> «الأيام» مختار مقطري:

هذا الشيخ الجليل، يؤلف القلوب على محبته بما يغدقه عليها من حب كبير وود صاف كصفاء مياه النيل، ودافر كتدفر الخير في بنا و حسان، فتبادله المحبة والوفاء وتجمع على الافتتان به إنساناً جميلاً وشاعراً خلاقاً وناقداً متميزاً وأكاديمياً قديراً، هو (السوماني) بمشاعر السوداني المهذبة برقي حضارة عريقة اجتذبت إلى اخضرار مروجها وإلى دفء شمسها السمراء فراعنة (طيبة) العظام لتضيف إلى قائمة الملوك فراعين عِظَاماً من أبنائها، وهو (السوماني) بأصالة اليمني المتوثب دائماً إلى الحق وإلى الجمال بالعزم والاعتداد بالكبرياء وسمو النفس وانشراح الضمير، فيحاز من يعرفه إن كان سودانياً أولاً ويمنياً ثانياً أم هو يمني أولاً وسوداني ثانياً، بفكره وسعة أفقه وروحه المرحة وتواضعه الشديد، عاش في السودان لليمن وعاش في اليمن ليعمل للسودان، ليجمع كل الوطن العربي في قلبه، إنه د. مبارك حسن الخليفة الذي يعلمنا ألا نخطئ، فإذا لم أخطئ في مقدمتي هذه، فقد قصرت دون شك.

وبمناسبة حصوله على لقب أستاذ أكاديمي من جامعة عدن نظم منتدى (الباهيصمي) الثقافي بالمنصورة عصر الخميس الماضي 2008/1/17م فعالية خاصة ومتميزة للاحتفاء به كان في مقدمة من حضرها الأساتذة عبدالله باكداده، فرحان علي حسن، عبدالرحمن إبراهيم، عبدالقادر العمودي، صالح التوي، عوضين، د. أبوبكر الحامد، رياض الشرايري، صلاح بن جوهر، الشاعر الغنائي القدير علي عمر صالح وعدد كبير من الأسماء البارزة في المجال الثقافي والأدبي والفني بعدن، فيما حرص كل من الأستاذين مبارك سالمين رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن، ومحمد الجنيد مدير عام مكتب (اليمنية) بعدن، حرصا على الاعتذار عبر الجوال عن عدم حضورهما لأسباب خاصة وطارئة.

وفي افتتاح الفعالية التي أدارها باقتدار الأستاذ أحمد السعيد قال الشاعر محمد سالم الباهيصمي رئيس المنتدى:«كلنا نشعر بالسعادة والسرور في الاحتفاء بهذا الأستاذ الكبير الذي عاش بيننا، فصار واحداً منا وعايشنا إبداعاً وثقافة، وتخرجت على يده أجيال.. وكان ومايزال على تواصل معنا من خلال المنتديات وفرع اتحاد الأدباء وعموده الإسبوعي (لكي لا نخطئ) في صفحة (الأدب الجديد) في صحيفتنا «الأيام».

وقال الشاعر عبدالله باكداده مدير عام مكتب الثقافة بعدن:«شيئان لا يتسع لي المجال للحديث فيهما هنا لما لهذا الأستاذ الكبير من حجم ومكانة في نفوسنا ونفوس الآخرين، بالأمس دخلت منزلي صديقة ابنتي وهي من السودان فرحت أحدثها بلا شعور عن د. مبارك حسن الخليفة، سئل الكاتب السوري حنا مينا: هل يستقيم الصمت لغة في الكلام؟ فأجاب (نعم ، ولكن حين يعجز البيان عن التبيان)، فالصمت لذلك هنا أبلغ من الكلام، فألف شكر للدكتور مبارك حسن الخليفة الذي أتاح لنا اللقاء بأنفسنا لنقول له (صمتاً)». وقال الشاعر القدير عبدالرحمن إبراهيم: «أرحب بكم ترحيباً كثيراً ونحن نحتفي بأستاذنا الجليل د. مبارك حسن لخليفة، لحصوله على لقب علمي كبير جعلنا نتشرف به جميعاً مثقفين وكوادر ثقافية وتربوية. إنه شاعر الشباب الذي لم يشخ ولن يشيخ. لنعد الذاكرة إلى الماضي القريب لنشير إلى أن العلاقة بين اليمن والسودان علاقة حميمة ونتذكر تلك البعثات السودانية التي شاركت في المجال العلمي والتربوي في حضرموت وعدن، ومارست عملها في حقل التدريس وتخرجت على يدها مئات الكوادر التربوية، ونحن اليوم نحتفي بالدكتور مبارك حسن الخليفة الذي مر على وجوده معنا أكثر من 30 عاماً، عمل خلالها في كليات التربية بعدن وحضرموت وردفان وصبر».

وليعذرني الإخوة الأعزاء الذين لم أنقل كلماتهم لضيق الحيز لأنتقل إلى كلمة المحتفى به د. مبارك حسن الخليفة الذي قال: «سأتطرق أولاً إلى طرفة حصلت لي قبل فترة قصيرة، أنا لا أهتم بالأرقام فلا أحفظ أرقام التلفونات والسيارات ومقدار راتبي، وزوجتي أدرى منى بلغة الأرقام، الشهر الماضي قالت لي: إن المحاسب ربما أخطأ وأعطاني زيادة غير مستحقة لي فوق الراتب وشددت على ضرورة أن أعيد له مبلغ الزيادة لأن التصرف بها حرام، ولكن اتضح بعد ذلك أن هناك زيادة عامة في الرواتب، ولكني اليوم اهتممت بالأرقام وعددت الذين تكلموا نثراً وشعراً فوجدتهم 27 مشاركاً، ولم أحضر من قبل فعالية تحدث عني فيها مثل هذا العدد ، وبالأمس في قسم اللغة العربية بكلية التربية بعدن قلت جملة من تسع كلمات سأقولها هنا، ولو استطعت الصعود إلى قمة جبل شمسان وجبل صيرة لقلتها ليسمعها كل الناس وقلت:(أنتم لقبي العلمي وأنتم رأسمالي وأنتم ربحي). إن الحب والوفاء والإخلاص والتسامح الذي لمسته في اليمن وفي عدن تحديداً جعلني أبقى في اليمن أكثر من 30 عاماً، وخلالها لم يحصل أي خلاف بيني وبين أي إنسان سواء زميل أو جار أو طالب أو طالبة أو البقال.. هذا الاحتفاء تاج أضعه على رأسي ووسام يتلألأ على صدري...».. وتوقف د. مبارك عن الكلام.. ليس لأنه انتهى من الكلام.. أو نفد رصيده الضخم من الكلمات الجميلة المعبرة عن حبه الكبير لليمن، ولكن لأن الشيخ الجليل والأستاذ القدير.. بكى.. أو انفجر بكاؤه فاختنق الكلام في قلبه.. بكى الإنسان الجميل مبارك حسن الخليفة.. ليصمت الجميع إجلالاً و تقديراً، ولتدمع كل العيون لدمعاته التي انسابت على خدَي الرجل العجوز الشاب فرحة كبيرة بما منحته اليمن من حب كبير وتأثراً بمشاعر الحضور الدفاقة بمحبته، وعرفاناً بدوره الكبير في تأصيل الشغف بالقراءة والاطلاع والتثقف في نفوس المئات من طلابه الذين أحبوه كل الحب وبإسهامه في إثراء الحركة الأدبية والنقدية.

وفي الفقرات الغنائية أجاد كل من نبيل محمد عمر وفيصل الصلاحي ومحمد علي محسن الذي أحسن اختيار أغنية (أهلاً بمن داس العذول وأقبل) وتألق الفنان القدير أنور مبارك بأغنية (أيش هذا الحسن كله) تألق الفنان الكبير القادر المقتدر والمطرب المبدع الخبير المجرب المتمكن من الإطراب والإتقان في الأداء المكتمل، فلا جناح علي إذا سألت نفسي وهو يغني هذه الأغنية لأحمد قاسم: هل سمعت هذه الأغنية من قبل؟ هل طربت لها كما أطرب الآن, من أين تأتي بكل هذه السحر يا أنور؟ وإذا تذكرت أنها أغنية لأحمد قاسم تساءلت، هل لحن أحمد قاسم هذه الأغنية لنفسه؟ أم لحنها ليغنيها أنور مبارك من بعده، ويضيف إليها من إحساسه الفني الصادق والجميل.. فما أجمل أحمد قاسم وما أجمل أنور مبارك!!