الشعراء العرب وتقنية الاتصالات

> «الأيام» عبدالناصر النخعي:

> يعد التواصل والاتصال العصب الرئيس في الحياة الاجتماعية بين الناس، وقد تقدمت وسائل التواصل وطرقه في هذا العصر بشكل لم يكن يحلم به كثير من السابقين الذين عاشوا قبل مجيء الثورة العلمية وتقنية الاتصالات.

وأصبح بمقدور المرء أن يقعد أمام شاشة الحاسوب ليحادث صاحبه، وحبيبه وقريبه بكل يسر وسهولة.

لقد أحدث العلم قفزة نوعية في مجال الاتصالات وأصبحت التطورات الهائلة في وسائل الاتصالات تشكل محوراً أساساً لحياتنا المعاصرة، ونحن -العرب- قد تطلعنا قديماً إلى مثل هذه الوسائل الحديثة التي تقرب البعيد، وتجعل المرء قادراً على مناجاة صاحبه، ومصداق ذلك نجده في تراثنا الشعري الذي تركه لنا أجدادنا الأوائل، إذ نجد تعبيرات جميلة ولمحات لطيفة عن أهمية الاتصال ووسائله، ونجد كذلك تصريحات واضحة عن معاناة الأحبة التي تنشأ عند صعوبة التواصل أو استحالته، وهذه الإشارات تكشف عن أبعاد الموضوع النفسية والعاطفية.

وقد كانت الإبل والخيول من أفضل وسائل التواصل فها هو شاعر العرب وحكيمها المتنبي يحدثنا عن الإبل وأهميتها واصفاً إياها بعصب الحياة حين خرج هارباً من مصر:

ولكنهنّ حبال الحياة

وكيدُ العداوة وسيط الأذى

وإذا كان الشاعر قد أشار إلى الأهمية القصوى التي تمثلها هذه الوسيلة التواصلية فإننا لا نعدم التصوير الجميل الذي أضفاه الشاعر على هذه الوسيلة إذ جعلها سببا للحياة والنجاة معاً.. إنه يقول لنا بلسان حال لغة عصرنا إن التواصل والحياة مقترنان معاً إذا فقد أحدهما ضاع الآخر.

وإذا تعطلت وسيلة الاتصال المادي (الجسدي) عند العربي فإنه لا يعدم البحث عن أية وسيلة أخرى تمكنه من لقائه بالأحبة.

أسرب القطا هل من يعير جناحه؟

لعلي إلى من قد هويت أطير

وهذا أحد شعراء العرب يستعين بالرياح والهواء لنقل أشواقه وأحاسيسه إلى من يتمنى وصله:

ألا ليت الرياح مسخرات

بحاجتنا تباكر أو تئوب

فتخبرنا الشمال إذا أتتنا

وتخبر أهلنا عن الجنوب

وها قد سخرت الرياح بمختلف تصاريفها وهبوبها في خدمة الإنسان، وما ننعم به اليوم من تقدم عجيب في وسائل الاتصال، هو ما تمناه سابقاً الشاعر هدبة بن خشرم صاحب البيتين السابقين.

والتواصل عبر الأثير الذي نستخدمه اليوم، تعود براءة اختراعه إلى هؤلاء الشعراء العرب الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة وأجملها في سعة الفكر الإنساني وغزارته، إذ استطاع فيما بعد أن يسخّر الرياح في خدمته لتحمل أشواقه وأحلامه، وها هو أبو العتاهية يقول في الزمن الغابر:

حجبوها عن الرياح لأني

قلت يا ريح بلغيها السلاما

وهذا ابن أبي ربيعة يتلمس وسيلة اتصال يبلّغ بها أشواقه وهيامه من أحب:

أقلب طرفي في السماء لعله

يوافق طرفي طرفها حين تنظر؟

وبعد ما تمناه العرب من ابتكار وسائل الاتصال، كانت في الزمن الأول نوعاً من المستحيل وبعد تحقق هذه الوسائل، هل تقلل هذه الوسائل الحديثة من الأشواق وتخفف من اللوعة، وتطفئ نار الجوى؟ أم أنها تعمل على زيادة إشعالها، ومن ثم تهدي إلى التطلع لابتكار وسائل أفضل وأكمل من هذه الوسائل التي نستخدمها اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى