الكرة اليمنية لم تعد تطرب بصوتها المبحوح ..جيل اليوم يعيش في جلباب الليجا ..إحذروا.. الرضاعة من ثدي التعصب

> «الأيام الرياضي» محمد العولقي:

>
من النادر هذه الأيام، وفي عصر يعصر المواطن ويطحنه، أن تجد «عابر سبيل» يناقشك أو يسألك عن أحوال البلاد والعباد كروياً طبعاً وليس سياسياً.

هذا الأسبوع تلقيت أكثر من رسالة «إس. إم. إس» تطالب بعودتي للكتابة عن كرة القدم العالمية على أساس أنني لا أزال الوحيد الذي يبكي على ديار «ليلى» مع أنهم يعلمون أن «ليلى» في العراق مريضة وتخشى النيران الصديقة.

خفيف دم اتصل بي وبعد السلام والكلام قال لي:«سأطلب منك طلباً .. وبشهامة أهل الريف رديت عليه:«طلباتك أوامر».. صَمت كثيراً، حتى أنني شعرت بأنه يصلي صلاة الاستخارة،قال:«كرة القدم اليمنية ماهلهاش ومش موجودة و«مابش» عندنا كرة قدم.. فلماذا لا تكتب عن «ليونيل ميسي» .. ألا تعلم أنه جاب «ذئب» سيلتك الاسكتلندي من ذيله، وأن شرطة «سكوتلند يارد» تبحث عن إبرة الفتى الذهبي في كومة قش؟

بالنسبة لي .. السؤال تكرر على مسامعي مراراً وتكراراً حتى أن خفيف الدم استخدم معظم اللهجات اليمنية في محاولة لإقناعي بأنني أطارد خيط دخان بحثاً عن كرة قدم ليس لها أرض أو وطن أو عنوان .. لم يبق أمامه إلا أن يستبدل حديثه الودي الترغيبي بحديث «ترهيبي» كأن يقول لي مثلاً:طريقك يا «علقوق» مسدود .. مسدود .. ولا أظنك بحاجة إلى «قارئة الفنجان».

عاشق الشبكة العنكبوتية التقط خبراً طريفاً على لسان أحد مشجعي انتر ميلان الإيطالي قال فيه: قدري أنني أعشق حتى النخاع هذا الفريق، مع أنني أعلم أنه يضم مجموعة من «الحمير» .. من طرافة الخبر سألني عاشق الشبكة وهو بالمناسبة «ريالي بحت»:لو كنت مكاني بماذا كنت ستعلق على كلام عاشق الإنتر؟

تنحنحت قليلاً ثم تمالكت نفسي واستجمعت ما تبقى لدي من «دعابة» و«فكاهة» وبعد أن عقلتها وتوكلت قلت مقهقهاً:«قل له ما دام يشجع فريقاً من الحمير.. إن الحمير تعرف بعضها».

صحيح أن سلالة مشجعي «ليفربول» انقرضت ولم يتبق على سطح المياه الجوفية اليمنية «سواي» عاشقاً لفريق لا تعرف متى يفوز، ومتى ينهزم .. رغم أن نهر حماسي تجاه هذا الفريق قد بدأ ينضب.. تارة لأن الإسرائيلي «بن عيون» يرتدي فانلة الفريق، وهو الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته، حتى أنني بالفعل أدرت ظهري للفريق، ولن أعود إلا إذا ألقوا ببن عيون في «الجب» .. وتارة أخرى لأن مدربه الإسباني رافائيل بينيتيز يقدم لنا وجبات محروقة .. وهذا طبيعي، طالما وهو أحد المعجبين بمصارعة الثيران.

صحيح أيضاً أنني أتفاعل مع «بهارات» الليجا، ولا تفوتني وجبات «البوندزليجا» الدسمة، بالإضافة إلى تعاطي مشروبات دوري أبطال أوروبا المنعشة .. لكن هذا لا يعني أن أعيش في «جلباب» متعة العالم، حتى وإن كانت «مدفوعة» من الجيب وأغير جلدي .. البقاء في الواقع، والتفاعل معه يبقيك على «هويتك» ولا يصادر «شخصيتك» .. من هذا المنطلق أحلق دائماً بجناحي «الرصد» في الكرة المحلية، وليس بالجناحين اللذين أوديا بحياة عباس بن فرناس.

المشكلة أن التعصب للريال «المدريدي» طبعاً وليس «الريال» اليمني بلغ حداً لا يطاق تماماً مثلما إن تشجيع برشلونة تحول إلى «هوس» حتى أن طلاب المدارس في الأرياف تحديداً أدمنوا «ثقافة» الليجا، وهم على استعداد للبقاء خارج منازلهم حتى ساعة متأخرة من الليل مادام الحدث يتعلق بالفريقين الملكي والكاتلوني..صراع محبي الفريقين الكبيرين احتدم تماماً، ولا أظن أن مسألة التعصب تصل إلى حد نزاع بين طرفين اضطرا لأن يستعينا ببهارات نسيم حميد في الملاكمة بحثاً عن عاصمة أمست نسياً منسياً في مهب ريح الريال والبرشا.

الانغماس في بحر الليجا من قمة الرأس حتى أخمص القدمين .. مشكلة كل يوم تتعقد أكثر .. على عيني الدوري الإسباني يترك في النفس الأمارة بالسوء أصداء من المتعة، وعلى رأسي الريال قد يرغم (فيفي عبده) على هز الوسط على أنغامه، وعلى رموش العين .. برشلونه يسمع بعزفه الكاتلوني من به صمم .. لكن كل هذه الحقائق لا يجب أن تصيبنا بانفصام في الشخصية .. فهذا رجل «برشاوي» لا يعتدل مزاجه إلا بأهداف تيري هنري .. إذا حضرت فرش الأرض أمام «المدام» ورودا،ً وضاعف من كرمه الحاتمي من قبل وبوس تجاه فلذات الأكباد، وإن عانق هنري أبراج النحس يركبه مليون عفريت .. وتنقلب «حنية» الوجه البشوش إلى «سحنة» وتجهم.. وهذا مشجع «ريالي» يرقص على أنغام «إدلع يا كايدهم» .. إذا حضر «روبينيو» انفرجت أساريره، وملأ الساحة صخباً وضجيجاً وإذا غاب فقد عقله وعاد إلى منزله بدون خفي حنين.

انظروا في «مرايا» الواقع .. دققوا النظر في مشاهد الأطفال «ضحية» الليجا .. إنهم يرضعون من ثدي التعصب دون أن يكون للكبار في الليجا ناقة ولا جمل .. يشربون من كأس الانفعال دون بصيرة .. نسلخهم عن «واقعنا» ونبني لهم قصوراً في رمال «أندلس» ذلك الشاعر الذي تذكر وصل الأندلس عندما همى الغيث في الليلة الظلماء .. نرغمهم على التعصب لواقع مغاير، وعندما سيكبرون سيكون «نيدو» التعصب قد غسل الدماغ.. يالها من فاجعة.

طفل صغير .. يرتدي ملابس برشلونة.. جاءني ذات يوم طالباً كرة قدم حتى يتسنى له اللعب مع زملائه فوجدتها فرصة لأن اختبر «هويته».

فسألته بعد أن أهديته الكرة عن طيب خاطر :

< من تشجع يا حبوب؟

- رد بتلقائية: برشلونة.

< في اليمن من تشجع؟

- ولا واحد.

< أعطني اسماء لاعبين يمنيين تسمع عنهم؟

- أنا أحفظ أسماء نجوم العالم عن ظهر قلب. لكن في اليمن «لا أرى - لا أسمع - لا أتكلم».

حواري الخاطف مع نموذج من جيل غاص في بحر العالمية حتى شحمة الأذن يجسد أمامنا أن الكرة اليمنية لم تعد تطرب بصوتها المبحوح، ولم تعد تنتج نجوماً يستحقون الرصد والمتابعة . وعلينا هنا أن نعترف بأن موسم الهجرة إلى الليجا يمثل طوفاناً لا يمكن النجاة منه بدون قرون استشعار كائن عرف كيف ينجو من طوفان «تسونامي».

قد لا يعي الكثيرون خطورة «إدمان» مشاهدة المباريات العالمية .. وقد لا يلتفت كثيرون إلى أن «التعصب» للأندية العالمية فيه الكثير من «تغييب» لواقعنا الكروي.. وفيه برقية عزاء لولاء ساد ثم باد تماماً هذه الأيام بفعل «عولمة» الكرة والثورة الهائلة من المباريات «الطازجة» التي «تخدر» صغارنا، فلا نستطيع حمايتهم من «إشعاعات»التعصب التي بدأت تغزو كل بيت غني كان أم فقير.

أي نعم دورينا ضعيف ومنتخباتنا قد تصيبنا بالصلع قبل حلول العقد الأول من ألفية الغزو الفضائي، لكن هذا ليس كافياً لأن ننتزع فتيل «الحماس» تجاه كرتنا مهما كانت المبررات .. وأي نعم أيضاً أن دورينا لم يعد ينجب نجوماً على مستوى فني يجبرنا على اقتطاع تذكرة دخول للملاعب .. لكن هذا لا يعني أن نقاطع بضاعتنا، ونتعصب لشراء بضاعة «خواجات» لم تحترم صحفهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لا تزال بعض صحف «الجبن والزبدة» تسيء لرسول الأمة بكاريكاتيرات تبرز حجم العداء لدين سيدنا محمد .. فهل نقاطع دورياتهم ودوريات من يساندونهم أم نتغاضى عن ذلك بحجة أن كرة القدم مجرد تسلية لا تحتاج إلى مقاطعة.

ياأخي إختر ما شئت من المباريات إن كنت مدمناً واستمتع بفنون الكرة حتى مطلع الفجر.. لكن لا تسجن نفسك في عالم «الوهم» لا تدفع بأجيال صاعدة وهايفة إلى «جنة» زائلة و«حياة» سرابية قد تسحب من رصيدهم وتحولهم إلى «مسخ» أو كائن هلامي عقله في الليجا مع «السنجاب» رونالدينيو وقلبه يحتضر تحت وطأة الحب الأعمى لغير أهل الدار. صحيح أيضاً أن دورينا عجز عن استنساخ نجوم كوجدان شاذلي الذي كان نجم شباك التذاكر الأول والخلوق شرف محفوظ الذي غزا القلوب والعقول معاً بما كان يقدمه من متعة لا تقدر بثمن .. لكن لا يمكنك أن تخرج من جلدك كما تفعل الضفادع ..لا يمكنك أن تعري واقعك وتدخل عالما خارجيا من دون أن تكون محصناً من مرض نقص المناعة الكروية.

جيل الأمس أمامه مهمة الاقتراب من جيل اليوم .. يشرح لهم تاريخ كرتنا وجغرافية ملاعبنا .. والدور القادم الذي يفترض أن يشب عليه .. لا أن يسير جيل الماضي في أثر جيل الحاضر .. لا أذكرهم بأن الأثر يدل على المسير والمصير أيضا ً.. وأن البعرة تدل على البعير.. فهل وصلت الرسالة؟ بالمناسبة الأطفال الرضع والشيوخ الركع، وما بينهم شباب في عمر الورود يدفعون أكثر من مائة ريال لمشاهدة مباراة واحدة في الليجا .. يتحملون خلالها زمهرير الشتاء ورياح الطقس المتقلب ، وهم ذاتهم الذين استنكروا مائة ريال لدخول ملاعبنا .. رغم أن مائة الداخل واجب وطني تجاه أندية تبحث عن طوق نجاة .. في حين أن مائة الخارج تذهب إلى جيب صالح كامل الدسم وقراصنة التشفير .. فكيف نهاجم التشفير ونحن من يروج له ونحقق له أعلى الإيرادات؟

أخيراً .. أنا لست ضد «العولمة» وليس لي موقف من «البريمرليج» أو «الليجا» على أساس أنني أتابع بعضا من المباريات لمجرد قياس درجة التطور الكروي من حولي، حتى لا أبدو مثل الأطرش في الزفة، إنما أحذر فقط من مسألة استبدال الولاء المحلي بولاء «هلامي» قد يفسد الود والقضية، ونفرخ أجيالا وراء أجيال تدوس كرتنا، واللي يدوسه الغير عوضه على ربنا.. والسلام مسك الختام!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى