الملكية الفكرية: حقوق المؤلف في التشريع اليمني

> «الأيام» محمد حسن الشعبي:

> كان هذا العنوان المعلن في صحيفة «الأيام» العدد 5320، هو عنوان المحاضرة التي قدمتها في أمسية الثلاثاء قبل الفائت في مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين/فرع عدن، وقد تناولت في حديثي جوانب الحماية القانونية المنصوص عليها في تشريعات قانونية متعددة منها ما ينتمي إلى المدرسة الأنجلو أمريكية، وهي المدرسة التي تميز النظام القانوني في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا وغيرها من دول الكومنولث، وأخرى تنتمي إلى المدرسة اللاتينية المميزة لدول مثل فرنسا ومصر وكثير من الدول العربية.

ويستقي المشرع اليمني أحكام الغالب من تشريعاته من المدرسة اللاتينية، ومنها قانون الحق الفكري رقم (19) لعام 1994م، وإن جاء هذا القانون بأحكام تشذ عن طبيعة وقواعد المدرسة اللاتينية.

غير أن ما تم نشره من تغطية للفعالية في الصحيفة يوم الأحد الموافق 17/ فبراير/2008م، العدد 5327، لا يعبر عن حقيقة الأفكار والمعلومات التي تمضنتها المحاضرة، وهو الأمر الذي دفعني إلى كتابة هذه السطور توخياً لإزالة اللبس وسوء الفهم الذي يمكن أن ينجم عن قراءة هذه التغطية واستهدافاً لتنوير القراء بحقيقة الحماية القانونية التي تنص عليها تشريعات حق المؤلف ومنها القانون اليمني.

إن أهم ما يمكن التأكيد عليه بشأن الفوارق الجوهرية في طبيعة الحماية القانونية لحقوق المؤلف في النظامين القانونيين الرئيسيين هو خلو التشريعات الأنجلو أمريكية من أهم الامتيازات التي يتضمنها الحق الأدبي للمؤلف بخلاف التشريعات اللاتينية التي ترى في حق المؤلف ازدواجاً يجمع حقين منفصلين هما:

الحق الأدبي والحق المالي:

فالحق الأدبي يمنح المؤلف الامتيازات الآتية:

-1 حقه في نسبة مصنفه إليه، أي حقه في نشر المصنف منسوباً إليه بالاسم الذي يختاره سواء أكان الاسم حقيقياً أم مستعاراً أو نشر المصنف خالياً من أي اسم، وتنص تشريعات حماية حق المؤلف ومنها التشريع اليمني إلى أنه:

يعتبر مؤلفاً الشخص الذي نشر العمل منسوباً إليه..(مادة 8 من قانون الحق الفكري اليمني)، فالمشرع يعتد بقرينة النشر للتثبت من صفة المؤلف، وإن تم تعريف المؤلف في القانون المصري بداية بأنه هو من يبتكر المصنف، وينشر المصنف منسوباً إليه، ثم نص المشرع المصري على أنه يعد في حكم المؤلف الناشر أو المنتج الذي ينشر مصنفاً دون الإشارة إلى مؤلفه.

والقانون المصري وغيره من التشريعات اللاتينية لا تعترف بالشخص الاعتباري مؤلفاً، وإنما وحده الشخص الطبيعي الذي يمتلك العقل والقدرة على الإبداع هو من يصح وصفه بالمؤلف، أما ما عداه من مختلف أشكال الشخص الاعتباري (مؤسسة، شركة، جمعية.. إلخ) فإنه يعد كذلك حكماً وليس حقيقة في أحوال يقررها القانون.

ولذلك يعاب على المشرع اليمني ما نص عليه في م/8 من القانون السالف الذكر باعتبار المؤلف ذلك الشخص الذي نشر العمل منسوباً إليه سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً.

-2 حق المؤلف في تقرير نشر المصنف من عدمه، فالمؤلف هو من يقرر صلاحية مصنفه للنشر أو عدم صلاحيته، ولا يمكن إجباره على نشر مصنف يرى أنه غير جدير بالنشر لاعتبارات يراها هو، كأن يكون المصنف لا يمثل المكانة الإبداعية والفكرية التي يحتلها أو يراها لنفسه.

ويرى أغلب فقهاء قانون حق المؤلف في النظام اللاتيني أن الحق الأدبي حق من حقوق الشخصية الفكرية للمؤلف، ومثل هذه الحقوق لا تكون محلاً للتنفيذ الجبري، ويكون لكل من يتضرر من عدم تقرير المؤلف نشر مصنفه المطالبة بالتعويض فقط، ولا يمتلك المطالبة بإكراه المؤلف على تقرير النشر. وهذا الحق ينص عليه القانون اليمني في الفقر (أ) المادة/12.

-3 حق المؤلف في سحب المصنف من التداول سواء لتعديله أو لإعدامه، متى رأى المؤلف أن المصنف لم يعد يمثل مكانته الفكرية أو قيمه ومعتقداته أو لأسباب خاصة يراها، غير أن التشريعات توجب لمن يتضرر مالياً من هذا السحب، كالناشر أو المنتج الذي تعاقد المؤلف معه على نشر أو إنتاج مصنفه، الحق في استعادة المقابل المالي الذي دفعه للمؤلف والحصول على تعويض إن كان له مقتضى. وهذا الحق لم ينص عليه القانون اليمني.

ويرتب الحق المالي للمؤلف الامتيازات الآتية (بحسب التشريع اليمني):

أ- طبع المصنف بعدد غير محدد من النسخ، وبأي وسيلة كانت كالنسخ اليدوي أو على آلات الطباعة أو التسجيل الصوتي أو الشريط السينمائي أو التلفزيوني.

ب- الأداء العلني للمصنف في الندوات أو العرض في القاعات الموسيقية أو المسرح أو السينما أو معارض اللوحات أو الصور.

ج- طرح المصنف للتداول في الأسواق والمعارض الوطنية والدولية.

د- نقل المصنف إلى لغة أو لغات أخرى.

هـ - إعادة طبع المصنف .

وتم التطرق إلى أن مفهوم «الملكية الفكرية» Intellectual Property ليس محل اتفاق لدى فقهاء القانون، نظراً لأن حق الملكية حق عيني لا يمكن تصوره (على الأقل لدى الغالب من فقهاء القانون في النظام اللاتيني) إلا كسلطة يقررها القانون لشخص على شيء مادي محدد يقبل الحيازة والاستئثار المادي، بينما حق المبدع أياً كانت صفته:مؤلفاً، مخترعاً.. إلخ على نتائج إبداعه الفكري يصعب تكييفه كحق ملكية نظراً للطابع المعنوي للإبداع الفكري.

وهذه الإشكالية ليست لها صدى في النظام القانوني الأمريكي، حيث إن قانون حق المؤلف الأمريكي لعام 1976م ينص على مالك حق المؤلف Owner of the Copyright وليس على مؤلف Author ولا يتضمن امتيازات الحق الأدبي المشار إليها سلفاً.

وهذه منطقة خلاف وجدل مستمرين بين النظامين القانونيين، وواحدة من الإشكاليات الشائكة التي يثور بشأنها الجدل، سواء عند الإعداد للاتفاقيات والنصوص الحاكمة لحقوق المؤلف في المنظمات والمحافل أو في القضايا المرتبطة بالتنازع على حقوق المؤلف بين أطراف لا ينتمون إلى نظام قانوني واحد.

حيث حكمت محكمة النقض الفرنسية لصالح طرف أمريكي في قضية تلوين فلم أبيض وأسود من قبل شركة إنتاج سينمائي آلت إليها حقوق الفيلم المذكور، واعتبرت القيام بتلوين الفيلم اعتداء على الحق الأدبي للمؤلف وهو ما لم ينص ويعاقب عليه القانون الأمريكي .

وتطرقنا إلى عيوب الصياغة الواردة في التشريع اليمني، وعدم النص على جزاءات محددة جراء الاعتداءات الواقعة على حق المؤلف.

وهناك الكثير من القضايا التي أشرنا إليها في حديثنا، ونرى الاكتفاء بما تقدم، ونختم بضرورة التأكيد على إصدار تشريع جديد يجمع في طياته حماية حق المؤلف، المخترع، الأسماء والعلامات التجارية والنماذج الصناعية، المؤشرات الجغرافية، التصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة، المعلومات غير المفصح عنها، وهي موضوعات يقع على المشرع اليمني المسارعة إلى تنظيم حمايتها، لأنها صارت محل إلزام قانوني دولي بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية، حيث نصت اتفاقية الجوانب التجارية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية (تريبس) على حمايتها، هي الملحق (ج) من اتفاقية (الجات) المنشئة لمنظمة التجارة العالمية.

وتجدر الإشارة إلى أن المحاضر هو أستاذ القانون المدني المساعد في كليه الشريعة والقانون جامعة الحديدة وليس في جامعة عدن كما جاء في التغطية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى