مقبرة شويطرة بجعار ..في بلاد الكفر للميت كرامته وفي بلاد الإسلام يتم انتهاك حرمته

> «الأيام» شكري حسين:

>
قال تعالى ?{?ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الإسراء (آية 70 ) ، فالمسلم كريم على الله حياً كان أم ميتاً، لذلك نهى الله تعالى عن أذيته بأي نوع من أنواع الأذية ، فقال سبحانه :والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا الأحزاب (آية 58).

وقال عليه الصلاة والسلام «كسر عظم الميت ككسره حياً» في صحيح الجامع برقم (4478) ومعنى (ككسره حيا) أي في الإثم كما جاءت موضحة عن بعض الرواه .

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال:«نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُجعص القبر وأن يُقعد عليه وأن يُبنى عليه» .

وزاد الترمذي «أن يُكتب عليه وأن يوطأ» وفي مسلم عن أبي هريرة مرفوعا «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر».

وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن عمرو بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً على قبر فقال : «لا تؤذ صاحب هذا القبر» وهو في الصحيحين برقم (2960) .

وفي الحديث الذي صححه الألباني ـ رحمة الله تعالى عليه ـ في كتابه «أحكام الجنائز» عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن أمشي على جمرة أو سيف أو خصف نعلي برجلي أحبُّ إلي من أن أمشي على قبر مسلم» الحديث .

وعن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» أخرجه مسلم .

فكل ما تقدم من نصوص وأحكام شرعية تبين حرمة المسلم وحرمة الاعتداء عليه أكان حيا أو ميتاً ، وشددت الشريعة على عدم العبث بالقبور أو الجلوس عليها حفاظاً على أهلها وتأكيداً على كرامة ساكنيها .

ولأننا في زمن اختفت فيه القيم ودفنت معه معاني الأخلاق وتلاشت الفضيلة ، فلا عجب أن تتحول مقابر المسلمين في أكثر من مكان إلى مساحة للتنازع أو ميادين تتعدد فيها صور العبث والتدمير دون وازع من ضمير ، ويوم أن تتجرد النفس البشرية من صور الحياء والرحمة التي جبلت عليها فإنها حينئد تتحول إلى (مسخ) لا يحمل من مقومات البشرية إلا الشكل الخارجي ، وليس هناك أسوأ من أن لا تجد النفس مكاناً آمناً ترتاح فيه حتى وإن كان صاحبها قد (وسد) في الثرى وغدا اسمه في عالم النسيان .

ومؤلم أن تنصب اليوم على مقابر المسلمين (خيام) الطمع وتتعالى فوق رؤوس ساكنيها أصوات الجشع التي لم تراعِ للمسلم كرامته ، وللدين حرمته .

مشاهد مبكية

ذات مساء وأنا أقف على مقبرة (شويطرة) بمدينة جعار استجابة لطلب أناس أعزاء ، حزت في نفوسهم وقضت مضاجعهم صور المشاهد المبكية التي آلت إليها المقبرة، لم أكن أعلم أن مفردات الدهشة وعناوين الصدمة ومناظر الأسى والحسرة ستكون حاضرة أمامي .

فما شاهدته وعانيته ،لا يمكن لعقل مسلم أن يتخيله أو يتصوره، فكل ما فيها لا يوحي بمكان يفترض أن تكون له حرمته وقدسيته حيث إن معالمها قد طمست تماماً وطالت قبورها أيادي العبث وتحولت إلى مرتع للكلاب والحيوانات.

والأسوأ من ذلك كله أن (خنجر) وجدران الأسمنت انتصبت على مساحات كبيرة منها على مرأى ومسمع من الجهات المسؤولة التي لم تحرك سكاناً عدا خطاباً صغيراً وقع بين يدي من مكتب الأوقاف والإرشاد في المحافظة إلى مدير الأمن بجعار لم يغير في الأمر شيئاً.

ما بيننا وبينهم

ويتعجب الواحد منا كيف أن اليهود والنصارى يعظمون موتاهم حتى في بلاد المسلمين فكيف في بلادهم !؟ فالمقابر عندهم لها حرمتها وكرامتها ويعملون على تسويرها وحراستها ، وكأنها منشأة حيوية لها شهرتها ومكانتها، بل ويدفعون مبالغ طائلة للبلدان التي تجد لهم مقابر فيها على اعتبار أنها من الأماكن المقدسة التي ينبغي عدم المساس بها أو الاقتراب منها، بينما نحن في بلاد الإسلام (الأرض) التي ينبغي أن تسود فيها مظاهر الرحمة وتعلو سمات التسامح والمحبة وتنتصب على مرابعها عناوين الإيثار والألفة، يتم انتهاك حرمات المقابر وتداس كرامة المدفونين فيها ، وتتحول من أماكن من المفترض أن تكون لها حرمتها إلى مواقع للعبث والخراب وموطن للهوام والدواب، كما هو مشاهد في أكثر من مكان ولعل مقبرة (شويطرة) بجعار شاهد إثبات على ذلك ، والسؤال .. لماذا لا تسارع السلطة المحلية في المحافظة ومكتب الأوقاف فيها إلى تسوير المقبرة والمحافظة على ما بقي منها، ووضع حد لعملية نبش الرفات إكراماً لموتى المسلمين فيها ؟ فهل من استجابة سريعة وعاجلة؟ نأمل ذلك .

قبل الختام

الحجة مفيدة صالح أحمد تقول عن بداية المقبرة إنها كانت في الستينات من القرن الماضي، وانتهى قبر الموتى فيها مطلع الثمانينات لانتقال المقبرة إلى مكان آخر، ومن يومها أصبحت مطمعاً للكل حتى الحيوانات لم تسلم منها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى