في الذكرى الـ(33) لرحيل سيدة الغناء العربي.. أم كلثوم تعاني من التهميش في الفضائية المصرية!!

> «الأيام» مختار مقطري:

> وافق يوم الأحد الماضي 3 فبراير 2008 الذكرى الـ33 لرحيل أسطورة الطرب العربي أم كلثوم (يرحمها الله)، ومنذ اشتغالي في الكتابة الفنية في العام 1998 آليت على نفسي الكتابة عن أم كلثوم سنوياً في ذكرى رحيلها، ولو امتد عمري بقدر ما مضى منه لما توقفت عن الكتابة عنها، لأن الحديث عنها لا ينتهي، لكني هذه المرة مدفوع للكتابة في مواضيع محددة تتعلق بأم كلثوم، فاخترت منها العلاقة بين أم كلثوم وأسمهان الأطرش، ومكانة أم كلثوم في الفضائية المصرية وهو موضوع أكثر أهمية.

إن الكتابة عن أي فنان تكون منزهة عن الهوى والإعجاب الشخصي، لكني ألمس ذلك كلما جرى الحديث عن أسمهان أو كتب عنها بمقارنتها بأم كلثوم، مقارنة قائمة على (لو) بلا إلمام بعطاء كل منهما وموهبتها ودورها، ومكونات شخصيتها الفنية، ليقول بعضهم: «لو طال عمر أسمهان لنافست أم كلثوم» ويقول البعض الآخر: «لو طال عمر أسمهان لتغير تاريخ الغناء العربي» وغير هذا من الكلام العاطفي المفتقر للتقييم الموضوعي، يضاف إليه «أن أم كلثوم شعرت بالقلق على تربعها عرش الغناء من منافسة أسمهان» وهي التي أجبرت سلطانة الطرب منيرة المهدية على الانزواء في الظل، ولم يكن الغناء الأوبرالي مطلباً فنياً تاريخياً بقدر ما كان خروجاً عن المألوف بالتطلع إلى بديل غير مناسب، في حين كانت أم كلثوم- حين ظهرت أسمهان- قد أحدثت منعطفاً فنياً تاريخياً بالقضاء على الأغنية الهابطة والمبتذلة، والمراهنون على صوت أسمهان يراهنون على صوتها فقط، ودون شك أن صوتها رائع وفريد وحساس، لكنه لم يكن صوتاً معجزة كصوت أم كلثوم، ومع ذلك أترك للمختصين تقييم الصوتين تقييماً علمياً، لإيماني بأن الصوت وحده لا يصنع مطرباً، وقد قدمت نجاة الصغيرة روائع فنية بصوتها الهامس، لذلك فإن الفرق بين أم كلثوم وبين أسمهان فرق بين شخصيتين لكل منهما نشأة وأهداف واستعداد وثقافة ورسالة فنية.

كانت أسمهان حالة فنية يمكن أن تتكرر، وكانت أم كلثوم حالات فنية لا تتكرر، أدركت أم كلثوم مبكراً أنها حالة فنية تاريخية صنعها الريف المصري، وأكملت القاهرة بناء شخصيتها فصارت (فلتة) وسخرت حياتها للفن، لكن أسمهان سخرت الفن لحياتها.

غنت أم كلثوم لكل الناس في حفلها الشهري، وغنت أسمهان لهم من برجها العاجي، ورفضت الغناء في الحفلات العامة.

أم كلثوم كانت شخصية فنية متكاملة صوت وأداء وثقافة، وكانت أسمهان نزوة فنية طارئة.

أم كلثوم كانت فلاحة، وكانت أسمهان أميرة يهمها الحصول على الثروة، فغنت من أجل المال، ومثلت في السينما من أجل المال، ومن أجل المال قبلت أن تكون جاسوسة مزدوجة للإنجليز والفرنسيين*.

ومنذ عشرينات القرن الماضي حتى السبعينات واصلت أم كلثوم أداء رسالتها التاريخية دون كلل وبتوفيق مستمر، في حين ماتت أسمهان في 1944/7/14 غريقة في ترعة!

ولو طال عمرها لاعتزلت الغناء بعد خمس سنوات، لأنها أدمنت على التدخين والكحول، وهي القائلة: «أحب الكأس وهو مليان، وأحبه وهو فاضي، فلو كان مليان أشربه، ولو فاضي أملاه..!».

وأم كلثوم لم تكن ملاكا منزها عن الخطأ، لكن أخطاءها كانت أهون من أن تفقدها حب واحترام الجمهور، وأيسر من أن تصطدم بالدين والأخلاق والعادات الاجتماعية، ومع ذلك حرصت على الفصل بين فنها وبين حياتها الخاصة، وأحسنت اختيار أصدقائها من الرجال، فكانوا صفوة مفكري وأدباء وفناني مصر والدول العربية.

في حين كانت أسمهان تطيل السهر ليلا في ملاهي القاهرة، بصحبة رجال من الباشوات والأثرياء، رغم أنها تزوجت ست مرات، وأما عن اتهام أم كلثوم في مقتل أسمهان، فلم أقرأ أنه كان اتهاما رسميا وهو اتهام سربته المخابرات الإنجليزية، أو التي دبرت مصرع أسمهان كي تنفي التهمة عن نفسها، هذا محتمل، ولكن المريب أن يبقى الحدث لغزاً حتى اليوم**.

الفضائية المصرية مسئولة عن كل شائعة، طالما توجه لأم كلثوم، إلا أنها غير مكترثة بتعريف الأجيال الجديدة بأم كلثوم، فهي مشغولة بالترويج لشيرين وتامر حسني والمكوجي شعبان عبدالرحيم.. على سبيل المثال فقط، ولا تبث أغاني أم كلثوم إلا نادراً، في حين أن واجبها نحو أم كلثوم ونحو عشاقها ونحو الجيل الجديد أن تبث أغانيها كل يوم ساعة محددة من المساء، ليس أغاني أم كلثوم فقط، بل وأغاني كبار المطربين الذين رسخوا حب مصر في قلوب كل العرب.

وألف شكر لقناة (روتانا طرب) التي تبث أغاني أم كلثوم يومياً، لكن حفلات أم كلثوم فيها مكررة وعادية، ولا تظهر أم كلثوم فيها بمستواها الفني المعجز الذي نسمعه من الراديو وهي تغني الأغاني ذاتها التي نشاهدها في (روتانا طرب)، لذلك فإن مسئولية جمع كل حفلات أم كلثوم المصورة تقع على عاتق الفضائية المصرية التي مازالت إلى اليوم تتعامل مع أم كلثوم كمطربة عادية، وليس كفنانة تاريخية.

* أسمهان ضحية الاستخبارات - سعيد الجزائري - صفحة (112) وفي هذا الكتاب تأكيد على أن اشتغال أسمهان مع المخابرات الإنجليزية لم يكن بدافع وطني، ولكن بهدف الحصول على النقود.

** إلى جانب أم كلثوم اتهم بتدبير حادث مقتل أسمهان كل من الملك فاروق وأمه الملكة نازلي، شقيقها فؤاد الأطرش، زوجها أحمد سالم، والمخابرات البريطانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى