> «الأيام» محمد علي محسن:

وعزلة الأعشور بمديرية قعطبة واحدة منها، وقد كانت وجهتنا في الاستطلاع التالي:
من عاصمة المديرية قعطبة كانت انطلاقتنا نحو عزلة الأعشور المتناثرة قراها على ضفتي مجرى سيل يشق الوادي من رأسه، حيث جبال العود المنيفة، وحتى أسفل القاع عند صعود السيارة السهل المرتفع عن مجرى مياه الأمطار. المسافة من مدينة قعطبة إلى عزلة الأعشور الرابضة قراها أسفل جبال العود تقدر بـ 30 كم، 10 كم من الطريق المؤدي إلى قرى القدم وعزاب والمقار كانت على خط الإسفلت الرابط بين الضالع وإب، فيما بقية الـ20 كم على طريق ترابي يبدأ عند المنعطف الواقع بين قريتي سليم شمالاً وشخب جنوباً. وهذه القرى التي قصدناها ظهر الأربعاء الفائت 6 فبراير تقع بميمنة من الخط الرئيس وأنت مولي وجهك صوب إب وتدير ظهرك لمدينة قعطبة.
كلما اقتربت من حياة القوم أكثر وأكثر كان بمقدورك فهم مخاوفهم وتوجساتهم من ذلك الماضي المؤلم والمحفور في ذاكرة كل فرد عاش فيه، وكلما أوغلت في ملامسة أوجاع ومعاناة هذه المناطق في الزمن الحاضر ستجدها متماثلة، من ناحية غياب العدالة أو غلاء الأسعار أو سوء الخدمات الصحية والتعليمية أو زيادة في الجبايات وغيرها.
الفارق الوحيد هو بثقافة ووعي وطريقة كل إنسان في التعبير عن ذاته ومجتمعه، فحيثما وجدت الأحزاب والمؤسسات الوعي سادت الثقة، وزالت الفروقات والحدود من القلوب والعقول معاً.
وفي قرية القُدَم- بضم القاف وفتح الميم- قدر لنا الجلوس مع الأهالي الذين سعدنا كثيراً بسمع شكواهم وبكل ما طرحوه من قضايا مطلبية أو سياسية التي سنوردها مثلما أراد أصحابها، و كان أول المتحدثين الأخ صالح فازع سلمان الذي تطوع للحرب في العراق عام 83م ضمن اللواء الثاني عروبة، ومنذ تجنيده في ذاك العام وذهابه للعراق أسوة بـ 50 محارباً من المنطقة وهو في القرية بلا معاش أو عسكرة.

والمطلب الآخر هو عند توزيع حالات صندوق الرعاية الاجتماعية التي لم تحصل القرية على حصة تذكر منها منذ أول تسجيل قبل 12 عاماً عندما حصلت على عشرة حالات، علما أن سكان قريتي عزاب والقدم 4500 تقريباً إذا ما عرفنا أن عدد الناخبين فيها 1800 ناخب».
الأخ علي عبدالله الصلاحي شخصية اجتماعية ومغترب في المملكة قال: «مشروع طريق الفاخر عزاب 17 كم منذ أعوام وهي متعثرة، ومثلما ترون الحفريات في الطريق تستدعي منا توظيب السيارات عقب كل رحلة إلى خارج القرية وحتى بداخلها، والمشروع الآخر هو كهرباء عزلة الأعشور التي تم مدها بالأعمدة وخطوط الضغط قبل انتخابات 2003 وإلى الآن مازلنا في انتظار ربط الشبكة وإيصال التيار إلى هذه المنازل، علماً أن العزلة تم ربطها مع بلاد اليوبي وعدد من المناطق التي وصلتها خدمة الكهرباء».
الأخ محمد عبدالله أحمد خريج كلية التجارة قال عن التعليم والصحة:«عدد المدارس الثانوية ثلاث، واحدة علمي في عزاب وأخرى أدبي في بيت الشوكي وثالثة في بيت الشرجي، فيما المدارس الأساسية هي الميثاق في القدم، ومدرسة الشهيد محمد سفيان بقرية شليل، ومدرسة عتيبة بين مسلم في هجار، ومدرسة الأنصار في رمة، بينما مدرسة المقار المكونة من ثلاثة فصول مغلقة منذ ثلاثة أعوام على إنجازها، مدرسة القرية الحالية ثلاثة فصول على حساب الأهالي، وثلاثة أخرى بتمويل من المجلس المحلي السابق، وفصل دراسي مع سكن المعلمين والحمامات بتمويل الصندوق الاجتماعي، ينقص المدرسة عشرة من المعلمين.

أما سبب تسرب الفتاة فيرجع لقلة الفصول الدراسية وقلة المعلمين وتدني الوعي عند الآباء، علما أن %70 من طلاب الثانوية يدرسون في قعطبة والضالع.
أما الخدمة الصحية فحدث ولا حرج هنالك وحدة صحية في عزاب لا يوجد بها حقنة دواء، وكل نشاطها أثناء حملات التطعيم فقط».
كل المتحدثين كانت إجابتهم تكاد تكون واحدة تجاه مشروع المياه الذي تم تنفيذه في قريتي عزاب والقدم بتمويل من البنك الدولي، ويعد الحسنة الوحيدة المنجزة في هذه المنطقة الفقيرة إلى التنمية، ونشاط أهلها ينحصر في زراعة القات، ووصل الحفر للآبار الارتوازية لمسافة 700 متر.
وقبل أن نودع القرية وأناسها الطيبين لفت نظري أحدهم إلى الجبل المنيف المنتصب أمامنا، لكأنه أراد تبديد مخاوفي بقراءة اسم الله المتشكلة حروفه من الصخور حينما طرقت محاذير الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، ولعله بهذا الفعل إنما أراد الإشارة إلى أن القرية وأهلها محروسان بعناية الله المكتوبة حروفه في القلوب وفي الصخور.. عدنا وزملائي أدراجنا وقت الأصيل، ولسان حالنا يقول: وداعاً أيتها العزلة المنسية.. وداعاً القرى المحروسة بعناية الله سبحانه.