبقت إعادة استعمار العراق، وكأن علينا فعلاً باسم حكمة موهومة أن نختار بين امبريالية الغرب وفاشية صدام حسين وحزبه الأوحد. ودعموا دعواهم بأن إطاحة الفاشية في العراق مدخل لإقامة دولة عربية تجدد مجد العروبة والإسلام. أصبح العراق خلاءً قانونياً بامتياز، مدمراً تدميراً شاملا، موهناً حتى الإعياء والموت، متناحراً حتى الجنون، وازدهرت فيه الفاشية تحت قناع الإسلام السياسي الجهادي، الذي تقتل الأهل قبل الخصم، وينظم قائد الاوركسترا الأمريكي شعار الإسلام السياسي السني والشيعي وأصبح حكماً وشاهداً على مأساة صنعها ليسيطر على نفط المنطقة العربية والآسيوية .

إن المشكلة ليست في تجدد ارتفاع هذه الأصوات المفرطة في الواقعية السياسية والأخلاقية، بل في ما أسماه الزميل محمد السيد سعيد (رئيس تحرير صحيفة البديل القاهرية) موت الرأي العام العربي، وأرى أن شيخوخة الأحزاب السياسية وهزال برامجها رافق هذا الموت منذ بداية تكونه، ولكن الصحوة الحقيقية لابد أن تبدأ من الرأي العام، صانع المجتمعين المدني والسياسي، فهما لا يكونان إلا معاً. أصبحت الأحزاب، لا في لبنان وحده إقطاعاً سياسياً، وإذا كانت «الحجة» في لبنان هي ضرورة الديمقراطية التوافقية، فما حجة البلدان الأخرى؟ والديمقراطية مثل حقوق الإنسان والحق الطبيعي لا تقبل عند تعريفها إضافة غريبة عنها مثل التوافقية أو الموجهة .

عندما لا تكون قضية مواطن/ مواطنة قضية رأي عام، فإن ذلك يعني أن المجتمع لايزال راسخاً في الوشائج الأولوية التي سبقت المجتمع الحديث. والبدء بالدفاع عن الإنسان المواطن دليل نضج مدني وسياسي، يحيل الأخلاقية السياسية أساس السياسة.

لعل العزاء الوحيد حتى الآن هو ما يجري منذ نحو سبعة أشهر في الجنوب الحبيب هذا الغضب الجميل، والجموح النبيل للإنسان مواطناً وللوطن دون فصل خبيث بين الاثنين هو ديدن كل أنظمة التسلط.

علينا أن نضع كلمة الإنسان الفرد في عبارة فيلسوف الطاوية لاوتسو المشهورة محل كلمة الرحلة رحلة الأميال الألف تبدأ بخطوة واحدة .

2007/12/20

* أصبحت أمريكا وبريطانيا فوق القانون الدولي وفتحت بذلك الباب أمام كل ألوان الاستبداد. بدأت غزوات الاستعمار منذ القرن السادس تحت ذرائع عدة محاربة القرصنة التي بدأت على يدهم لاحتلال أوطان مستقلة ثم محاربة تجارة الرقيق بعد أن رحّل الغرب نحو ثمانية مليون إنسان من أفريقيا، وتقوم محاربة الإرهاب بالدور نفسه وعلى نطاق أوسع معولم، ليعود إلى المرحلة الكولونيالية التي سبقت النظام الامبريالي.

** إشارة إلى مسرحية برشت «بونتيلا وتابعه ماتي»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى