عبدالله باكدادة لـ «الأيام»:ليس بالضرورة أن يركن الواقع الثقافي للإدارة الثقافية الرسمية

> «الأيام» مختار مقطري:

> في هذا الحوار معه، يتطرق الشاعر عبدالله باكدادة مدير عام مكتب الثقافة بعدن، بالحديث عن عدة قضايا ذات صلة بالواقع الثقافي بعدن واليمن عموماً، وعن مشاريع البنى التحتية التي تزمع وزارة الثقافة تنفيذها، وعن سبل الخروج من الأزمة الثقافية الراهنة، وعن قضايا أخرى، وهو في حديثه هذا أنيق ومتفائل ودقيق في إجاباته كعادته، وصريح فيما يستوجب الصراحة، حاولت محاصرته بأسئلتي - كمدير عام لمكتب ثقافة عدن - فحاصرني بإجاباته الواعية للواقع الثقافي، مغلباً النسبي على المطلق، ورافضاً الأحكام المطلقة.

< كيف تنظر كشاعر ومثقف إلى الواقع الثقافي خلال العشر سنوات القادمة، وكيف بالإمكان تجاوز هذا الواقع الثقافي المتخلف وفق آلية رسمية تؤدي لإحداث حراك ثقافي؟

- يبدو أنك أجبت عن سؤالك نيابة عني عندما وصفت الواقع الثقافي بالمتخلف، علماً أنه ليس كذلك، وهناك فرق بين المنتج الثقافي الفعلي وما هو سائد أو ظاهر على السطح، كما أن هناك فرقاً بين مثقف حقيقي وبين سمسار ثقافة، والواقع الثقافي تمثله عقول وأفكار وأقلام وإبداعات، وليس بالضرورة أن يركن إلى إدارات العمل الثقافي الرسمية لكي تمثل الواقع الثقافي.

هذه الإدارات التي لم ترق إلى مستوى ما ينتج ولم تستطع استيعابه، علماً أن معظم أزمات الواقع على كافة الأصعدة سببها عدم إدراك الدولة لأهمية الفعل الثقافي. ومن المعروف أن من أصعب الإدارات هي إدارة المثقفين، لأنهم أصحاب رأي وينزعون الحرية بعيداً عن قيود العمل الإداري، إلا أن أشياء كثيرة تحققت خلال السنوات الماضية، وأعتقد جازماً أن القادم ثقافي.

< هل تنظر إلى الواقع الثقافي المتخلف في اليمن كجزء من واقع ثقافي عربي متخلف، أم أن في اليمن خصوصية مميزة ؟

- الواقع الثقافي في اليمن ليس نبتاً غريباً، فهو جزء من مجرى نهري متدفق العطاء، يتبارى المجتمع العربي والإسلامي في صبِّ مجرياته ورفده والاستفادة منه، وتمر عليه سحابات لأمم مختلفة الأجناس واللغات، فتتساقط زخات سحاباتها عليه وتتشبع من بخاره المتصاعد إليها بفعل الشمس. وفي تقديري الشخصي أن هناك تراجعاً مخيفاً ومهولاً للواقع الثقافي بشكل عام.. ولذلك أسباب.

< مرحلة الحراك الثقافي القادم هي مرحلة المسرح والأغنية، وفقا للرؤية الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة.. هل من برامج يتم إعدادها بهذا الخصوص، وكيف يغدو التفاؤل مشروعاً في ظل غياب البنية التحتية اللازمة لإحداث حراك ثقافي وإبداعي حقيقي؟

- لكل فن من الفنون أهميته ودوره في المجتمع، والحراك لا يقف عند المسرح والأغنية على أهميتهما.. وصحيح أن البنى التحتية للعمل الثقافي هي من القضايا الملحة والمهمة، وهي الاشتراط للحراك الثقافي، إلا أننا لا ننسى ما تحقق من خلال ترميم وتجهيز معهد الفنون الجميلة بأحدث الأجهزة، واستعادة وترميم صالة الأكروبات بحافون، والآن نسعى إلى التأثيث والتجهيز ورصد مبالغ لترميم مسرحي حافون والجيب، والحصول على مساحة خمسة عشر ألف متر مربع لإقامة المجمع الثقافي، الذي يحوي مبنى للثقافة ومسرحاً ومكتبة وحديقة على أحدث التصاميم، ولهذا علينا أن نتفاءل ونبحث عن تحقيق المزيد، هذا في عدن ولا شك أن هناك إنجازات في بقية المحافظات.

< الرصيد المخصص للنشاط الإبداعي والثقافي في الميزانية السنوية لمكتب الثقافة بعدن يساوي صفراً. لكني أعرفك مسؤولاً متفائلاً لا يكتفي بالتذمر، بل يسعى إلى توطيد العلاقة بين المكتب وجهات غير رسمية، ممثلة بالقطاع الخاص، كيف تم استثمار هذه العلاقة؟ وهل وجدتم حماساً لدى القطاع الخاص للإسهام في تنفيذ الفعاليات الثقافية التي ينظمها المكتب؟

- في ملتقى قيادات العمل الثقافي لمحافظات الجمهورية الذي نظمته ودعت إليه وزارة الثقافة بصنعاء، كان من أهم القضايا التي طُرحت تلك الميزانيات الهزيلة وصفرية بند النشاط الثقافي، والتي لا تتيح المجال لوضع برامج ثقافية مسبقة أو استراتيجيات للعمل الثقافي، باعتبار أي خطة ثقافية إذا لم تتبعها خطة مالية لا يكتب لها النجاح. وللأمانة فإن هذا الملتقى لاحت فيه أشعة رائعة لإشراقة شمس قادمة، لأن وضع اليد على الجرح هو البادرة الأولى للعلاج. أما قضية تمتعي بالتفاؤل وحلّي لإشكالاتي العديدة عن طريق علاقاتي الواسعة فتلك نعمة منَّ بها الله عليّ، لأن الإدارة تنقسم إلى قسمين:

1- إدارة موضوعية وهي ما يرتبط بالنظم واللوائح والقوانين.

2- إدارة ذاتية وهي قدرات الشخص الذاتية التي يتمتع بها والحمد لله على ذلك.

< هل صحيح أن المثقفين والمبدعين بعدن أكثرتذمراً؟ هل لأنهم أبناء مدينة كانت ذات يوم عاصمة لدولة؟

-ليس هناك شيء مطلق، فمن المعرف أن كل شيء نسبي، وأنا لست مع الأحكام المطلقة، والقضية هنا تعود إلى الجانب النفسي. ودعني أسألك هنا عن تأثيرات تردي الواقع العربي بشكل عام والهزائم المتكررة، وأعتقد أنك تتبعت شعراء الهزيمة وتأثيرات نكسة 1967م.

ففي الوقت ذاته كانت هناك أصوات ساهمت في يقظة الروح العربية. وعدن لاشك أنها مرت بمراحل صعبة ومتغيرات دموية متتالية، وليس هناك من يغفل أنها كانت حقل تجارب لأيديولوجيات مستوردة، وتراجع على المستوى الاقتصادي، وهذا بالتأكيد له تأثير، إما بتحمل الواقع أو البحث عن بصيص الأمل أو الإحباط النفسي.

< ولي زمن المسرحية المقروءة. فهل نحن على أعتاب مرحلة القصيدة المغناة وانقضاء زمن قراءة ديوان؟

- لا شيء يولّي أو ينتهي، فلكل فن من الفنون أهميته ودوره. لربما هناك حالات انتعاش وحالات ركود في الواقع الثقافي، شأنه شأن الاقتصاد، وهذا يحصل في مختلف الدول، وفي تقديري الشخصي فإن القصيدة مكتوبة أو مسموعة أو مغناة هي الأكثر رواجاً في مراحل تاريخية مختلفة، وما نراه على شاشات الفضائيات من مسابقات وبرامج للشعر العامي أو الفصيح ورصد المبالغ الكبيرة للفائزين، والمشاركة بأعداد مهولة لهو دليل جلي على صحة ما أقول.

والمسرحية المقروءة كأي مؤلف مقروء، ما زال يحتل مكانه رغم منافسة الكمبيوتر له. وقد أكدت ذلك إحصائية في دول أوروبا، حيث وجد أن الإقبال على الكتاب المطبوع أكثر من الإقبال على الكتاب عبر شاشات الكمبيوتر .

< عن مركز العزاني للتراث الفني والتوثيق.. ما هو تقييمكم للإسهام الذي قدمته مؤسسة الراحل؟ وكيف بإمكانه الاستمرار في حفظ ما في مكتبته من تراث ضخم، في ظل اهتمام ودعم رسمي بطيء، ولعله معدوم ؟

- لن أصف التراث الفني الموثق في مركز العزاني للتراث والتوثيق الفني بالضخم، ولكني أرى أنه نوعي ونادر ومهم جداً، حيث استطاع أن يرصد أعمال مرحلة فنية هي من أهم المراحل عطاءً وارتقاءً، وقد أطلق عليها «المرحلة الذهبية للغناء اليمني»، وتأتي الندرة كونه المركز الوحيد على مستوى اليمن عموماً الذي يحوي مثل هذه الأعمال على مختلف ألوانها وإيقاعاتها، إذ كانت عدن قبلة الفنانين من مختلف المناطق، والجميل هنا أن الدافع لم يكن العائد المالي -على أهميته- بل الروح المحبة للإنتاج الفني وتوثيقه التي تميز بها علي حيدرة العزاني ومن بعده أولاده.

وأنا أدعو المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية أن لا تنظر إلى هذا المركز باعتباره ملكية لعائلة العزاني، ولكن باعتباره تراثاً يمنياً من واجبها المساهمة الإيجابية في الحفاظ عليه والتواصل مع المنظمات الدولية للاهتمام به، لأن عائلة العزاني ليست وحدها المعنية بهذا التراث.

> ما الذي يمكن أن تسهم به كمدير ثقافة عدن، وكشاعر ومثقف لصالح الحفاظ على مركز العزاني وتطوير نشاطه؟

- إحساسي كشاعر ومثقف أولاً هو الذي دفعني للقاء الدائم بأطراف مختلفة في هذا المركز، والاهتمام بكل ما يحويه من ثراء وقيمة من النادر أن نجدها في مكان آخر.. هذا الاهتمام الذي دفع بعائلة العزاني إلى تحميلي مسؤولية رئيس مجلس الأمناء للمركز. ويأتي موقعي كمدير عام لمكتب وزارة الثقافة بعدن لاستغلال الإمكانيات والعلاقات المتاحة لتقديم ما بوسعي لخدمة هذا المركز، علما أن الموضوع يحتاج إلى مؤسسات ومكاتب أخرى. وبالفعل فإن الدور الذي بذلته العائلة وعلى رأسها الأخ الأكبر عبدالله العزاني مدير عام المركز قد أثمر في لفت الأنظار إليه، وزيارة كبار المسؤولين مثل وزير الثقافة، ومحافظ محافظة عدن، وتواصل منظمة اليونسكو ومكاتب مهمة أخرى، وشخصيات كبيرة ذات علاقة بالجانبين الفني والتوثيقي، وأعتقد جازماً ومكرراً أن الموضوع بحاجة لما هو أكبر وأكثر من ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى