التقليد الأعمى وتأثيره على الدين

> «الأيام» حامد محمد الحداد:

> في عالمنا الإسلامي المعاصر الكثير من الجماعات المتزمتة المتسمة بالجمود والتطرف الفكري التي كانت وماتزال حصادا مرا جلب الأذى للمسلمين وشوه صورة الإسلام وجعله متخما بالرجعية والجمود والتطرف ومحاربة التحضر والرقي، والإسلام في حقيقة الأمر بريء من هذا الاتهام براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ولعل السبب الرئيس في هذا الانحطاط الفكري هو التقليد الأعمى وإلغاء العقل والتفكير الذي يتجلى بوضوح في جمود تلك الجماعات المتزمتة على آراء وفتاوى المشايخ أو أئمة الدعوة، كما يحلو لهم تسميتهم، فيقومون بتقليد تلك الآراء دون وعي أو تفكير، فتجد الواحد منهم يبحث عن رأي ذلك العالم أو فتوى ذاك الشيخ في أبسط أمور دينه ودنياه، دون السؤال عن النص الذي استند إليه هذا الرأي أو الفتوى، أو مجرد التفكير في عاقبة هذه الفتوى في حاله ومستقبله، فهو يكفيه فقط اسم الشيخ صاحب الفتوى بغض النظر عن أن تكون الفتوى مخالفة لروح الإسلام شكلا ومضمونا، وعلى سبيل المثال لا الحصر فتوى تحريم الدراسة في المدارس النظامية أو فتوى تحريم لقاح شلل الأطفال.

وهذا يعود بطبيعة الحال إلى تكريس العبودية العقلية والتبعية الفكرية للأشخاص والجهات بدلا من النصوص الشرعية في منهجية تلك الجماعات، وهو ما يخالف نص القرآن وإجماع العلماء، وفعل الصحابة الأجلاء، أما القرآن فقد جعل التقليد الأعمى صفة الكفار والمشركين، حيث قال تعالى على لسان المشركين: (?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (ثم قال سبحانه في أية أخرى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله).

أما العلماء فقد كانوا من أشد المحاربين للتقليد الأعمى، فهذا الإمام الشافعي يقول: «إذا خالف قولي رسول الله فارموا به عرض الحائط»، وهذا الإمام الشوكاني يفرد مؤلفا كاملا للرد على التقليد وأهله.

وأما الصحابة فقد ورد في الأثر أن عمر ابن الخطاب أفتى بمنع زيادة المهر عن أربعمائة درهم، لما لاحظ مغالاة الناس في المهور، فجاءته امرأة وقالت له: «ألم تسمع قول الله (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)»، فتراجع عمر عن قوله وقال: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». لم ينهر المرأة، ولم يقل لها اعرفي قدر نفسك، أنا أفهم كلام الله أكثر منك، ولكنه لما سمع النص خضع لأمر الله. هذه هي روح الإسلام تتبنى حرية العقل، وتعتق الفكر من ضلالات التبعية والقصور، وأما أولئك فيصدق فيهم قول الشاعر:

لا فرق بين مقلد في دينه

راض بقائده الجهول الحائر

وبهيمة عجماء قاد زمامها

أعمى على عوج الطريق الحائر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى