> «الأيام» عبدالقادر باراس:

عمارة (البس) واحدة من أوائل المباني التي أقيمت على طول الشارع الرئيسي
وفي حلقتنا اليوم نفسح حيزا للحديث عن تلك المدينة من حيث التطور واتساع عمرانها لتصبح عامرة، منها الشارع الرئيسي بعد أن ردم مساحة من البحر بغرض توسعته ليشيد على إثره بنايات على طوال الشارع.
الشارع الرئيسي (الشهيد مدرم)
لأهمية مدينة المعلا كونها مطلة على رصيف لرسو السفن، شرعت بريطانيا في الأربعينيات ترسم خططها بغرض توسعتها وتعميرها لتلبية مصالحها، فأقدمت على ردم المساحة الواقعة على خط الشريط الساحلي المقابل للرصيف، لإفساح المجال للبناء فيها، وبعد ردمها شيد عليها طريق عُرف قديما بـ (السّرك الحربي أو الرصدة)، وتعني الطريق الحربي، حيث كانت تمر عليها قوافل آليات الجيش البريطاني القادمة من خورمكسر والتواهي، ثم تغير الشارع إثر توسعته، ليدخل حيز البناء، ففي بداية الخمسينيات من القرن الماضي صُرح للتجار بالبناء عليها، وقاموا بنصب البنايات وتأجيرها للضباط والجنود الإنجليز العاملين في القاعدة العسكرية في عدن.
الشارع الرئيسي (main road) طوله قرابة (كيلومترين)، ويفوق عدد بناياته الـ (100)، ويعتبر أحد المعالم العصرية ببناياته المكونة من عدة أدوار (لاتقل عن ثلاثة ولاتزيد عن سبعة أدوار)، وشيد بشكل هندسي متراص شبيه بأبنية المدن والعواصم الأوروبية، وصُمِمَ بدقة وتناسق عمراني، ونُفِذ بإشراف مهندسين بريطانيين.
الشارع الرئيسي يتكون من مسارين، كل مسار يتكون من حارتين (هاتين)، ويفصل بين المسارين جزيرة نصبت عليها أعمدة الإنارة، ويتفرع من الشارع الرئيسي أربعة شوارع فرعية ناحية الاتجاه الأيمن، تقود إلى جهة الميناء، وفي الاتجاه الأيسر فرع واحد.

منظر جوي للشارع الرئيسي بالمعلا
تعتبر بنايات الواجهة اليسرى أول بنايات شيدت، وكانت في السابق عبارة عن حارات متراصة هي: (بندر جديد، البرندة، الصومال، بازرعة)، وتعتبر عمارة بازرعة الواقعة بدار السلام أول ما بني من طابقين، لكنها توقفت لفترة، بينما عمارة (البس) واحدة من أوائل المباني التي استكمل بناؤها.
ويوجد على جزء من رصيفها الأيمن في بداية جهته الشرقية (ضريح الولي) الإمام السيد محمد بن علوي الشاطري العلوي المدفون فيها في سنة (897 هـ)، أي في العام1491، وقد جرت المحاولة لإزالته أثناء عملية تشييد الشارع، وأعيد النظر بذلك نظرا لاحتجاج الأهالي، وهناك واقعة يرويها الأهالي بخصوص إزالة هذا الضريح، وهي عطب آليتين (شيولين مجنزرتين)، حيث رفض في البداية أحد سائقي الشيول القيام بإزالة الضريح، وإزاء ذلك قام المشرف البريطاني بقيادة الشيول إلا أن سلاسل المجنزرة أعطبت، وعند محاولته قيادة شيول آخر أعطب هو الآخر، وبهذا علم المشرف البريطاني قيمة الضريح، بعدها عُدل المخطط بتغيير مساره حتى يبقى الضريح.
ويقع في الجهة المقابلة من الشارع مسجد (يحيى سري) المعروف حاليا بمسجد (الغفار) الذي بنته الجالية الهندية قبل أكثر من تسعين عاما، أي في مطلع القرن العشرين.

الشارع الرئيسي في الستينيات
بعد الاستقلال عُرف هذا الشارع باسم شارع (الشهيد مدرم) تخليدا للشهيد عبدالنبي مدرم، وقد طرأت عليه تغييرات تمثلت بتوقف المصاعد الكهربائية (اللفت) التي كانت تعد أحد المعالم العصرية، وجزءا من تصميمها، وتحويل الجاراجات (الجيريشات) في أسفل البنايات إلى مساكن في أواخر السبعينيات، وعمل أحواض زراعية على الجزيرة ما بين المسارين، ووضعت سياج حديدية في جوانب الطريق (الفوت بات) حماية للناس وللأطفال في بداية الثمانينيات، ورممت مبانيه في منتصف الثمانينيات، وبعد عام 1990 استغلت المساحات الخلفية لبناء البنايات، واستغلال بعض أسطحها بغرض البناء عليها، وشهدت كبقية شوارع مدينة عدن عدة حفريات متناثرة لحساب مشاريع خدماتية كالهاتف والكهرباء والمياه والصرف الصحي، وأُعيدت سفلتة الشارع في منتصف التسعينيات، واستبدال أعمدة الإنارة أكثر من مرة، إضافة إلى طلاء مبانيه في 2004، وتم نصب يافطات إعلانية في وسط الشارع.

مقر شرطة المعلا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي
إلى جانب ذلك هناك تقرير فني صادر عن مهندسين مختصين في أواخر يناير 2006، خلص إلى: «أن حجم التصدعات التي لحقت ببعض العمارات كبير، وتجاوزت حدود الإصلاح وجدوى القيام بأعمال الترميمات لها»، ونبه التقرير الجهات المسئولة والمعنية لتوخي الحذر في حل هذه المسألة، ووضع الحلول المناسبة، وأرجع سبب التدهور إلى عدم القيام بصيانة هذه العمارات بشكل دوري للمحافظة عليها وإعطائها عمرا أطول، وعدم معالجة الانسدادات في غرف التفتيش لشبكة المجاري في حينها، حيث لوحظ أن الأرضية الخارجية خاصة في الجهات الخلفية مشبعة بالمياه تماما بسبب تسرب مياه التغذية والمجاري في جميع هذه العمارات.
بقي علينا أن نقول إن هذا الشارع لايتميز بشكله المستطيل الجميل، وعماراته المتناسقة على جانبيه التي أكسبته فخامة لاتخطئها العين، ما جعله أشبه بالبازار الكبير فحسب، فهو بالإضافة إلى كل ذلك شكل واجهة وعنوانا للكثير من الوقائع التاريخية التي تستحق التأمل، فقد مر على هذا الشارع العديد من زعماء وقادة الدول، والمسيرات الحاشدة، وكان جسرا عبرته الدبابات في المراحل السياسية والعسكرية التي شهدها الوطن، في مراحل الصراع السابقة.

ضريح السيد محمد بن علوي الشاطري وسط الشارع الرئيسي
منطقة صغيرة عند نهاية الشارع الرئيسي في اتجاه الغرب قريبة من حجيف، أخذت اسمها من الكبس، أي ردم البحر، وبنيت فيها منازل لأفراد الشرطة.
ويوجد فيها مقر للشرطة منذ أواخر الخمسينيات إلى يومنا هذا (مقر الشرطة - البوليس) وبالهندية (الشوكي)، إلى جانب الشرطة يوجد مبنى الدفاع المدني (المطافي).
وكان يوجد بقرب مقر الشرطة مقر (إدارة الهجرة والجوازات لمستعمرة عدن)، وتم إحراقه عقب الاستقلال، وشيد على أرضيته بعد منتصف الثمانينيات مقر الحزب الاشتراكي اليمني.
يذكر أن مقر الشرطة انتقل من مركزه السابق في وسط الشارع الرئيسي قبل تشييده تحديدا في الأربعينيات، وكانت واقعة على أرضية عمارة (كولومبو) القريبة من المستوصف الصحي القديم الذي يطلق عليه (الأسبطان) الذي انتقل بعد ذلك إلى خلف الرئيسي المتجه إلى بوابة الميناء قبل إعادة بنائه في الستينيات، يجاوره بريد المعلا.
يذكر أيضا أن مقر شرطة المعلا الأقدم كان مجاورا لبريد قطار عدن (حاليا فندق تاج كينيا بلازا).