ضفتان وذهنيتان

> محمد عبدالله الجفري (الموس):

> في أواسط فبراير الحالي شهدت ضفتا البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والشمالية مؤتمرين استثنائيين في باريس الفرنسية والقاهرة المصرية، كان الأول يعنى بكل أهل الأرض وما عليها من حيوان ونبات وكل ما يمكن أن يطلق عليه حياة، فيما كان الثاني يعني بشيء أقل من أي شيء إنسان وثقافة ومعرفة ووسائل عصر.

يمكن أن يعكس كل من الحدثين طريقة تفكير أصحابه ومقدار أفق هذا التفكير، فالأول واسع الأفق بحجم الأرض وسمائها والآخر محشور الأفق بحجم القصر والشارع، وإن زاد عن ذلك فبحجم الضيعة، إذ يعكس الأول مقدار الانطلاق في الضفة الشمالية فيما يعكس الآخر مقدار الانغلاق في الضفة الجنوبية، وبين الضفتين فرق شاسع في الرقي والمدنية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والمواطنة المصانة وضمان في الصحة والتعليم والسكن والغذاء وحرية التعبير بلا محرمات.

الحدث الأول (الباريسي) كان بمناسبة السنة الدولية للبيئة تحت شعار (الأرض تستصرخ أبناءها الحياة) وقد اجتمع فيه علماء الأرض والبيئة والمناخ يتدارسون التغير المناخي وتأثيره في كل صور الحياة على الأرض والسبل الكفيلة بحماية كائنات الأرض بمن فيهم أولئك الذين كانوا في الحدث الآخر (القاهري) «المؤتمر الاستثنائي لوزراء الإعلام العرب» الذين التفوا من أصقاع جائعة وبائسة وفقيرة ومواطن (جمع موطن) للأمية العصرية من حرف الألف إلى استخدام وسائل العصر، التفوا (اجتمعوا) لتدارس السبل الكفيلة لمواجهة سمات العصر ، نعم، يواجهون سمات عصر الفضائيات المفتوحة والمعلومة العابرة للقارات، (ويتحرفنون) في ابتكار صيغ يستغفلون بها الشعوب بالاحتماء خلف الدين والوطن في وثيقة أسموها (مبادئ تنظيم البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية).. الضيعة العربية.. جعلوا فيها القادة أسبق على الرموز الدينية والوطنية حين قالوا «..حظر التشهير بالقادة أو الرموز الدينية أو الوطنية»، وهو ما يكشف الهدف الحقيقي لمؤتمرهم الاستثنائي!!

واقع الحال أن الإعلام الرسمي العربي عجز عن مجاراة العصر وأصبح خارج المنافسة فلجأ أصحابه إلى محاولة منع هذه المنافسة وغني عن القول أن هناك دائماً من يقف ضد الجديد في كل عصر منذ (جاليليو) ومع ذلك فإن هذا الجديد يدهس من يقف في وجهه ولا ندري متى يدرك بنو يعرب أن زمن الأوطان المحاطة بالأسلاك والعساكر قد ولى!؟ وأن سبل الحصول على المعلومة قد أسقطت من أيديهم تماماً.

عود على بدء، فإن الفرق بين مؤتمري باريس والقاهرة كالفرق بين النظرة بحجم الكون والنظرة من خلال ثقب الباب، نظرة ترى كل الكون وأخرى ترى قدر الأنف، نظرة ترى موطئ كل الأقدام ونظرة ترى موطئ قدم صاحبها فقط، نظرة ترى أبعد كثيرا من غدها وأخرى ترى يومها، نظرة ترى مشروع الكون كله وأخرى محشورة في مشاريع صغيرة أقل من أوطان وأصغر من شعوب، بعد كل ذلك هل نملك شرعية السؤال لماذا نحن في قاع التخلف إذا كانت شؤوننا تدار بهكذا عقليات؟!

مهما كانت الصورة سوداوية فإن هناك قبساً من نور في الطريق، وتحفظ قطر ولبنان على مبادئ (الإسكات) هو ذلك النور، شكرا لهما معبرين عن كل عربي ينشد الحرية، فالعظمة ليست في كبر المساحة أو عدد السكان لكنها في القدرة على أن نقول للقرن الواحد والعشرين: نحن هنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى