المشاريع الثقافية والعوامل السياسية (الأخيرة)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> ملاحظة أخرى أخيرة أشار إليها أحمد المقدي في مقالته سالفة الذكر، سنشير إليها هنا ونعلق عليها، إذ تتمثل في رصد ما حدث ويحدث عادة في البلاد العربية بوجه خاص وفي البلاد النامية بوجه عام من أن بعض العسكر الطموحين الموهوبين شقوا طريقهم إلى السلطة بوسائل شتى مشروعة وغير مشروعة فوصلوا إليها ولكن من غير مشروع ثقافي عام إذا ما استثنينا حالات نادرة، فهذا النوع من الحكام يطبع الحكم بطابعه ويطوّع الثقافة للسياسة، وقل مثل ذلك في التجار من الساسة الطموحين فإنهم يطبعون الحكم بطابعهم والثقافة كذلك، ولكن قلما نجد المثقفين أو أصحاب المشاريع الثقافية يسعون إلى السلطة في سبيل نصرة هذه المشاريع وتطبيقها في الواقع، بيد أن بعض المثقفين أو المفكرين استطاع بطريقته أن يقنع الحاكم في بلده أن يتبنى مشروعه الثقافي الحضاري، لأن هم المثقف ليس الحكم لذاته وإنما هو شيوع مشروعه وترسيخه لما فيه خير الأمة وسعادتها، وقديماً قالوا إصلاح الأمة يكمن في صلاح أمرائها وعلمائها وفي العلاقة الإيجابية بينهما.

إن النظام السياسي العالمي الجديد - مثلاً - هو جزء من المشروع الثقافي العالمي الجديد وهو آليته في نشر فلسفته المدمرة للروح الإنسانية والديانات السماوية والفطرة البشرية، هذه الفلسفة التي أعلنت موت المؤلف (الأبوية) ونهاية التاريخ وتفكيك وهدم كل المرجعيات المختلفة، وهي فلسفة مختلة أحادية الرؤية والهدف أو قل «العوراء» التي تمهد عالمياً لظهور المسيح الدجال الذي من صفاته أنه (أعور)، لقد استعاذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من فتنة المسيح الدجال وحذر الأمة منه ومن فتنته العظيمة التي سيحدثها، وأوصاها أن تستعيذ بالله منه على الدوام وذلك في أحاديث صحيحة لا يرقى إليها الشك .. فالحذر من طغيان فلسفة النظام العالمي الجديد وثقافته وفتنته وخطره هو الحذر نفسه من الوقوع في فتنة المسيح الدجال المرتقبة لأن الأمور بأسبابها وبمقدماتها، فإذا كان الدجال أعور فإن النظام العالمي الجديد أحادي الروية والغاية.

بيد أن الحذر الذي أشرنا إليه قبل قليل لا يعني على كل حال التقوقع والانعزال- على أنهما مستحيلان في هذا العصر - كما لا يعني النكوص عن مواجهة الحياة العصرية بما ينبغي علمياً وثقافياً وحضارياً والتفاعل الإيجابي مع سائر الحضارات والثقافات الإنسانية بما يثري ثقافتنا ويحفظ ويعزز هويتنا وديننا بين الأديان وشخصيتنا بين الأمم بعيداً عن الذوبان والمسخ والتقليد والاتباع والشعور بالدونية الثقافية، والاستسلام لثقافة العولمة المتربصة، ولن يتحقق ذلك إلا بالإيمان والصبر والمصابرة والجهاد الحقيقي بكل ميادينه، والتوسط، والعلم، والعمل، والعلاقة الإيجابية التاريخية بين المشاريع الثقافية والعوامل السياسية.

كلمات وآفاق:

قال رجل لـالإمام علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وهو يخطب: أترانا نصدق أن طلحة والزبير على باطل، وأنك أنت على حق، فرد الإمام عليه قائلاً:يا ابن أخي لقد التبس عليك الأمر، فالحق لا يعرف بالرجال، ولكن أعرف الحق، تعرف رجاله!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى