المدرجات الجبلية الزراعية في يافع اليوم.. من ظاهرة الإهمال إلى خطر الاندثار

> «الأيام» محمد سعيد الزعبلي:

>
ما من شك إذ نقول إن المدرجات الجبلية الزراعية الموجودة في بعض المناطق اليمنية هنا أو هناك تعد من أهم المعالم الأثرية اليمنية القديمة، ولما لتلك المدرجات من أهمية تاريخية وزراعية ومائية وغيرها، فإنني سأتناول في هذه المقالة موضوع المدرجات الجبلية الزراعية في مناطق يافع بصورة خاصة، وذلك لمعرفتي فيها أكثر من غيرها لكوني من أبنائها.

ولهذا أقول إن مناطق يافع تتميز عن غيرها من المناطق اليمنية بجبالها الشاهقة الواسعة المتداخلة والمترابطة شديدة الوعورة، بالرغم من صعوبة تضاريسها وشدة وعورتها، فإن الأجيال السابقة القديمة قد استطاعت- بجهدها وعملها العظيم- تغطية تلكم الجبال ببناء المدرجات الزراعية الرائعة، بأشكالها الهندسية البديعة التي تدهش الناظر بجمالها حينما ترتدي حلتها الخضراء في موسم الأمطار والزراعة.

حقا إنها تحفة جميلة صاغها الأسلاف الأولون بوسائل عمل بدائية ومحدودة، إلا أن الإرادة كانت أقوى من الجبال.

ولقد عُرفَتْ تلكم المدرجات بزراعة الحبوب والبن اليافعي الشهير وبعض الفاكهة والحمضيات قديماً والتي انقرض بعضها اليوم، بالإضافة إلى الانتشار الواسع لزراعة القات حديثاً.

هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المدرجات تعد بمثابة حواجز مائية لحفظ مياه الأمطار التي تتغدى منها ينابيع الغيول والآبار في الجبال والوديان على مدار العام.

فما أروع ذلكم العمل العظيم الذي قام به الأجداد، وحافظ عليه الأحفاد من الأجيال المتعاقبة طيلة قرون من الزمن، وها هي تلكم المدرجات مازالت شاهدة حتى اليوم على تلكم الجبال الواسعة مترامية الأطراف هنا وهناك.

إلا أن ما يؤسف له اليوم حقاً هو التراجع الملحوظ في جانب الاهتمام والصيانة لتلك المدرجات، حيث لم يتم العمل على إصلاح ما تخربه السيول إلا القليل إن وجد، بالإضافة إلى قضية الهجران الكلي لبعضها في بعض المناطق، نتيجة للانتقال السكني للبعض من الجبال إلى السهول والوديان أو إلى خارج هذه المنطقة أو تلك، وهو ما يراه البعض تطوراً.

وإن كان كذلك فلابأس، إلا أنه بهذه الصورة يتسم بالتطور السلبي لما له من أضرار، الأمر الذي يجعل تلكم المدرجات مهددة بخطر الاندثار التدريجي إن استمر الإهمال وزاد الهجران، وهو ما نخشاه مستقبلا.

ولهذا فإن الحفاظ على تلك المدرجات اليوم وغداً قد بات واجباً من الواجبات، إلا أن القيام في ذلك الواجب مرهون بوعي الناس في تلك المناطق وفهمهم الصحيح ليس لأهميتها الاقتصادية فحسب، بل لأهميتها التاريخية أيضاً.

هذا ما نراه وبه نذكر لعلهم يتذكرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى