«توقيعات إنسانية» وتنويعات إبداعية لدى الطبيب الأديب نزار غانم

> «الأيام» مختار مقطري:

> ما يثير دهشة المرء وإعجابه معاً، في شخصية د. نزار غانم، هذا التنوع الثري، والامتزاج المتعدد الجوانب في ملكاته الإبداعية العلمية والأدبية والفنية، فهو طبيب، وهو شاعر، وهو موسيقي يجيد العزف على العود ويجيد الغناء، وهو باحث في تاريخ الموسيقى وباحث في تاريخ الطب في اليمن، وله كتب منشورة عن الأغنية اليمنية وجذورها في أعماق الخليج، وعن أصالة الأغنية العربية، وعن الطب البديل في اليمن، وعن الرقصات الأفرو - يمنية، وعن مواضيع تراثية وثقافية أخرى، ومنذ عام 1990 وحتى عام 2003 شارك د. نزار غانم في ندوات ومؤتمرات عربية ودولية عديدة، اخترت بعض عناوينها أدناه للدلالة فقط على سعة عالم الإبداع في شخصية هذا الطبيب والأديب والفنان د. نزار غانم:

1) ندوة الطب الشعبي - صنعاء 1990م، 2) الندوة العلمية الأولى للموسيقى اليمنية - صنعاء 1997م، 3) ندوة المجتمع العربي للموسيقى السابع عشر - البحرين 2002م، 4) المؤتمر الأول لمنظمة إدارة المتطوعين لمنطقة المحيط الهادي - كوريا الجنوبية 2002م.

ود. نزار غانم محاضر زائر في مراكز الدراسات الاستشراقية بأمريكا (1993م) - اتحاد الجامعيين الكنديين العرب بكندا (1993م) - مراكز الدراسات الاستشراقية ببريطانيا (1994م) ومركز دراسات التنمية بجامعة برجن بالنرويج (1998م). وحسبنا ما ذكرنا، ثم تزول الدهشة ويتحول الإعجاب إلى انبهار بشخصية هذا الطبيب الشاعر والفنان د. نزار غانم حين نتذكر إبراهيم ناجي صاحب (الأطلال) وأحمد صبري النجريري طبيب الأسنان ومن أوائل الملحنين لأم كلثوم، ولو عرفنا له اهتمامات في الفلسفة لتذكرنا الرازي والفارابي وابن سينا.

ولا أحسب د. نزار غانم قد جمع الماء والنار في يده وجمع الجد وألفهما في شخصيته العلمية والإبداعية إلا حباً منه للتميز مستثمراً ولعه بالعلم وعشقه للفن والأدب، وأما ولعه بالعلم فعن موهبة مكتسبة ونبوغ مبكر، وأما عشقه للفن والأدب فعن موهبة موروثة مزجها بدمه والده الأديب والشاعر والفنان الراحل د. محمد عبده غانم، وغذيت باهتمام ورعاية أسرة متأدبة وشاعرة وفنية.

لكن د. نزار غانم، ورغم كل هذه الاهتمامات العلمية والأدبية والفنية التي تتجلى في العناوين التي اخترنا عدداً منها لمؤلفاته والندوات والمؤتمرات التي شارك فيها، وعدد آخر لم نشر إليها، إلا أن اهتماماته تلك وانشغالاته في العمل الأهلي الثقافي الاجتماعي وعمله مدرساً لمادة الطب المهني بقسم طب المجتمع بكلية الطب بجامعة صنعاء لم تمنعه من إقامة العلاقات الإنسانية والإخوانية بمن حوله في اليمن والسودان - وطنه الثاني - وهو (السوماني) صاحب كتاب (جسر الوجدان بين اليمن والسودان «1994م»)، وفي مقدمتهم المبدعون فيجعل قول المتنبي شعاره: «ولستُ ممن يدعي الشوق قلبه/ ويحتجّ عن ترك الزيارة بالشغل» ليشاركهم همومهم، ويشعر بمعاناتهم، ويتأثر لأحزانهم، ودون اكتفاء بتتبع نتاجاتهم يعمل للتخفيف عنهم، فيؤسس العيادة المجانية للمبدعين بصنعاء عام 1992، ثم يؤسس فيها المركز الصحي الثقافي عام 1996م.. فلا عجب أن يحبه المبدعون، وحال معظمهم في اليمن لا يختلف عن حال معظمهم في السودان، وأن يعبروا عن حبه لهم وتقديرهم إياه بالشعر، والشعر خير من يعبر عن مشاعر الإخوان- حتى المبدعون في مجالات إبداعية أخرى غير الشعر- وقد تولى الشاعر حاتم محسن شراح جمع هذا الشعر الإنساني الجميل وأعده للنشر، وقد نشر في كتيب من الحجم الصغير في نحو (100 صفحة) عن (مركز عبادي للدراسات والنشر بصنعاء، الطبعة الأولى 2007م) حمل عنوان (توقيعات إنسانية: قصائد مهداة إلى الشاعر نزار غانم كتبها شعراء يمنيون وسودانيون) وكتب له مقدمة د. عبدالسلام الكبسي، رئيس مؤسسة بيت الشعر اليمني بصنعاء، وهي مقدمة قصيرة لكنها رائعة، ومكتوبة بأسلوب أدبي بديع، يقول د. الكبسي في مقدمتها:«هذه التوقيعات الشعرية شيء من أشياء كثيرة وجميلة نضعها اليوم أمام القارئ لتشهد على رحلة إنسان (يعني د. نزار غانم) نابض بالحب والملائكية في علاقته بعدد مهم من شعراء اليمن والسودان من الذين يدينون له بالوفاء والذين بادلوه الضوء بالضوء والعطر بالعطر والحب بالحب والشعر بالشعر، لماذا؟ لأنه وقف معهم في لحظات إنسانية قصوى كانوا قد مروا بها وشاركهم هم المبدع وقلق الأديب، وقد رأى بيت الشعر اليمني أن تخرج هذه التوقيعات للناس انطلاقاً من أهمية ما قيل وفي إطار ما هو إنساني بالتحديد حيث لقاؤنا الجميل».

ويعلل د. الكبسي حب المبدعين د. نزار غانم بـ:«لقد سخر الدكتور نزار غانم، الطبيب الإنسان، علمه وطبه، عيادته ووقته، خبرته وتطلعه للمبدعين بلا مقابل، بل وساهم بصورة مباشرة وضمنية معاً في التخفيف من آلام الناس ومشقاتهم في محاولة منه منحهم السعادة». لكن د. نزار غانم ليس مجرد طبيب عادي - كما يؤكد د. الكبسي - يرفق بمرضاه ويرأف بالمبدعين «من مخاوف الحياة وشرك عوزها وتجاهلها لهم» لأن د.نزار غانم أصبح:«سلوكاً مغايراً وثقافة نحرص على تعريفها بتسليط الضوء عليها والإشارة بعمق إلى رجل مثل الدكتور نزار غانم الذي عرفناه وخبرناه فوجدناه عند حسن الظن وعلى قدر كبير من المسؤولية يشعرك بالدفء ويبسط إليك يده وقلبه يرف كعصفور بين يديك مفتوحاً ككتاب، إذا تحدث تدفق وإذا أنصت وثق، أحب الناس فأحبوه وتعرف إليهم فعرفوه بانتمائه إلى أسرته العريقة الثقافة ومن الطراز الأول، وبعمله كطبيب وموهبته كشاعر».

وفيما يلي نماذج من هذا الشعر الإنساني الإخواني الجميل، الذي كتبه مبدعون يمنيون وسودانيون تعبيراً عن حبهم وتقديرهم لهذا الإنسان الجميل الطبيب الشاعر والفنان والأديب د. نزار غانم، وهي نماذج لم يخضع اختيارها لمستوى تذوق كاتب هذا العرض للشعر، فالشعر في هذا الكتيب (توقيعات إنسانية) كله جميل، ولكن اختيارها كان للدلالة على كل الشعر في هذا الكتيب المعبر عن مشاعر إنسانية جميلة نتمنى أن تظل عامرة بها قلوب المبدعين وغير المبدعين.

يرى الشاعر قاسم عبدالله النوعة أن لا قيمة للحياة إذا لم يكن الحب إيثاراً بين الناس فيقول:

جئتكم ألبس الوفاء إزارا

لست أهوى إلا الهوى و(نزارا)

أمتع الناس باليدين وثوقاً

والحنايا للناس أرضاً ودارا

يا أخا المجد ما الحياة إذا لم

يـكـن الـحـب بيـنـنا إيـثـارا

وفي قصيدة عينية للشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار يرى المحضار أن الإبداع ما يجزى عليه المرء حيث يقول في مطلعها:

أبدع تجازى بإبداعك وترضي الجميع

واعمل من الخير في دنياك ما تستطيع

واخلص وجد واشتري المعروف واحذر تبيع

وقدم الشكر للشاب الأديب الوديع

(نزار غانم) تعمق في المعاني ضليع

وفي قصيدة مطلعها:

هذه داره وهذا ابن غانم

أعلنوا للورى وكل العوالم

يؤكد الشاعر عبدالرحمن العمري على تاريخ اليمن المجيد الذي أشار إليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وأنه بإمكاننا اليوم أن نصنع لليمن مجداً جديداً، يقول العمري:

سوف نبني هذي البلاد بعزم

وثبات تهون منه العظائم

فلنا في التاريخ أعظم ذكر

ولنا في القرآن مجد قائم

قال رب الوجود بلدتكم طا

بـت وأني غفار كل المآثم

فهلموا يا إخوتي نعمر الأرض

فعصر الحياة لا بد قادم

وفي ختام قصيدته يوجه العمري حديثه إلى د. نزار غانم مذكراً بأن ما يقدمه للمبدعين من خدمة طبية إنما تشفي نفوسهم لا أبدانهم فقط:

يا (نزار) الخيرات ليس بنزر

أو صغير ما شدته بالعزائم

سوف تهدي البلاد أعظم صرح

سوف تلقي على الجروح البلاسم

سوف تشفي من الهموم نفوساً

وكـذا يفـعل الـعظـيـم العـظائـم

أما الشاعر صالح عبيد باظفاري، فيرى أن د. نزار غانم ممكن أن يسهم في علاج المبدعين من أمراض الجسد لكن نفوسهم محبطة بمعاناتهم كأناس عاديين يكتوون بالغلاء والحياة المعيشية الصعبة المؤثرة على مستوى الإبداع ومواصلة العطاء، يقول باظفاري:

ممكن تعالح ألف مبدع بالإبر والبنسلين

واش بايعالج حمة الإبداع بين المبدعين

عقولهم جفت من التفكير والقول الرزين

بس كيف يكتبون نيران الغلاء ترشن رشين

ويرى الشاعر علي عبدالرحمن جحاف أن تأسيس د. نزار غانم للعيادة المجانية الخاصة بالمبدعين عمل رائع لم يفكر به الأغنياء المترفون في زمن يمتهن فيه الإبداع، يقول جحاف:

(نزار) إنك قد أبدعت مكرمة

بهذه الأرض ما رفت ببال غني

عيادة لذوي الإبداع جاهزة

تأسو جراحهم من دونما ثمن

في فترة صار فيها الفكر ممتهنا

والفن منتهزاً والشعر في حزن

ومطلع قصيدة الفنان الكبير محمد مرشد ناجي الذي اخترناه تجعلها ليست بحاجة إلى تعليق، يقول المرشدي:

يا (نزار) يا ابن (غانم)، إيش دخلك بالدهائم

خسرت أهل المغانم ، ما في هنا شيء لله

الحب حب الفلوس ، حتى ولو بالفؤوس

خليك كذا لا تكوس، في شيء مقدر من الله

ويرى الشاعر سيد أحمد الحردلو أن د. نزار غانم قد هزمه في عشق السودان، يقول الحردلو:

لم يهزمني في سباق عشق السودان

سوى شاعر واحد

غير سوداني

أغزو الشرق

فيغزو الغرب

أجتاح الشمال

فيجتاح الجنوب

أكتب نثراً

فيكتب شعراً

أتحدث عن اليمن

فيؤلف كتاباً عن السودان

ويشارك د. مبارك الخليفة بهذه الأبيات:

نعمت بصحبة الأبرار خلاني وإخواني

سعودي يعانقه بعشق النيل سوداني

يماني (نزار) المبدع الموسوم (سوماني)

زرعتم في جوانحي الهوى في كل وجداني

أفارقكم وبي حزن أعالجه بتحناني

سأذكركم ويغمرني اشتياق المدنف العاني

وفي قصيدة جميلة يشبه الشاعر عمر بخاري عبدالله، د.نزار غانم بنهر النيل:

قالوا: سترحل يا نزار

أخذوك منا خلسة

نزعوا اللآلي والمحار

يا بحرنا هذا دوار

يا من.. ستأخذه نزار

مهلاً ستأخذ نيلنا الصافي نزار

وما أجمل هذين البيتين في قصيدة الشاعر رعد أمان:

فلأنت وحدك للغناء قصيدة

يا ليتهم سموا المزار (نزارا)

يكفيك أنك يا ابن (غانم) غانمٌ

حبي وأمر الحب ليس يدارى

ما أجمل المشاعر الإنسانية الرائعة في كتيب (توقيعات إنسانية) وما أجمل الشعر..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى