رائحة نرجس

> «الأيام» علي الجبولي:

> نشوة الفرحة تكاد أن تطير بها وهي تعدو إلى المنزل لتبشر أمها بإحرازها الترتيب الأول في امتحان الفصل الأول وتفوقها بين جميع زملائها وزميلاتها في الصف الثامن.

مرقت من الباب، شيء غريب صدمها، لم تشم الرائحة التي ألفت عرفها عندما تعود من المدرسة كل يوم، وزاد من حيرتها أن أمها لم تكن أول من تقع عليه عيناها مثل كل يوم ولكن على أخيها الذي لم يكمل شهره الخامس يتملل في فراشه وحوله شقيقاتها الخمس يجلسن بصمت غير مألوف .

رمت بنظرها يمنة ويسرة ، سألت بقلق:

- أين أمي ؟

ردت ثلاث من شقيقاتها بصوت موحد حزين:

ـ بعد ما رحتي المدرسة ضربها أبي وقال لها اخرجي من بيتي ، ممنوع تأخذي ابني، بكت كثير، أخذت ثيابها وراحت بيت جدي .

إعصار من الحزن زلزل كيان نرجس، مع أنها تجهل حجم ما حدث لأمها، اعتقدت أن الأمر مثل كل مرة يضربها ويطردها أسابيع ثم يعيدها للبيت. التقطت أخاها وخرجت ترمي نظرها في كل الاتجاهات تتخيل أمها آتية أو حتى تشم رائحتها. ارتطمت عيناها بوالدها يقرفص أمام بيت زوجته الثالثة، ناداها بصوت آمر:

ـ خلاص من اليوم لا تروحي المدرسة، المدرسة ممنوع، اجلسي ارعي إخوانك، أمك تجاوزت حدودها.

أحست ببركان أسود يختطف نور عينيها ويحطم صدرها بعنف. فرّت إلى داخل المنزل تصارع نواحاً حزيناً شاركتها فيه شقيقاتها. دخلت إحدى جاراتهم وبيدها إناء بداخله طعام جلست حوله شقيقاتها. رفضت أن تأكل رغم توسلات المرأة . تناولت المرأة الرضيع من حضن نرجس، ضمته إلى صدرها، انهمرت دموعها ففشلت في لجم نحيب حاولت كتمه، قالت المرأة:

ـ ما يقع بكن شيء يا بناتي وإن تيتمتن وتعذبتن ستربين، الله ينزل رحمته على اليتيم أكثر.

لسعتها لفظة (اليتيم)، شخصت نحو المرأة وصرخت بفزع:

ـ مالها أمي ! أمنا ماتت؟

ـ هذا نصيبها يا بنتي، أبوكم بلا رحمة نسي جميلها، طلقها، حرمكم من أمكم، حرمه الله من رحمته. الله ما ينساكم يا بناتي. أمكم لا أول ولا آخر من تطلقت.

16 فبراير 2008م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى