مدرسة أبناء السلاطين

> «الأيام» م .هيفـــاء مكاوي :

> عدن.. مدينة قديمة, تمتعت بموقع إستراتيجي هام, كان له الفضل في تميزها, وشهرتها دون مدن أخرى في اليمن, فكانت محطة للتجار, والوسيط التجاري للبضائع القادمة من مصر, والهند, والصين, وأفريقيا, كما سكنها تجار من كل حدب وصوب, فكانت ملتقى السند, والهند, والصين, والزنج, والحبشة, وفارس, والبصرة, وجدة, والقلزم, ويعد سوقها من أشهر الأسواق, وكانت فرضة كل اليمن, وخزانة مال ملوكها.

وقد حرصت الدول اليمنية على أن تكون عدن تحت سيطرتها, نظرا للدخل الكبير الذي يجنونه من مينائها نتيجة تحصيل الضرائب الجمركية التي تمثل أكبر المبالغ التي تصل إليهم، خلافا لبقية الموانئ الأخرى.

وفي الوقت الذي كان الموقع مهما بالنسبة لازدهار وشهرة عدن, إلا أنه كان نقمة عليها, فلقد أصبحت عرضة لغزوات الطامعين الراغبين في السيطرة عليها, وعلى الحركة التجارية وما تدره من أموال لمن يسيطر عليها.

كل ذلك أدى إلى ضرورة تحصين المدينة حماية لها, ولتجارتها وللتجار الذين يتاجرون معها, ولجعلها قادرة على الصمود أمام محاولات السيطرة عليها, فأصبحت واحدة من أمنع البلدان.

وتمثل تحصين المدينة في صورتين طبيعية وإنشائية. أما بالنسبة للتحصين الطبيعي فقد أنشئت مدينة عدن على فوهة بركان حيث أحيطت بصورة طبيعية بالجبال الشاهقة الارتفاع بشكل حدوة الحصان, من الجهات الشمالية, والجنوبية, والغربية, أما الجهة الرابعة وهي الجهة الشرقية فقد تم استغلالها كميناء, وقد مثلت هذه الجبال التحصين الطبيعي الذي حل محل الأسوار التي تحيط بالمدن.

أما التحصينات الإنشائية فهي التي قام ببنائها حكام عدن على مر العصور لتحصينها, وحمايتها من أي غزو قد تتعرض له, ومنها الأسوار, والقلاع, والأبراج, والخنادق, والثكنات.

تضم المنشآت العسكرية الدفاعية في مدينة عدن مجموعة من الثكنات، إذ يذكر وليم هارولد أنجرامز أنه توجد في عدن عدد من الثكنات المهجورة, وشبه المهجورة(1) إلا أنه للأسف لم يتبق لنا منها سوى واحدة في جزيرة صيرة، وأخرى في نهاية السور الجنوبي لعدن أعلى مقبرة القطيع، والأخيرة الموجودة في جبل حديد، وهي التي نحن بصدد دراستها.

تقع الثكنة في نهاية السلسلة الجبلية التي تقع بين باب عدن البري (العقبة) وجبل حديد التي عرفت باسم الدروب، وسميت في بعض الخرائط باسم الجوهري(2), بحيث يشرف بالأبراج الموجودة إلى الشرق منه على المنطقة التي تفصل بينه وبين جبل حديد, ويمنع أي تسلل إلى مدينة عدن سواء من الجهة الجنوبية عبر درب حوش العقبة, أو من الجهة الشمالية من خورمكسر إلى العقبة.

ويعتبر المبنى جزءا من الاستحكامات العسكرية الدفاعية البرية للمدينة، إذ إنها تقع في نهاية السلسلة من الأسوار والدروب الممتدة من تحصين باب عدن البري شمالا لتغطي الجوانب المنخفضة من السلسلة الجبلية لتنتهي بالثكنة.

يفصل بين هذه السلسلة الجبلية وجبل حديد مسافة تبلغ حوالى 200 ياردة(3)، وهي منطقة منخفضة كانت المياه تغمرها عند المد لتحول جبل حديد إلى جزيرة, أو شبه جزيرة.

وكانت هذه المنطقة تشتمل على سور وبوابة عرفت باسم باب السلب الذي مازالت بقاياه موجودة على جانب الجبل.

وقد استخدم هذا المبنى منذ بداية الاحتلال البريطاني كواحدة من المنشآت الدفاعية ضد الهجمات التي كان يتعرض لها الجنود البريطانيون من الجانب البري، ومن ثم استخدمت كمقر لقيادة معسكرات البرزخ(4), ثم مطعم لضباط الوحدة الهندية(5), وقد احتجزت فيه الحكومة البريطانية زعيم الثورة المصرية سعد زغلول باشا سنة 1922م أثناء ترحيله من مصر إلى جزيرة سيشل(6)، ليتحول بعد ذلك ويصبح مدرسة يدرس بها أبناء السلاطين.

في أكتوبر 1934م شرع أنجرامز بأعمال الترميم والتجديد ليقوم بتحويل الثكنة إلى مدرسة, تضم فصولا دراسية, وغرف نوم, وقاعة طعام, وقام بجمع تبرعات من السلاطين, وألحق بمبنى المدرسة مسجدا صغيرا, وتم افتتاح الكلية في الأول من أبريل سنة 1935م.

وتخلد لوحة من الرخام أسماء أولئك المتبرعين في بناء مسجد المدرسة، وهم:

1- حكومة جلالة الملك في المملكة المتحدة.

2- السلطان السر عبدالكريم فضل K. C. M.G. - K. C. I. E. سلطان لحج.

3- السلطان عمر بن عوض القعيطي سلطان الشحر والمكلا.

4- السلطان عبدالله بن حسين الفضلي.

5- الأمير نصر بن شايف C. M. G أمير الضالع.

6- السلطان عيدروس بن محسن علي العفيفي سلطان يافع.

7- السلطان صالح بن عبدالله العولقي.

8- السلطان محسن بن فريد العولقي.

9- السلطان عيدروس بن علي عبدالله سلطان أحور.

10- الشريف أحمد محسن شريف بيحان.

11- السلطان علي بن محسن الواحدي سلطان بلحاف.

12- الشيخ فضل عبدالله العقربي.

13- الشيخ أحمد سيف المصعبي.

14- السلطان علي بن منصور الكثيري.

15- السيد أبوبكر بن شيخ الكاف.

والثكنة حاليا عبارة عن مبنى مستطيل الشكل, بنيت جدرانه من الحجر الشمساني, يتكون المبنى من أربعة طوابق, يتوسطه من الداخل سلم خشبي ضخم, ويتخلله مجموعة من الغرف, والقاعات, والممرات، ويقع مدخله في الواجهة الشمالية، وللمبنى شرفات خشبيه جميلة, وتحتوي واجهته الجنوبية على ثلاثة أبراج دائرية, بينما تخلو واجهته الشمالية من الأبراج.

لقد تغير التخطيط العام للثكنة على مر السنين ابتداء بدخول الإنجليز واستغلال أخشابها, ومن ثم تغيير تخطيطها من الداخل لتتلاءم ومتطلباتها كمدرسة, إلى جانب استغلالها كمسكن شخصي في تسعينات القرن الماضي, مما تسبب في سد بعض النوافذ والأبواب بالإسمنت, وإدخال السيراميك, والحمامات الحديثة إلى المبنى, بل أدخلت نوافذ الألمنيوم إليها.

توجد في الجانب الشرقي من الثكنة ملحقاتها من حمامات ومطابخ, ضمن مبنى حجري مستطيل الشكل.

وإلى أقصى الشرق يوجد برجان دائريان حفرا في الصخر, دعمت جدرانهما من الداخل بالآجر الذي مازالت بقاياه عالقة في الحجر, وكذلك البوميس وهي المادة اللاصقة للطوب.

وفي نهاية هذه الدراسة أود أن أوجه دعوة إلى الاهتمام والمحافظة على هذا المعلم الأثري وصيانته وترميمه, وحمايته من العبث, خاصة أن ما يحدث اليوم من تحطيم للجبل بالقرب منه قد يؤدي إلى انهياره, وبالتالي فقدان مدينة عدن واحدا من معالمها الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من مائتي عام.

(1) المعمري، عبدالحفيظ ردمان ـ كلية محمية عدن لأبناء الحكام والسلاطين والمعروفة بمدرسة (جبل حديد), ندوة عدن الماضي ـ الحاضر ـ المستقبل, دار جامعة عدن للطباعة والنشر, ج 2, ص 670.

(2) محيرز ـ العقبة, ص 51.

(3) محيرز ـ العقبة, ص 50.

(4) محيرز ـ العقبة, ص 51.

(5) المعمري ـ المرجع السابق 666.

(6) المرجع نفسه ـ الصفحة نفسها محيرز ـ العقبة, ص 51.

قسم الآثار - كلية الآداب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى