القزع .. حقيقته وموقفنا منه

> «الأيام» أسامة بن محمد الكلدي:

> الشعر نعمة جمال وكمال، وزينة أكرم الله بها بني آدم، فلا عجب أن يشرع الإسلام التزين للرجال والنساء، كل بما يتوافق مع تركيبه الخلقي، لكنه لم يطلق العنان للرغبات الجامحة تفعل بشعور أصحابها ماتشاء، بل دعا إلى ضبطها بما لايصطدم مع المقرر شرعا، المقبول عقلا، المألوف عرفا.

وقد انتشرت مؤخرا قصات غريبة شوهت شعر أصحابها، وشذوا بها عن جمهور الناس، اختلفت أسماؤها، لكنها ترجع غالبا إلى ما يسمى في لغة الشرع بالقزع، فما هو القزع، وما حكمه، وما موقفنا منه؟

القزع- بفتح القاف والزاي- هي القطع من السحاب المتفرقة، واحدتها قزعة.

وسمي شعر الرأس إذ ا حلق بعضه وترك بعضه قزعا تشبيها بالسحاب المتفرق (فتح الباري 10/376). وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع. ففي الصححين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع». وفي سنن أبي داؤود والنسائي- بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم- عنه أيضا قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيا قد حلق بعض شعر رأسه، وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك»، وقال: «احلقوه كله أو اتركوه كله».

والأصل في النهي التحريم، وهو عام للرجال والنساء، وللأسف إن بعض الآباء جعلوا شعور بناتهم الصغيرات مقزعة لا تتناسب مع أنوثتهن البريئة.

وعلة النهي كونه يشوه الخلقة، وقيل لأنه زي الشيطان، وقيل لأنه زي اليهود (فتح الباري 10/378). وهذا من كمال الشريعة ومحبتها للعدل في كل شي، حتى في شأن الإنسان مع نفسه. والقزع أنواع: أشدها أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما يفعل شمامسة النصارى، ويليه أن يحلق مقدم رأسه ويدع وسطه كما يفعل كثير من أسقاط الناس، ويليه أن يحلق مقدم الرأس ويترك مؤخره. وقال ابن القيم: «وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها أقبح من بعض». (أحكام أهل الذمة 3/1294) ولاينفي غيرها من القصات فيه، فكل حلاقة أخذ من شعر صاحبها- سواء من جوانبه أم وسطه أم مؤخره أم مقدمه وترك الباقي دون أخذ منه فإنه من القزع المنهي عنه، إذ النص الوارد في ذلك عام.

ونفهم من هذا أن تخفيف الشعر أو تقصيره يجب أن يكون من جميع الجوانب، وإذا كان القزع محرما فإنه يحرم على الحلاق أن يفعله بالغير، فإن فعل أثم، لأنه معين على الإثم والعدوان، وحرم ما يأخذة من أجرة، قال علماؤنا الكرام: «الإجارة على المحرم محرمة».

إن الجهل بحرمة القزع وتساهل الوالدين والمدرسين وحب التقليد وإهمال ولاة الأمور، أسباب أدت إلى انتشاره وشيوع قصاته الغريبة الشكل، المشينة المنظر، وهي تنبئ عن ضعف وسذاجة ونقص تفكير.

والشيء بالشيء يذكر، فالرئاسة العامة لرعايه الشباب بالسعودية أصدرت قرارا بمنع القزع وتعميمه على جميع اللاعبين، وكتب أحد الحلاقين بالكويت على واجهة صالونه (يمنع حلق اللحية والقزع) بعد أن علم بتحريمه.

فهل بعد هذا نمتنع ونقول: «سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى