«الأيام» تزور مدينة بئر علي ..بناء عشوائي وبسط على الأراضي.. انعدام النظافة ومياه الشرب.. والمدينة تصرخ وتئن من الفوضى غير الخلاقة (2-2)

> «الأيام» جمال شنيتر:

> بئر علي مدينة ساحلية جميلة تطل على ساحل بحر العرب والمحيط الهندي، وهي تقع إدارياً ضمن مديرية رضوم محافظة شبوة على الطريق الرئيس الذي يربط حضرموت بعدن، وهي مركز جذب سياحي نظراً لما تمتاز به من عوامل طبيعية متعددة من شواطئ رائعة ومياه رقراقة ورمال ذهبية ناعمة وجزر أسطورية، بالإضافة إلى كنوزها التاريخية المتمثلة في قلعة حصن الغراب وبحيرة شوران البركانية وميناء قنا التاريخي.

ولكن من المؤسف أن هذه المدينة رغم مزاياها الطبيعية الجمالية إلا أنها تئن وتصرخ من مظاهر الفوضى غير الخلاقة التي تكتوي بها، كانتشار البناء العشوائي والبسط على الأراضي وانعدام النظافة وعطش أهلها نتيجة انعدام مشروع للمياه العذبة.

«الأيام» كانت على موعد مع هذه المدينة الاستثنائية لتنقل صورة حية عن جمالها وروعتها وكذا آلامها وأوجاعها.

هموم تربوية

يبلغ سكان بئر علي نحو ثلاثة آلاف نسمة إلا أنها كمرفأ بحري ومركز رئيس لصيد الأسماك فهي تستقطب إليها مئات الصيادين والبحارة الوافدين من المحافظات الأخرى.

عند مدخل المدينة يقع مبنى الأمن وهو نفسه المبنى القديم الذي مر على بنائه ما يزيد على أربعين عاماً، ترجلت وسط المدينة وسرت بين أزقتها الضيقة ومنازلها التي بنيت معظمها من الأحجار الصخرية، اتجهت ومعي الأخ طلال صالح باصهيب الشخصية الاجتماعية وعاقل حارة بئر علي إلى مدرسة البلدة التي بدأ طلابها للتو إجازة الفصل الدراسي الأول غير أن معلمي المدرسة كانوا موجودين لإعداد نتائج الفصل الدراسي الأول.

يقول الأخ أحمد ناصر عبدالله كعدول مدير المدرسة:«مدرسة بئر علي مدرسة للتعليم الأساسي والثانوي، ويدرس بها أبناء بئر علي بالإضافة إلى عدد من القرى الساحلية القريبة مثل عين بامعبد، القمري، جلعة وبالحاف ويبلغ عدد طلابها 388 طالباً، وتسير الدراسة فيها بشكل جيد رغم وجود بعض الصعوبات والهموم كعدم وجود معلمين للتخصصات العلمية خاصة في القسم الثانوي، لهذا قمنا بتغطية هذه المواد بمعلمين يحملون شهادة الدبلوم وبعضهم الثانوية العامة، أضف إلى ذلك أن المبنى قديم والحجرات الدراسية لا تكفي لاستيعاب الطلاب، وتدرس الطالبات في الفترة المسائية في المبنى نفسه، كما عانينا نقصاً كبيراً من الكتب الدراسية وخاصة كتب الصفوف الأولية من التعليم الأساسي».

انعدام النظافة

انعدام النظافة لمدينة مثل بئر علي تجتمع فيها عناصر الجمال الطبيعي يعد أمراً مخزياً وغير مقبول، فهنا تتكدس أكوام القمامة بين الأزقة وعلى شاطئ البحر بل وحتى مخلفات الصرف الصحي تصل إلى هذا الشاطئ، نظراً لعدم وجود مشروع للصرف الصحي، ويقول الأخ طلال باصهيب:«للأسف الشديد بئر علي تعاني كثيراً من انتشار المستنقعات الآسنة وتكدس أكوام القمامة، وكما ترى هنا على شاطئ البحر هذه مخلفات الأطعمة والمواد البلاستيكية وغيرها متراكمة مما يشوه سحر وجمال هذه المدينة، وقد تم متابعة صندوق النظافة والتحسين، وتوجد سيارة واحدة فقط للنظافة لكل مناطق مديرية رضوم ، وتمَّ جدولة عملها بحيث يكون نصيب بئرعلي يومين في الأسبوع ولكن للأسف الشديد حتى في هذين اليومين اللذين حددا لها لم يفِ صندوق التحسين بعمله فيهما فنحن الآن ومنذ نحو ثلاثة أشهر لم تصلنا سيارة النظافة».

الصياد والبحر

هنا على الشاطئ المكتظ بالبشر من صيادين وغيرهم تجد ضجة مكائن القوارب البحرية وأصوات الصيادين من مختلف اللهجات تتعالى وطيور البحر تتهادى على أمواج البحر الهادئة.

الصياد يسلم محسن العنضر واحد من أقدم الصيادين في بئرعلي، يقترب عمره الآن من السبعين عاماً، يقول عن الصيد والبحر:«هذه المنطقة غنية بالأسماك مثل القشار الضمكري، الشرام، الخلخل، العيدة، الزينوب والباغة وأنواع كثيرة بس زمان كان الصيد كثير والآن قل بعض الشيء، وهناك بواخر صيد تقوم بالاصطياد في عرض البحر والسخاوي أثرت على الأسماك، والآن توجد جمعيات سمكية تجمع الصيادين وتقدم بعض الدعم». وأضاف: «المعيشة ياولدي الآن صعبة والغلاء نار ولكن الحمد لله نعمل على باب الله بس نبغي الحكومة تهتم بهذه المنطقة وخاصة مشروع المياه لأن الناس يشترون الماء من أصحاب البوز (وايت) ويصل سعر البوزة ثلاثة ألف وخمسمائة ريال، أيش قدرنا عليها؟».

هذه الشكوى من انعدام مياه الشرب العذبة كانت إحدى الشكاوى التي ترددت على ألسن عدد من أبناء المنطقة الذين التقيتهم، حيث إن مشروع المياه قد انتهى وتوقف عن العمل منذ نحو ثلاثة أشهر، ويعتمد الأهالي هنا على شراء المياه التي يتم جلبها من خارج بئر علي، ويطالب كثير من أبناء المنطقة المجلس المحلي للمديرية وشركة الغاز التي تقوم في العمل ببلحاف بضرورة الإسراع في اعتماد مشروع جديد للمياه لينقذ بئر على من هذا العطش.

مشكلة عويصة

أثناء تجوالك على شاطئ البحر سترى صورة سيئة أخرى تئن منها هذه المدينة، حيث تنتشر عشرات الأكواخ والصنادق العشوائية وحول ذلك يقول الأخ علي محمد باقطمي عضو المجلس المحلي:«ياعزيزي وضع الأراضي هنا ملخبط ومدربك، حيث صرفت أراضي عام 2000م وتم بناؤها رغم أن البناء موقف لعدم وجود التوثيق، ووعدونا بإنزال المخططات ولم ينزل المخطط، وهكذا الناس يبنون بدون مخططات وخاصة أولئك الذين هم من خارج بئر علي، أما أبناء بئر علي إذا أراد أحد منهم البناء منعته الحكومة وأجهزتها التنفيذية».

ويضيف الأخ طلال باصهيب حول الأراضي: «الأراضي هنا مشكلة عويصة ومن أصعب المشاكل وللأسف تتكدس عشرات الأسر في بئر علي بدون سكن ويبحثون عن قطعة أرض ولا يجدونها والبعض ممن لديه أرضية ويرغب في البناء يتم توقيفه من قبل الجهات الحكومية، والذي لديه فلوس يبني ووصلت مشاكل الأراضي إلى النيابة والقضاء، وبصراحة أبناء بئر علي ممنوعون من البناء في مدينتهم بينما غيرهم يبني».

عسكرة المدينة

يقول الأخ علي باقطمي عضو المجلس المحلي:«هناك مشكلة المعسكرات التي أعاقت الناس هناك من حرية الصيد والتنزه والسياحة الداخلية حيث يقوم بعض العسكر بمضايقة أبناء بئر علي».

وحول المشكلة نفسها يضيف الأخ سالم ناصر كعدول:«مشكلة العسكر في هذه المنطقة تكمن في مضايقة المواطنين والسطو على الأراضي وتكدس العسكر داخل المدينة، كما أن الطائرات المروحية تدور فوق بئر علي بشكل متكرر مما يسبب إزعاجاً للمواطنين».

وللنساء نصيب

زرنا مبنى جمعية المرأة الساحلية الواقع بمحاذاة شاطئ البحر وهو مبنى حديث العهد ومتواضع إلا أنه يشهد نشاطاً غير عادي، وبهذا الخصوص تقول رئيسة الجمعية حجة سعدالله بخيت:«الجمعية تكونت عام 2003م وعدد عضواتها 65 عضوة، وهي إحدى الجمعيات الأهلية المجتمعية، وتقوم بأعمال حياكة شباك الصيد والعزف وخياطة الملابس وتفصيلها وبعض الحرف اليدوية الأخرى, كما تشارك الجمعية في المناشط الثقافية والاجتماعية الأخرى، غير أن الجمعية تعاني بعض الصعوبات ومنها صغر المبنى الذي لا يكفي لاستيعاب النشاط اليومي للجمعية، ونطالب وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات الحكومية والدول المانحة تقديم الدعم المادي لهذه الجمعية».

لقطات

- عدد من الصيادين الذين التقتهم «الأيام» طالبوا بالتعويض العادل جراء إبعادهم من منطقة بالحاف المجاورة التي أقيم فيها مشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال، فحتى اللحظة لم يتم تعويض الصيادين وهم يتساءلون إلى متى هذا التسويف والنسيان والتأجيل؟ وفي الاتجاه نفسه أبلغني عدد من أبناء المنطقة استياءهم من عدم اهتمام الشركات العاملة في مشروع الغاز بما تعانيه بئر علي المجاورة للمشروع من عدد من الهموم بل حتى في مسألة العمالة بمشروع الغاز فأبناء المنطقة لم يتم استيعابهم ضمن عمالة المشروع إلا في حالات نادرة واستثنائية لا تتجاوز الخمس حالات فقط.

- الأغلبية الساحقة من السكان يعملون في صيد الأسماك ويعانون ظروفاً اقتصادية صعبة حتى الشباب منهم لا يستطيعون الالتحاق بالدراسة الجامعية نتيجة للظروف المعيشية الصعبة والغلاء المتصاعد، وحالياً يدرس ثلاثة فقط من أبناء المنطقة في الجامعة.

- يوجد مركز صحي بالمنطقة يقدم بعض الخدمات الطبية للمواطنين، رغم قلة الإمكانيات والأدوية، ويوجد طبيب عام يداوم يومين في الأسبوع ويقدم خدمات جيدة للمواطنين إلا أن تدني مستوى النظافة وانتشار المستنقعات الآسنة والذباب لاشك يشكل عاملاً مساعداً على انتشار بعض الأمراض والأوبئة.

- يطالب عدد من الشباب والرياضيين هنا مكتب الشباب والرياضة بالمحافظة باعتماد نادي الشاطئ، حيث إن بئر علي مدينة رياضية ويوجد بها عدد من الفرق الرياضية الشعبية التي تقيم المسابقات والاحتفالات الرياضية والثقافية الدورية.

إيماءة

هذه هي بئر علي بحلوها ومرها.. بجمالها وبؤسها.. مدينة تستحق من أهل الشأن لمسة حنان وعطف وكلمة حق وأحاسيس استثنائية، أم أن وراء الأكمة ما وراءها!؟ فهل يستمر مسلسل الفوضى غير الخلاقة!؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى