بائعة الزلابية

> «الأيام» صالح علي بامقيشم - عدن

> تهرب الدقائق إلى مرقدها الأبدي.. وهي واقفة تملأ الشارع ضجيجا وتنادي على بضاعتها بصوت شاحب (زلابية.. زلابية) مايقرب من أربعة عقود، هجمت على وجهها الحالم فتركت طعنات غائرة، قطعان من البشر تسير على غير هدى.. وجوه بائسة شققتها سنوات باردة.. وفقر زاهر، ساومتها غير جاد في بضاعتها فردت باستنكار: اذهب.. فالبدو لا يشترون مني. في صنعاء تتهاوى مشاعرنا لتترك غصة تنحر الحناجر.. تبا لهذه المدينة.. فهي تستقبلك كمحظية انبعثت من الزمان الأول لتبلي رغباتك.. ثم فجأة تتنصل لتترك لك القهر.. فيغدو البقاء فيها عذابا.. والرحيل عنها عذابا آخر. عبق التاريخ يفوح في كل ركن وقطعان البشر تسير.. حلت منهم الحياة فكأنهم يبحثون عن مهمة أخرى غيرها..!! لاشيء يحدث.. وبائعة الزلابية لاتفعل شيئا غير المناداة على بضاعتها.. نحن كائنات غامضة تختفي خلف الحواجز، وفي آخر الطريق نكتشف أننا عشنا كذبة كبيرة.. ثمة هاوية سحيقة نهرب إليها بإرادتنا، فمن المغفل الذي قال أن أزهار أرواحنا لاتذبل؟!

في شارع جمال رأيتها مرة أخرى.. على رأسها سلة الزلابية.. ركضت خلفها كنت راغبا في سماع شتيمة خاصة بالبدو.. سبقتها إلى الناحية، وحين اقتربت أغلقت الطريق في وجهها وفجاة.. صُدمت.. وجه آخر!! شققته سنوات باردة.. وفقر زاهر.. بقيت على الناصية أتطلع إلى الشارع.. قطعان البشر لاتتوقف وصوت مبحوح يأتي من بعيد.. زلابية.. زلابية!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى