نزا قباني.. بطاقة التناقضات وكبرياء العاشق

> «الأيام» صالح علي بامقيشم:

> في قصيدته الموسومة بـ«الأندلسية» يستلهم نزار قباني نكهة الأيام الخوالي في الأندلس - أسبانيا حالياً - ويفتتحها معرجاً على إحدى أهم مميزات الحياة هناك في هذا العصر وتتمثل في هوس الأسبان بمصارعة الثيران، ويتنبأ بمصيره مسبقاً موجهاً الخطاب لحبيبته مباشرة :

أتخبط على رمال حبك.. كثور أسباني يعرف سلفاً أنه مقتول

كما يعرف أن جسده سيلف بالعلم الوطني

ويحمل على عربة مدفع.. ويدفن في مقابر الشهداء

ثم يصور عواقب مغامرته الجديدة مبيناً العواقب المنتظرة ومستلماً لقدره بل وراغباً فيه فهو يرمي نفسه مستمتعاً بالموت ويصور اقتناعه بما سيؤول إليه الأمر :

الاستشهاد بين يدي امرأة جميلة.. هو ذروة الشهادة

أدخل الملعب وأنا أعرف أني لن أخرج منه إلا مضرجاً

بالكحل والأساور وحرائر الأندلسيات

الشهادة في سبيل الشعر والنساء لا تقلقني..

فهناك دائماً ثمناً لكل شيء.

ثمناً للمرأة التي نحبها.. ثمناً للقصيدة التي نكتبها

ثمناً للعطر الذي نتوضأ به

وضمن كل هذه الفوضوية التي تكتنف مشاعر نزار قباني يكتشف فجأة أنه بمفرده وجهاً لوجه أمام حبيبته خاضعاً أمام عينيها وأنوثتها التي ألبسها صفة قاسية لا ترحم متخيلاً أنها تسدد الطعنات إلى قلبه المرهف:

أنا وحدي تحت سماء عينيك

كسماء البحر الأبيض المتوسط..مواجهاً وجهك الجميل.. وموتي الجميل

وأتلقى طعنات أنوثتك القادمة من الجهات الأربع

ثم يقدم نزار نفسه بما يشبه بطاقة الهوية مجسداً كل التناقضات التي تعبر عن كبرياء العاشق وفي الوقت نفسه الضياع الذي يستنزف مشاعره فهو لا يرضى بوصف واحد بل يصر على أن يكون الشيء ونقيضه معياراً للتعريف مما أضفى قوة في المعنى وجمالاً في التعبير:

أنا نزار قباني. البدوي والحضاري.. اليمني والماركسي

الواقعي والصوفي.. الجنسي والعذري.. الأصولي والانقلابي

العربي واللا عربي!!

توفي نزار قباني في لندن ونقلته طائرة خاصة إلى مسقط رأسه وإلى المدينة التي لم تسعه في أثناء حياته ولف جسده بالعلم الوطني.. وحمل جثمانه على عربة مدفع ودفن في مقابر الشهداء! وبوفاته خسرت الساحة ألمع شعرائها المعاصرين بعد أن توقف قلبه المتعب في عاصمة الضباب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى