المؤرخ العدني جمال الدين عبدالله الطيب بن عبدالله ابن أحمد بامخرمة

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
عرف بالمؤرخ جمال الدين أبو محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري السيباني - بالسين المهملة- الهجراني الحضرمي العدني الشافعي، وتعود أصوله إلى بلدة الهجرين في حضرموت، وكان أبوه قد رحل منها إلى عدن طلبا للعلم، وظل كثير التردد عليها، غير أن أكثر إقامته كانت بمدينة عدن، حيث كان ميلاد مؤرخنا في عدن ليلة الأحد تاريخ 12 ربيع ثان عام 870هـ .

ونشأ في هذه المدينة مع أخواله من أهل العلم من آل باشكيل، وقد ذكر عن حياة أبيه مترجما لسيرته في كتابة (قلائد النحر) قائلا: «عندما دخل عدن بعد عودته من الحج سنة 853هـ قصد القاضي محمد بن أحمد باحميش فقرأ عليه وسمع كثيرا من كتب الفقه، وقرأ على القاضي محمد بن مسعود كثيرا من كتب الحديث والفقه وغيرهما، وأجاز له إجازة عامة في جميع أنواع العلوم، وزوجه القاضي باشكيل بابنته أ هـ». وهي أم هذا المؤرخ الشهير، وله أخ هو الفقيه محمد بن عبدالله، وكانت وفاته بعد أبيه بثلاث سنوات، وكان ميلاده في الهجرين سنة 893هـ، وقد تعلم الفقه على يد شيوخ عصره، وقد رافق الفقيه علي الشرعبي ودرس عليه كثيرا في النحو وغيره، وتعلم عند أخيه قليلا، ورحل إلى بلده مع أبيه عام 894هـ وكانت إقامته بها لفترة قصيرة رجع بعدها إلى عدن منصرفا لطلب العلم، وله مشاركته في الفقه وغيره، كما قرأ على الشريف حسين بن الصديق الأهدل.

وقد ظهرت عليه أعراض مرض الجذام في الأصابع والأطراف، وسافر إلى الهند للعلاج، وأقام بها نحو سنتين، ولم يؤثر فيه الدواء، فعاد إلى عدن وقد أخذ منه المرض ما أخذ، ولزم منزله، وقصده العديد من الناس للتبرك به والزيارة، وظل شيخه الشريف الأهدل دائم التردد عليه يلامسه ويخالطة كثيرا، وقد سافر إلى الشحر لزيارة أمه، وعند العودة وفي منتصف الطريق اشتد عليه الألم فعاد إلى الشحر وأقام بها حتى مات سنة 906هـ، وفي ذلك العام يكون رحيل الشريف الأهدل عن هذه الحياة.

ولمؤرخنا أخ آخرلايقل عنه منزلة في العلم والمعرفة، هو الفقيه أحمد بن عبدالله بامخرمة، وقد تحدث عنه في كتابه (قلائد النحر) قائلا: «أخي وشيخي ولد في صفر سنة 866هـ في عدن، وحفظ بها القرآن، وقرأ على والده في الحساب والجبر والمقابلة والفرائض حتى حقق ذلك تحقيقا شافيا، ثم سار مع والده إلى الهجرين فأقام بها أشهرا، ورجع إلى عدن في سنة 883هـ، ثم قدم الوالد بعده بقليل إلى عدن في سنة 884هـ فزوجه بنت شيخنا جمال الدين محمد بن أحمد فضل، واشتغل على الوالد في قراءة كتب الفقه، فقرأ عليه التنبيه وبعض المنهاج فيما أظن، ثم تغير حاله، وترك الطلب وطيب النفس في أمر الدنيا بالتجارة، فأذن له والده على كره منه لذلك، فسافر إلى هرموز قاصدا التجارة، فغضبت عليهم الريح ورأوا من التعب والشدة والهلكة فتاهوا في ظفار.

فلما دخلوا ظفار، وقد شاهد من أهوال البحار ما تحار معه الأفكار، ندم على ما صدر، وترك العزم إلى هرموز ورجع من ظفار إلى عدن مجدا مجتهدا في طلب العلم، فشرع في نقل جامع المختصرات وقراءته على والده إلى أن ختمه قراءة وحفظا، وجد واجتهد وأعجب به والده كثيرا، ودرس في المدرسة المنصورية في عدن في الفقه، وفي ظاهر منها في الحديث، وقرأ على والده صحيح مسلم، ولما سار الوالد إلى تعز صحبه الشريف عمر بن عبدالرحمن باعلوي في سنة 889هـ، درس بها وقرأ على شيخنا أبي فضل الصحيحين وجامع المختصرات وغير ذلك، ودرس وأفتى شابا، ولم يضع خطه على فتوى إلا في الفرائض فإنه يجيب فيه خطا، وقرأت عليه التنبيه والمنهاج وكثيرا من كتب الحديث، وبه تخرجت، وعليه تفقهت رحمه الله.

وكان في خلقه حدة، وله مؤلفات منها شرح على جامع المختصرات، ونكت وأشياء في الحديث مات عنها مسودة، وكان ضعيف الخط جدا، ولذلك لايكاد ينتفع بما ترك من المسودات، ولم يزل مشتغلا بالعلم تدريسا وتحصيلا وتصنيفا إلى أن مرض مرض الموت وطال مرضه أياما، وتوفى عصر يوم الجمعة عاشر جمادى الأخرى من سنة 911هـ.

ومن أسرة البامخرمة أخوه الثالث الشاعر الصوفي الشيخ عمر بن عبدالله بن أحمد بامخرمة، وقد اشتغل بالعلوم الشرعية والفنون الأدبية، أما مؤرخنا، فقد تتلمذ على يد عدد من علماء عدن وقضاتها مثل الفقيه أبي عبدالله محمد بن أحمد بافضل المتوفى عام 903هـ والقاضي محمد بن حسين القماط المتوفى عام 903هـ، وقال عنه العيدروس: «وتفنن في العلوم وبرع وتصدر للفتوى والاشتغال، وكان من أصح الناس ذهنا وأذكاهم قريحة وأقربهم فهما، ومن أحسن الفقهاء تدريسا، حتى أن جماعته من الطلبة وغيرهم يذكرون أنهم لم يروا مثله في حسن التدريس وحل المشكلات في الفقه».

وقد شارك في الكثير من المعارف في زمانه من علوم الفقه والتفسير والحديث والنحو واللغة، كما ولي القضاء في عدن، وقد أصيب بمرض أقعده عن الحركة حتى مات في شهر محرم عام 947هـ عن عمر قارب 77 سنة، وقد ترك عدة أعمال منها:

1- شرح صحيح مسلم: لخصه من شرح النووي مع زيادات في الشرح والتحقيق.

2- أسماء رجال مسلم.

3- قلائد النحر في التاريخ - ثلاثة مجلدات كبيرة: لخص فيه تاريخ الذهبي، وذيل عليه، منه عدة مخطوطات.

4- تاريخ ثغر عدن: اختصره من كتاب المستبصر لابن المجاور، وتحفة الزمن للأهدل وطراز أعلام الزمن للخزرجي.

عدن والعَدَني

في هذا الجانب تقدم لنا أسفاره تعريفات عن الكلمة والمعنى، وقد حدد ذلك من خلال هذا التوضيح:

العدني: «بفتحتين ودال مهملة ثم نون، نسبة إلى عدن البلد المعروفة في اليمن على الساحل، وكانت قديما تعرف بعدن أبين، لأن أبين بن زهير بن الهميسع بن حمير أقام بها لأنها كانت من أعمال أبين، وتمييزا بينهما وبين عدن لاعة قرية باليمن أيضا قرب صنعاء.

وإلى الأولى ينسب جماعة من العلماء والفضلاء المتقدمين والمتأخرين: منهم محمد بن الوليد العدني، روى عن الثوري.

ومحمد بن يحيى العدني صاحب المسند، والحكم بن أبان العدني وحفص بن عمرو العدني الصنعاني ومحمد بن شبيب العدني وغيرهم.

وأما أبو سعيد محمد بن إبراهيم العدني الجريري، فبسكون الدال المهملة- نسبة إلى عمل الثياب العدنية بنيسابور- سمع محمد بن إسماعيل التفليسي ومات بعد الثلاثين وخمسمائة.

ومثله مكي بن أحمد العدني، سمع عبدالله بن سيرويه، وعنه الحاكم».

عدن: «الجزيرة المذكورة في حد جزيرة العرب- بفتح العين والدال المهملة- مدينة معروفة في اليمن يقال لها: عدن أبين تنسب إلى أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ، وسميت عدنا من العدان، وهي الإقامة لأن تُبّعا كان يحبس بها أصحاب الجرائم.

انتهى من تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي وفي شرحه لمسلم ما لفظه:

وفي رواية: أنها تخرج من قعرة عدن، هكذا هو في الأصول: من قعرة عدن- بالهاء والقاف المضمومة- ومعناها من أقصى أرض عدن، وعدن معروفة مشهورة في اليمن.

قال الماوردي: سميت عدن من العدون وهي الإقامة لأن تبعا كان يحبس بها أصحاب الجرائم، وهذه النار الخارجة من قعر عدن واليمن هي الحاشرة للناس.

انتهى.

ووجد بخط الفقيه العلامة أحمد بن عمر الحكيم ما لفظه أن قابيل بن آدم هو الذي أسس مدينة عدن، وأنه عبد النار بها، ومنها نشأ المجوس، وقيل: إنها تحرق من غير نار لأجل ذلك. انتهى.

ومن كتاب فضل اليمني لأبي القاسم بن علي بن محمد الشافعي الشهير بابن زبيدة ما لفظه: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خرج من عدن اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله وهم خير من بيني وبينكم» أخرجه الطبراني. انتهى.

وفي بغية المستفيد للدبيع: وقد قيل: إن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- دخل عدن أبين وخطب على منبرها. انتهى.

طول جامع عدن من الباب الشرقي إلى الباب الغربي مائة وخمسة وثلاثون ذراعا باليد، وعرضه من الباب القبلي إلى الباب الحقاني (كذا) مائة وسبعة أذرع يد، هكذا وجد بخط القاضي جمال الدين أبي شكيل، وذكر أنه وجده بخط القاضي ابن كبن- رحمه الله- قال: «في مفتاح السنة عدن مدينة مشهورة وهي فرضة اليمن».

قال في القاموس: «عدن أبين محركة: جزيرة باليمن أقام بها أبين». انتهى.

تاريخ ثغر عدن

حقق هذا الكتاب لمؤلفه شهرة واسعة بين الكتاب الذين سطروا صفحات من تاريخ عدن، وظل عبر فترات من الزمان مرجعية لمن يريد معرفة تاريخ عدن وأعلامها والحقب التي ذكرها الكاتب في تلك الأزمان الغابرة، ومايزال حتى اليوم لهذا الكتاب حضوره عند القارئ والباحث، ولايغفل ذكره عند الحديث عن الأسفار التي أفردت لعدن مكانة في صفحاتها، ومما جاء في هذا المتن عن عدن نقف أمام بعض المعلومات التي تذكر ما كانت عليه هذه البلدة في تلك العهود من التاريخ.

آبار عدن

مما جاء ذكره في كتاب حول الآبار التي كانت معروفة في ذلك الزمان في عدن، وهي بئر حلقم عود السلطانية، وبئر علي بن أبي البركات ابن الكاتب قديمة، وبئر أحمد بن المسيب، وبئر ابن أبي الغارات قديمة، وإن باب عدن وبئر المقدم قديمة، و3 آبار لداوود بن مضمون اليهودي و3 آبار للشيخ عمر بن الحسين وبئر لعلي بن الحسين الأزرق، وبئر جعفر قديمة وكان يبلغ طولها 40 ذراعا حسب مقاسات ذلك الزمان، وبئر زعفران اشتريت بمدته، وأوقفت على المسلمين كما يذكر الكاتب، كلها لها مياه عذبة.

ويقول الكاتب: «حدثني محمد بن زنكل بن الحسن الكرماني عن رجل من أهل عدن قال: حدثني عبدالله بن محمد الإسحاقي الداعي أن داخل عدن مائة وثمانين بئرا حلوة، ولكنها مائعة والله أعلم».

ذكر الآبار المالحة في عدن

بئر ضاح قديمة، وبئر ثانية إلى جنبها، وبئران عند مرابط الخيل وبئران حسن قديمة، وبئر قندلة على طريق الباب، وبئر سنبل قرب الحمام، وبئر سالم، وبئر جندود،وبئر فرج، وبئر الزنوج، وبئر الأفيلة وحفرت سنة عشرين وستمائة، وبئر ريش السوابي، وبئر في قرب دار القطيعي السلاطة، وبئر الشريعة.

ذكر آبار ماؤها بحر عدن

بئر في حافة الدياكلة، وبئر عند باب مكسور، و3 آبار للبرابر، وبئر عند الجامع، وبئر عند مسجد أبان، وبئر مسجد المالكية، وبئر حبس القاضي، وبئر أبو نعمة، وبئر الجماجم، وبئر الصناعنة، وبئر سوق الخزف، و3 آبار عبد بيت ابن فلان، وبئر سنبل، وبئران عند مسجد النبي وبئر الأديب ظفر، وبئر حقات، وبئرا حساس، وبئر الجرائحي، والصهريج عمارة الفرس عند بئر زعفران والثاني عمارة بني زريع على طريق الزعفران أيمن الدرب في لحف جبل الأحمر إذا حصل المطر تقلب السيل إليه يومين، ويضمن كل عام بسبعمائة دينار.

ذكر الآبار الحلوة بظاهر عدن

بئر أحمد العشيري قديمة طيبة الماء، بئر أحمد بن المسيب حفرت سنة أربع عشرة وستمائة، وبئر العقلانية حفرت سنة خمس عشرة وستمائة، وبئر خيط عتيقة، وبئر عقيب وتسمى بئرالكلاب، ويقال إن الكلاب نبشت الأرض في هذا الموضع فحفر عقب ذلك في ذلك المكان بئر عرفت ببئر الكلاب، وجدد عمارتها أحمد العشيري سنة اثنتين وتسعمائة، وبئر الجديدة حفرت سنة إحدى وعشرين وستمائة، وبئر السلامي حفرت سنة سبع عشرة وستمائة، والآبار التي بطريق اللخبة، آبار اللخبة، بئر السماكين على الطريق في قرب المسجد حفرت سنة ست عشرة وستمائة، وبئر المولدين في أول شط اللخبة، وبئر أصحاب العمارة حفرت سنة أربع عشرة وستمائة لأجل ضرب اللبن، وبئر الشيخ علي بن عبيد في وسط اللخبة حفرت سنة عشر وستمائة، وبئر السعفة حفرت على طريق المغاليس قديمة ولم يسق منها إلا إذا غلا الماء في عدن، وبئر العماد على طريق أبين قديمة يستقى منها أيام الموسم.

باب عدن

في ذكر باب عدن البرى يقال إن الجبال كانت محيطة بعدن، ولا طريق لها إلى جهة البر، وإن أول من فتح الباب شداد بن عاد، وإنه لما بنى إرم ذات العماد في صحارى عدن كما ذكره السهيلي وغيره أمر أن ينقب له باب في صدر الوادي فنقب، فجعل شداد بن عاد عدن حبسا لمن غضب عليه، ولم تزل حبسا إلى آخر دولة الفراعنة ولاة مصر، وكذلك كانت التبابعة باليمن تحبس في عدن، ويقال إن أول من حبس بها رجل يسمى عدن فسميت البلدة به، والله سبحانه أعلم».

المراجع

1- النسبة إلى المواضع والبلدان.

تأليف: عبدالله الطيب بن أحمد بامخرمة

الناشر: مركز الوثائق والبحوث - ديوان رئيس الدولة أبوظبي- دولة الإمارات العربية المتحدة.

الطبعة الأولى: 2004م.

2- تاريخ ثغر عدن

الطبعة الثانية 1986م

شركة دار التنوير للـطبـاعة والنشر - بيروت تأليف : عبدالله الطيب بن أحمد بامخرمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى