> عدن "الأيام":

​عمّق التآكل المتسارع في قيمة الريال اليمني من تدهور معيشة الناس وغياب الخدمات الأساسية، ما أدّى إلى حالة سخط كبيرة في بلد تصنّفه الأمم المتحدة ضمن أكثر الدول معاناة من الأزمات الإنسانية، ويقبع غالبية سكانه تحت خط الفقر.

ويثير هذا الانهيار المتواصل للعملة مخاوف واسعة من انزلاق الأوضاع المعيشية إلى مستويات أكثر خطورة، في بلد تمزقه الحرب وتنهكه الأزمات المتداخلة.

ووفق مصادر مصرفية للأناضول، بلغ سعر صرف الدولار في تعاملات الخميس نحو 2600 ريال، في أدنى مستوى للعملة منذ بدء الحرب مطلع 2015، حين كانت العملة الأميركية تعادل نحو 215 ريالا فقط.

وأدى هذا التراجع القياسي للريال إلى وقف بيع وشراء العملات في محلات الصرافة بمناطق سيطرة الحكومة خشية استمرار الانهيار في العملة مع غياب الحلول، حسب مصادر محلية.

ومنذ سنوات يعاني اليمن من وجود سعرين متباينين لسعر الصرف، إذ يتم صرف الدولار حاليا بمناطق سيطرة الحوثيين بنحو 535 ريالا مقارنة بقرابة 2600 ريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

وبينما سعر العملة في مناطق سيطرة الحكومة قائم على العرض والطلب، يفرض الحوثيون سعرا محددا بعيدا عن التعويم.

كما أدّى استمرار تدهور العملة إلى خروج العشرات من السكان في احتجاجات بمدينة عدن جنوب اليمن، الاثنين، مطالبين بسرعة العمل على وقف انهيار الريال وإصلاح الخدمات العامة.

وسبق أن أكدت الحكومة أنها تعاني من أزمة مالية حادة جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ أكتوبر 2022، بعد هجمات لجماعة الحوثي استهدفت موانئ نفطية.

وتشترط الجماعة التوافق على تقاسم إيرادات النفط واستخدامها لصرف رواتب الموظفين في عموم البلاد.

وحول تداعيات انهيار الريال اليمني، قال المواطن محمد مصلح المقيم في محافظة تعز جنوب غرب اليمن إن “الأسعار أصبحت مرتفعة بشكل غير مسبوق جراء انهيار العملة، بينما الأعمال شحيحة وبمردود بسيط لا يكفي لشراء أدنى مقومات الحياة.”

وأضاف للأناضول “أعمل بالأجر اليومي، ويتراوح أجري بين 11 ألفا و14 ألف ريال (نحو 6 دولارات) في مهن البناء أو الزراعة أو النجارة، لكن الأجر يظل محدودا أمام استمرار ارتفاع الأسعار وشُح فرص العمل.”

وتابع مصلح الذي يعيل أسرة من خمسة أشخاص “في الماضي كان أجر العامل ثلاثة آلاف ريال يستطيع به توفير جميع المتطلبات، لكن الآن لا يوازي الأجر اليومي قيمة 4 لترات من زيت الطعام.”

وأردف “كل يوم يمضي نعيش في همٍّ كبير جراء غياب فرص العمل واستمرار ارتفاع الأسعار وعدم استطاعتنا تأمين الحاجات الضرورية للعيش، وكلما انهار الريال تنهار حياتنا.”

ومضى قائلا “نتمنى أن نؤمّن قوت أسرنا بالحاجات الضرورية فقط، أما المتطلبات الأخرى فقد استغنينا عنها.”

وبحسب رصد الأناضول، فإن الريال تراجع بنسبة أكثر من مئة في المئة منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي قبل ثلاث سنوات، حيث كان سعر الدولار حينها نحو 1100 ريال.

ويأتي هذا التدهور الجديد وسط تحذيرات من تداعيات قاسية على اليمنيين، إذ يعيش نحو 80 في المئة منهم تحت خط الفقر بحسب تقارير الأمم المتحدة.

ويقول الباحث الاقتصادي اليمني ماجد الداعري إن “الانهيار القياسي للريال يؤدي إلى انهيار الأوضاع الإنسانية والمعيشية وكل مجالات الحياة في اليمن.”

وأضاف للأناضول أن “انهيار العملة يمثل كارثة إنسانية بحق شعب جائع منكوب بكل الأزمات، ومصنف بأنه من أكثر الشعوب التي تعاني أزمة إنسانية ومجاعة، وفق تقارير الأمم المتحدة.”

وفي شهر مايو 2020 ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن اليمن يشهد “أكبر أزمة إنسانية في العالم.” وقدرت أن 80 في المئة من السكان، أي أكثر من 24 مليون شخص، في حاجة إلى مساعدات إنسانية.

واعتبر الداعري أن التراجع القياسي للريال “يضرب الاقتصاد والدخل القومي ويصيب الناس والموظفين بمقتل في دخولهم ومرتباتهم.”

وأشار إلى أن المواطنين باتوا عاجزين عن الإيفاء باحتياجاتهم المعيشية والقيام بأيّ من التزاماتهم الغذائية والصحية والتعليمية تجاه أسرهم وأطفالهم جراء تدهور العملة.

وحول أسباب انهيار العملة قال إن ذلك “نتاج طبيعي لانهيار الاقتصاد وغياب وتعطيل موارد الدولة وتوقف تصدير النفط واستشراء الفساد وغياب الرقابة والمحاسبة وعدم تفعيل سلطة القضاء.”

ويحذر خبراء وأوساط اقتصادية يمنية من أن استمرار تدهور العملة يدفع تلقائيا إلى ازدياد الفقر والبطالة ويزعزع الثقة بالاقتصاد.

ويرى الصحافي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح أن “تدهور الريال يقضي على القدرة الشرائية، فضلا عن تآكل الأجور والرواتب وزيادة الأزمات في السلع والمواد الغذائية.”

وأوضح أن الاضطراب المستمر في قيمة العملة يمثل عاملا رئيسيا في تدهور الأوضاع المعيشية، وزيادة منسوب التضخم العام للأسعار، وتراجع الأنشطة التجارية.

وأكد صالح أن تدهور الريال يزعزع الثقة بالاقتصاد ويؤدي إلى هروب الاستثمارات وتوقف حركة النمو، ما يؤدي إلى تراجع فرص العمل وزيادة معدلات الفقر والبطالة.

واعتبر أن أزمة انهيار العملة، تعطي مؤشرا واضحا على حجم الاختلالات في السياسات الرسمية، بشقيها المالي والنقدي، مشيرا إلى أن ثمة فجوة كبيرة في السياسات المالية للحكومة مع تراجع حجم الموارد العامة، وزيادة النفقات المالية والالتزامات الحكومية.

وتبرز هذه الفجوة أكثر مع تشتت الموارد وخروج بعضها عن الخدمة وتعطيل الصادرات، علاوة على غياب البدائل الملائمة لتعويض توقف الصادرات النفطية.

ويرى صالح أن السياسة النقدية تعاني من الانقسام المصرفي بين الحكومة والحوثيين، ما يؤدي إلى تزايد تأثير السوق السوداء في مسار حركة سعر الصرف، ويفقد السياسة النقدية للبنك المركزي فاعليتها في النشاط المالي والمصرفي.

ويعاني البنك المركزي من غياب أدوات الضبط الصارمة، ما يشجع السوق السوداء والمضاربين على زيادة أنشطتهم غير المشروعة في التلاعب بسعر الصرف، والإضرار بأقوات المواطنين.

ومنذ أبريل 2022 يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 10 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية وقوات الحوثي.