> القاهرة «الأيام الرياضي» وكالات:
والتغيير هنا نسبيا, فلا يمكن مقارنة الدوري المصري بالانجليزي أو الايطالي أو الاسباني, لكن هناك مباريات جيدة هذا الموسم لم يكن أحد طرفيها الأهلي أو الزمالك أكبر فريقين في مصر ـ هناك مباريات بين بتروجيت وإنبي, وبين إنبي وحرس الحدود, وبين بتروجيت وبلدية المحلة .. مباريات كثيرة غزيرة الاهداف ومليئة بالصراع والندية إلا أن المنافسة الحقيقية مازالت مقصورة ومحدودة وتبدو أنها مسابقة الفريق الواحد الذي يتقدم ويحتل القمة وهو الأهلي!
ولعل ذلك يفسر انفجار الفرحة في الشارع المصري والعربي, وهي فرحة غير مسبوقة ومن الغريب أنها امتدت من الخليج شرقا إلى المحيط غربا, وإلى موريتانيا والسودان, وإلى سوريا ولبنان واليمن.. وإلى كل مدينة تسكنها جالية مصرية أو عربية!
وهذا الاحترام العالمي مبعثه أن الصحف والنقاد ووسائل الاعلام الغربية تدرك وتعرف أسماء دروجبا ومايكل إيسيان وسالمون كالو ومونتاري وكانوتيه , فهم النجوم السوبر, ولكنهم أصيبوا بهزائم موجعة بأداء متميز في التكتيك والروح واللياقة البدنية والمهارات والكرة الجميلة.. ووصل الأمر إلى حد مبالغات لم تبالغها الصحافة المصرية لدرجة أن ترى جريدة «نيويورك تايمز» الامريكية أن الفريق الوطني المصري لكرة القدم الفريق الأقوى بلا منازع في القارة السمراء بعد فوزه بكأس الامم الافريقية..وتقول أن الفريق المصري والجيل الحالي من لاعبيه يمكنهم أن يشكلوا أكبر تهديد للإحتكار الاوروبي ـ الامريكي الجنوبي للأدوار النهائية في بطولات كأس العالم في الدورة المقبلة بجنوب أفريقيا عام2010, وقالت الصحيفة أن كفاءة الفريق المصري طوال مباريات البطولة جعلت احتمال خسارته للمباراة النهائية بمثابة جريمة ضد اللعبة بعد أن وصل الفريق إلى مرحلة من الاكتمال الفني والبدني غير المسبوق في القارة السمراء!
لقد تجاوز المنتخب الوطني مالم يتجاوزه في خمسين عاما مضت, وقفز كل حواجز اليأس والاحباط التي أحاطت به وبالكرة المصرية, وأثبت أن القدرات الكامنة قادرة على تحقيق المستحيل .. ولعل من أهم الأسئلة التي طرحت بعد الفوز بالنجمة السادسة: كيف نستفيد وماذا نستفيد؟!
نستفيد الثقة بالنفس, ونتسلح دائما بالثقة في النفس, ونتعامل مع كل لحظة في كل مباراة بنفس التصميم والجدية والتركيز, ونحلم ليس فقط بالوصول إلى كأس العالم وإنما بأداء مشرف في ساحة أكبر حدث لكرة القدم.. وتلك مسئولية المدير الفني, فهو مطالب بتحفيز اللاعبين, وبتعزيز قيمة النجاح وجمال النجاح, ولعل تلك العدوى تنتقل إلى المسابقات المحلية, وتتحول اللعبة إلى صناعة, ويدرك كل لاعب أنه بالإجادة يدافع عن كيانه شخصيا!
وانتهى بدرس مهم وأهم الدروس, هو انفجار الإنتماء الكامن في الشارع المصري, لم يعد معقولا ولا مقبولا أن يقتصر التعبير عن الإنتماء والحب للوطن في لحظات الانتصار الكبرى, ويكون التعبير بالعلم والأغنية والنار والزغرودة, بمشاركة كل فئات المجتمع.. وقد قلت من قبل, وأكرر, كل شعوب العالم تعبر عن الإنتماء والفرحة بنفس الطريقة, كل الشعوب الثرية والغنية, والقوية, والتي لا تعاني من رغيف العيش, ومن زحام المرور ومن العشوائيات, ومن حوادث الطرق والقطارات, ومن ألف من, لكن الفارق الوحيد بين الإنتماء المصري أنه لحظي, ينفجر بسرعة ويخفت أسرع, باعتبار أن المنتخب يمثل مشروعا قوميا نعرف بدايته ونهايته في مدة زمنية قدرها90 دقيقة أو6 مباريات, ونلمس نتائجه فورا.. فيكون الحماس والتوحد له عاما وشاملا.. وتحليل وتفسير تلك الفرحة على أنها بسبب الانتماء والحب للبلد لايكفي, فلا بد من فهم أعمق لظاهرة كرة القدم, ولماذا تحرك تلك اللعبة وبالونتها المستديرة الشعوب والدول.. فمن الواضح أن الأمر غير مفهوم بدقة؟!أيضا الانتماء حالة مستمرة, يجب ان تصاحب الانسان المصري في عمله وسلوكه, فمن المدهش جدا أن هذا المواطن الذي يبكي حبا وفرحا بانتصار منتخب بلاده من فرط الانتماء, لا يحترم إشارة المرور, ويلقي بورقة صغيرة في الشارع, باعتباره شارع الدولة والحكومة وليس شارعه الشخصي وملكه الخاص .. الانتماء ليس بالأغاني, وليس برفع العلم بعد انتصار, وإنما برفع العلم دوما في لحظات المجد, وفي لحظات التحدي, في أيام البهجة, وفي أيام المحنة.. وهذا فارق خطير بين فرحة الشعب الألماني والفرنسي والياباني والكوري والأمريكي وبين فرحتنا.. ولذلك يبقى السؤال العميق: لماذا هذا الفارق؟!
لماذا لايعبر المصري عن انتمائه إلا في انتصارات كرة القدم .. من يبحث حقا عن مصلحة ومستقبل البلد عليه أن يدرس السؤال وإجابته!!