رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> دثينة في دائرة الضوء ..ورد في كتاب (تاريخ القبائل اليمنية) الجزء الأول ـ اليمن الجنوبية ص 243 للراحل الكبير حمزة علي لقمان أن دثينة تبعد عن عدن حوالي 130 ميلا، تحدها من الشمال بلاد العوذلي والعوالق العليا، ومن الجنوب والغرب بلاد الفضلي، ومن الشرق العوالق السفلى.

كما ورد في الكتاب الآنف الذكر بيانات مفصلة عن قبائل دثينة التي تتكون من الحسني والميسري والسعيدي والفطحاني والسادة والمشايخ وأهل قاحل، وعن تفاصيل أهل حسنة- وهي زادي لهذه الحلقة- أنهم ينقسمون إلى ثلاث قبائل هي: أهل منصور وأهل زامك وأهل حسين، وينقسم أهل حسين إلى عشر فخائذ منها فخيذة أهل شعيث التي تنقسم إلى الفروع التالية:

- أهل عامر في جبلة اموزنة، وأهل كنبح في أورمة ومنها حبان.

- أهل معرج وأهل منصور بن ناصر في حبان.

-1 اللواء ركن أحمد محمد عرب

الميلاد والنشأة

اللواء ركن أحمد محمد عرب من مواليد مودية في قرية مقرن وهي حاضرة دثينة في العام 1922م، وينتمي رحمه الله إلى أهل شعيث، إحدى الفخائذ العشر التي تتفرع عن أهل حسين، ونشأ فيها سنوات طفولته الأولى وتعلم مبادئ القراءة والكتابة إلى جانب القرآن الكريم في كتاتيب القرية، وما أن شب عن الطوق حتى كان هاجسه الأول هو هاجس من سبقه من أبناء محمية عدن الغربية أو الشرقية وهو الالتحاق بالقوات المسلحة التي نشأت أول نواة لها عام 1915م وعرفت بـ(الكتيبة اليمنية الأولى) التي حلت عام 1925م وعلى أنقاضها نشأ ما تعارف الناس على تسميته بـ(جيش الليوي - LEVIS) والليوي تحريف هندي للكلمة الإنجليزية (ليفيز) ومعناها (القوات المجندة). (راجع التاريخ العسكري لليمن (1839 - 1967م) سلطان ناجي ص 142).

اللواء بن عرب في أوراق العقيد محمد سعيد يافعي (شنظور)

إذا اطلع القارئ الكريم على سيرة العقيد محمد سعيد يافعي (شنظور) التي وردت في حلقة رجال في ذاكرة التاريخ التي نشرتها «الأيام» في العدد (4745) الصادر في 26 مارس 2006م سيلاحظ أن هناك أوجه شبه بين الشخصيتين العسكريتين المرموقتين، منها أن كلا منهما من مواليد 1922 وثانيها أن الجيش مر بمرحلتي انتقال، كانت الأولى عندما أصبح اسمه (جيش محمية عدن - APL) المعروف بالليوي، وكانت الثانية عندما أصبح اسمه (الجيش الاتحادي النظامي - THE FEDERAL REGULAR ARMY) في 11 فبراير 1959م أي بعد قيام اتحاد الجنوب العربي (FSA)، فالتحق عدد من الضباط العسكريين في دورة خاصة لتأهيلهم لشغل مراكز قيادية، وتم ترقية محمد سعيد يافعي وأحمد محمد عرب وصلاح عولقي ومحمد أحمد بن موقع إلى رتبة (مقدم) LT.COLONEL عام 1962م، وصدرت قرارات بعد ذلك بتعيينهم في مراكز قيادية.

بعد حصول البلاد على استقلالها في 30 نوفمبر 1967م صدر قرار جمهوري بتعيين أحمد محمد بن عرب محافظا لأبين فيما صدر قرار بتعيين محمد سعيد يافعي (شنظور) سكرتيرا لمحافظة لحج (المحافظة الثانية آنذاك) ثم محافظا لها، وانتقل بعد ذلك محافظا لحضرموت (المحافظة الخامسة آنذاك).

بن عرب وشنظور في تنظيم الضباط الأحرار

في تغطيتها لخبر تشييع جثمان الفقيد أحمد محمد عرب، أوردت «الأيام» الفقرة التالية في سياق التقرير الخبري في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 25 نوفمبر 2007م:

«كان الفقيد رحمه الله من القيادات العسكرية الأولى التي تأثرت بالفكر القومي العربي وبثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبدالناصر، وكان له شرف المشاركة في تنظيم الضباط الأحرار في القوات المسلحة مع رفاقه الأماجد حسين عثمان عشال وأحمد صالح عبده وعبدالقوي المفلحي القديمي والحسيني عبدالله الحاذق ومحمد قاسم عليو وعلي عبدالله ميسري ومحمد سعيد شنظور ومحمد أحمد السياري وغيرهم من القيادات العسكرية في ذلك الحين».

بن عرب أول من رفع علم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية

كما أفادت «الأيام» في تقريرها الخبري: «وقد عمل الفقيد رحمه الله على تزويد الثوار بالمؤن والأسلحة وتموين خطوط الإمداد والتموين لتحركاتهم في كل جهات القتال، وكان رحمه الله أول من رفع علم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية PEOPLE’S REPUBLIC OF SOUTH YEMEN وقد تبوأ حينها منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومن ثم محافظا لمحافظة أبين».

بن عرب من دعاة التسامح والتصالح

إن الوطني الشريف والمؤمن الحق هو الذي يعز عليه أن يرى نزف دم المسلم على يد أخيه المسلم، وهو الذي يعز عليه أن يرى الفتنة مستعرة في صفوف المسلمين.. و«الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، وهذا الصنف من الرجال أحدهم اللواء أحمد محمد بن عرب، واستنادا للتقرير الخبري الذي أوردته «الأيام»: «كان رحمه الله يكرر قبل وفاته دعوته إلى إغلاق ملفات الماضي وتعزيز الوحدة».

بن عرب في موكب الخالدين

انتقل اللواء ركن أحمد محمد بن عرب إلى رحمته تعالى يوم الجمعة المباركة الموافق 23 نوفمبر 2007م، وشيع جثمانه في موكب جنائزي مهيب في قرية مقرن بمديرية مودية محافظة أبين عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاما، وقد نقل جثمانه رحمه الله في نفس اليوم من مستشفى باصهيب العسكري في عدن إلى مسقط رأسه (مقرن) بمودية بعد حياة حافلة بالمواقف الوطنية والانضباطية تجاه الواجب، ناهيكم عن مواقفه الإيجابية تجاه أهله وناسه.

الفقيد الركن أحمد محمد بن عرب متزوج وأب لتسعة أبناء وأربع بنات، وقال أحدهم وهو العقيد عبدالله أحمد عرب لمندوب «الأيام» بأن الأسرة تلقت عددا من الاتصالات والبرقيات من علية القوم يتقدمهم رئيس الجمهورية ونائبه ووزير الدفاع والرئيس علي ناصر محمد وشخصيات سياسية واجتماعية من داخل الوطن وخارجه.

الكتاب وما أدراك ما الكتاب؟!

أوردت صحيفة «الأيام» في تقريرها الخبري الآنف الذكر على لسان نجل الفقيد العقيد عبدالله أحمد عرب أنه يهيب بزملاء ورفاق الفقيد المساهمة في إعداد كتاب أربعينية الفقيد باعتباره فقيد الوطن والقوات المسلحة.. للأمانة نقول حتى نتوخى الصدق والموضوعية في المواد المقدمة لإعداد الكتاب فلابد من أن تصب في اتجاه الحقيقة بأنه لو قدر للقوات المسلحة النظامية في جيش اتحاد الجنوب العربي بعيدا عن الفتنة التي مزقته ومزقت أوصال الوطن وأوصلتنا إلى هذا الوضع المأساوي الكارثي الذي أفرزه 7 يوليو 1994م السيء الصيت الذي أقصى المواطن في الجنوب ونهب أرضه وثرواته واستأثر بالمكاسب والإنجازات التي اتسعت لصالح القبيلة وضاقت لصالح العشيرة والأسرة، لكان ذلك الجيش (جيش اتحاد الجنوب العربي) من أرقى جيوش المنطقة، فالمسألة ليست في القلة أو الكثرة، وإنما في النوعية، وجهود إسرائيل في البحث العلمي تتجاوز الوطن العربي برمته، وجيشها يفوق الجيوش العربية من حيث الإعداد والعدة، وإسرائيل تصدر أسلحة متقدمة إلى مختلف دول العالم، وتعداد سكانها لايتجاوز أربعة ملايين، في حين أن العرب يتجاوز تعدادهم الـ (250) مليون نسمة.

-2 المناضل والنقابي عبدالله محمد محروق

الولادة والنشأة

المناضل والنقابي البارز عبدالله محمد المحروق من مواليد جبلة اموزنة بمودية حاضرة دولة دثينة عام 1939م، وسبق أن تطرقنا في مطلع هذه الحلقة إلى أن أهل حسنة (أو الحسني) هي إحدى قبائل دثينة وبدورها (أي الحسني) يتفرع عنها: أهل منصور وأهل زامك وأهل حسين، وتتفرع (10) فخائذ عن أهل حسين، منها فخيذة أهل شعيث، ويتفرع عنهم: أهل عامر في جبلة اموزنة وأهل كندح في أورمة وأهل معرج وأهل منصور بن ناصر في حبان. لمزيد من التفاصيل راجع كتاب (تاريخ القبائل اليمنية) الجزء الأول - اليمن الجنوبية ص 243، للراحل الكبير حمزة علي لقمان.

نشأ عبدالله محمد المحروق وترعرع في مسقط رأسه (جبلة اموزنة) وفي المحيط الموديوي الأوسع، حيث تلقى تعليمه الأولي البسيط الذي تمثل في قراءة القرآن الكريم وحفظه، ومبادئ القراءة والكتابة، وبعد أن أكمل الخامسة عشرة تقل أو تزيد شد الرحال إلى واجهة البلاد الحضرية والحضارية (عدن) الثغر الباسم والصدر الرؤوم لكل من أقبل عليها.

المحروق في مصافي عدن

مصافي عدن التي دشنت عملها صاحبة الجلالة البريطانية الملكة إليزابيث الثانية (QUEEN ELIZABETH II) عند زيارتها عدن التي وصلتها بحرا على متن اليخت الملكي (بريتانيا) في 27 أبريل 1954م ووضعت في ذات اليوم حجر الأساس لأكبر مستشفى في الشرق الأوسط (مستشفى الملكة إليزابيث - الجمهورية التعليمي) الذي يخشى عليه من أي هجمة في سياق الهجمات البربرية على معالم عدن!.

التحق المناضل الوطني والنقابي البارز عبدالله محمد المحروق بمصافي عدن التي عرفت بمصافي الزيت البريطاني (BRITISH PETROLEUM-BP) منذ افتتاحها، والتحق بعد ذلك بمركز التدريب التابع للشركة، وعرف لدى زملائه (بالمتدرب APPRENTICE)، وتعرف على أسرار المهنة من خلال الخبرات في ذلك المركز، ولم يغير المحروق موقع عمله، حيث ارتبط بمصافي عدن.

البريقة ساحة ملتهبة أججها البعث وحركة القوميين العرب

البريقة أو عدن الصغرى Little Aden مدينة عمالية، وهي ضاحية من ضواحي عدن وخبرت العمل البلدي من خلال (سلطة ضواحي البريقة - Bureika Township Authority) وتكونت فيها أكبر طبقة عمالية إلى جانب الطبقة العمالية في ميناء عدن والعاملين في القاعدة البريطانية، وعلى خلفية ذلك المجتمع المدني من نقابات وصحافة وأحزاب ونظام وقانون لم تشهد له البلاد مثيلا، بل وأشك أن يظهر في يوم ما إلا بمعجزة إلهية، لأن لا مؤشر يدل على ذلك، ولأن الأمور في واقع الحال تسير من سيء إلى أسوأ.

التقى الظرفان الموضوعي والذاتي فارتقى حال المجتمع المدني فشهد العام 1956م تأسيس مؤتمر عدن للنقابات (ATUC)، والعامان 1958و 1959م تأسيس فرعي حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والعام 1962م شهد تأسيس حزب الشعب الاشتراكي (PSP)، وفي وقت سابق شهد العام 1949م قيام (الجمعية الإسلامية) و(الجمعية العدنية) وفي العام 1951م تأسست (رابطة أبناء الجنوب - SAL).

اشتدت المواجهة بين حركة القوميين العرب وعبدالله عبدالمجيد الأصنج، ويشهد للأصنج حنكته وذكائه ودهائه الذي أحسن توظيفه في معمعان الحركة الوطنية والنقابية، فما كان منه إلا أن لجأ للأخوة الأعداء للقوميين العرب وهم البعثيون الذين عملوا من وراء الأصنج، فارتفعت سخونة الساحة.

كان رجال المؤتمر العمالي- وهم أيضا رجال (الجبهة الوطنية المتحدة) التي تأسست عام 1955م ورجال حزب الشعب الاشتراكي أيضا- هم السباقون إلى كسب المعارك الانتخابية نقابيا في البريقة، وكان من فرسانها عبدالله علي عبيد ومحمد عبدالله القاضي ومحمد علي شمشير وغيرهم، فدارت المعارك سجالا، وكسبها النقابيون من الطرف الآخر العامل تحت راية حركة القوميين العرب، ومن رموز الحركة في نقابة عمال المصافي والنقابة العامة لعمال البترول: محمد صالح عولقي ومحمد عبدالله عشيش.

أخذ الصراع بين البعث (وواجهته عبدالله عبدالمجيد الأصنج) وحركة القوميين العرب أبعادا أوسع مما تصوره المرء، وكانت بدايته لجوء حركة القوميين العرب إلى انتهاج الكفاح المسلح سبيلاً للخلاص من الوجود البريطاني، فتأسست الجبهة القومية في 19 أغسطس، 1963م.

وأعلنت ساعة الصفر في 14 أكتوبر من نفس العام وبدأ الأصنج يسحب الحصير من تحت أقدام الأخوة الأعداء بالجهود التي أوصلت إلى دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير، ومن أبرز رموزها عبدالله الأصنج وعبدالقوي مكاوي في 13 يناير 1966م، ثم حدث انشقاق في الحركة النقابية، حيث برز طرفان رئيسان: المؤتمر العمالي (مؤتمر عدن للنقابات) والنقابات الست وهي: النقابة العامة للبترول، نقابة عمال وموظفي البنوك المحليين، نقابة عمال وموظفي أمانة الميناء، النقابة العامة للمعلمين، نقابة عمال وموظفي اتحاد الطيران المدني، نقابة عمال وموظفي البناء والإنشاء والتعمير، إلا أن الصراع دخل في نفق مظلم عندما بدأ مسلسل الاغتيالات القذرة التي استهدفت كوكبة من صفوة رجال الجانبين، والقائمة طويلة.

نشط عبدالله محمد المحروق في صفوف حركة القوميين العرب والجبهة القومية، وفي صفوف النقابات الست بصفة عامة ونقابة عمال المصافي ومن بعدها نقابة النفط والتعدين خاصة، وأصبح عنصرا قياديا فيها على المستويين المحلي والعربي.

كما شارك في مؤتمرات نقابية محلية وعربية، وظل في موقعه القيادي في نقابة عمال النفط والتعدين يعمل بدأب بعيدا عن دائرة الضوء والتمظهر حتى أحالته للتقاعد عام 1992م.

الطاهر اليد بن شملان يشيع المحروق المناضل والإنسان

شيعت مديرية البريقة صباح الإثنين الموافق 9 يوليو 2007م جثمان المناضل الوطني والنقابي المخضرم البارز عبدالله محمد المحروق إلى مثواه الأخير بمقبرة البريقة في محافظة عدن عن عمر ناهز الثامنة والستين عاما إثر مرض عضال أخضعه لملازمة الفراش سنوات طويلة عاناها بصمت، وكان الصمت ديدنه في العمل والمرض، لأن المحروق عاش حياته ونضالاته ولم يتلوث خلالها، وقد عرفته رحمه الله صامتا ودودا وهاشا باشا، وعنده روح النكتة، ولأن معدنه بالغ النقاوة فقد كان من حسن طالعه أن يتصدر موكب تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في مديرية البريقة الطاهر اليد فيصل عثمان بن شملان أول وزير للأشغال العامة في حكومة الراحل الكبير قحطان محمد الشعبي في 30 نوفمبر 1967م، والذي تبوأ لاحقا مناصب رفيعة، وبرصيده الضخم ومواصفاته النادرة خاض بجدارة وشعبية كبيرة معركة الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006م.

الفقيد المناضل عبدالله محمد المحروق متزوج وله أحد عشر ولدا الذكور منهم ثلاثة هم:

الدكتور سالم وناصر وأحمد، حاز الفقيد عبدالله المحروق عددا من الشهادات التقديرية والأوسمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى