المحضار.. والثماني العجاف!

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> يحل علينا الخامس من فبراير 2008م، وبه تنقضي ثمان سنوات عجاف منذ رحل عنا الشاعر المشهور حسين أبوبكر المحضار- رحمه الله تعالى-، ثمان سنوات عجاف لم تكن في مجال الشعر الغنائي وحده والدان والمسرحيات والقصائد الحسان، بل ثمان سنوات عجاف عاشها ويعيشها إنسان هذا الوطن، تكاد تكون في شتى مناحي حياته، ومرارة الفراق لم تفارق حناجرنا، وفقدنا للراحل لم تنطفئ جذوته بعد، وأنى يغيب المحضار عنا.

وهو الحاضر فينا؟!، في وجداننا وفي شرايين دمائنا، إنه المحضار.. من شعره نستعذب ونستمري الكثير، وعلى ألحانه نتأسى ونستكين ونثور.

أتذكر حينما سافر المحضار إلى جدة وغاب بها بضعة أشهر، يومها لم يطق الشاعر الشعبي محمد علي عبدالقوي العيش بعد المحضار، فأرسل له أبياتا يحثه فيها على العودة إلى أرض الوطن، شارحا له أسبابها في قوله:

خرج ذا الفصل والثاني حبيب حسين لاتبطي

عسى ذا العيد يأتينا وأنت عندنا في الدار

تعال للشحر وتفاهم مع البوليس والشرطي

على ذي هو رفع رأسه بغى له صايطة وأخبار

وإذا كان غياب المحضار المؤقت أوجد مشكلات ربما أبسطها (المفاهمة مع الشرطي)، فالغياب الأبدي أورث الحزن في القلوب قبل المكان، وتلك الصورة يرسمها الشاعر تلميذ المحضار والدائر في فلكه (عمر عبدالرحمن حميد) حين يقول:

وجو الشحر بعدك صار موحش

عليه الحزن بس وحده معشش

لأنك أنت لي له كنت منعش

فكم عيشتها في جو هاني

ذلك الحزن وتلك الحالة التي عانت منها الشحر، بل وعانى منها الوطن بأجمعه إثر الغياب الكبير للمحضار، يصورها شاعر آخر هو الشاعر ثابت عبدالله السعدي في قوله:

من بعد ما نجم الثريا غاب

أو من بعد ما فارقتي المحبوب

وأنت مكانك وسط غيبوبة

حتى الفرح والأنس لي ما طاب

بعد الحجر صار البناء بالطوب

في جو كله حر ورطوبة

واختلطت الأسماء مع الألقاب

تشكي نوايا صادقة وقلوب

تستقبل الحالات مقلوبة

ولكن شدة الرحيل وقسوته كان على مسقط رأس المحضار، فلهذا استقبلت المدينة مواساة الشعراء، فهم من يعرفون حق المعرفة مكانة المحضار لأهلها ولها، كما يعرفون مكانة البلدة عند المحضار وهيامه بها، وهذا الفهم لم يخطئ حدس الشاعر الشيخ سعيد صالح عبدربه العمقي، فترجمه في مرثاته قائلا:

يالشحر يا أم اليتامى اصبري

عاقسوة الأقدار هي وأهوالها

هول الفجيعة حينما ذاع الخبر

بوفاة بو شعارها ورجالها

يا ركبنا غابت علينا الشارقة

هاهي القطيرة تفتقد جمّالها

عدل الحمولة مال بعده ما نعدل

هل عاد شي باتتزن أعدالها

ولا زالت حالة عدم الاتزان التي شخصها الشاعر مستمرة إلى حال هذه الساعة، وأنى يملأ فراغ المحضار أو يسد مكانه، بل دائرة الفراغ تكبر وتتسع كلما مرت الشهور والسنون، وهنا يصرخ شاعر آخر هو الشاعر محفوظ عبدالله سرور الذي أرهقه وأتعبه الفراغ الكبير، فقال مناديا.

يا ابن الزبينة.. سعاد الشحر والأسعا

أم اليتامى تنادي: ياحسين الأبي

تهفو إليها وطيف منك يحملها

بين القوافي في ناد وفي خبب

هبت نسائمك بكل بارقة

لا تنثني تستشيظ من سنا اللهب

فالمحضار- رحمه الله- إذا عرفه جمهور الناس بأنه شاعر مجيد لايشق له غبار في مجال الأغنية، فأهل بلده يعني لهم الكثير، فهو لديهم الشاعر المبدع والفنان المتقن والإنسان النبيل ذو القلب الكبير، والأب الحاني والأخ المواسي والابن البار، تلك المحامد والمكارم للفقيد أوجزها الشاعر جمال عبدالله حميد في ذكرى رحيله الثامنة، ومنها قوله:

ولقد رُزِئنا بافتقاد كواكب

كانت بهم تزهو سعاد وتسطع

كالمبدع المحضار شاعرنا الذي

بقصيده تشدو القلوب وتسجع

رغم السنين المجدبات لفقده

وحنيننا خصب إليه ومُمْرع

نعم إنهنّ سنون مجدبات عجاف، مرارتهنّ على محبي وعشاق شعر وفن المحضار أشد، بل يعتبرها الشاعر محمد سالم بن داؤود القاصمة والموصدة، الموصدة التي أغلقت باب الشعر والفن والإنشاد والألحان، يقول بعد سنة من رحيل المحضار:

مهما سنة تميت لنا للشعر ناشد

أو حد بقى غيري قدر سنتين ينشد

قوافي من بحور الشعر يختار

الشعر له واحد ولحنه في لسانه للأناشيد

مفتاح لبابه دائما قاصد وواصد

بعده صبح ياللأسف مغلق وموصد

بحصنه المعتلي له دور وأسوار

للفن هو رائد مفاتيحه بيده والأقاليد

ولا زلنا نحنُّ إليه ونترحم عليه كلما ذكرناه أو مرت ذكراه، وهاهي ذكرى رحيله الثامنة تخيم سحبها على قلوبنا، وفقده يزيدنا ألما.. رحم الله المحضار!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى