جنوب اليمن .. وعاصفة الغضب الشعبي

> د.عبيد البري:

> ما جاء في بيان المؤتمر الشعبي العام في الأول من أبريل الجاري كان غير مستطاب لأحد، ولا يليق أن يصدر عن حزب حاكم يدعي صيانته للوحدة الوطنية وحرصه على تأمين الاستقرار للناس أجمعين، وخاصة إشارته إلى المجاميع التي خرجت إلى الشارع في الضالع ولحج بأن ذلك (محاولة يائسة لاستدعاء الأحقاد والسلوك الباطني وبعث البغضاء وإحياء تلك الأحداث المأساوية المريرة التي شهدها شعبنا في 13يناير 1986م وفي صيف 1994م».

وبما أن حزب المؤتمر يعرف تماماً بأن جروح يناير 86م قد التأمت بكرم التسامح والتصالح، وإدراك الشعب للحقيقة ومن كان وراء تلك الأحداث وأسباب وأهداف حرب صيف 1994م، فإنه كان الأجدر به أن يعترف بأن ما يحدث من إضرابات واحتجاجات واعتصامات ومظاهرات وقطع طرق هو وضع يحتاج إلى معالجة حقيقية واعتراف بأسبابه وليس لإثارة مشاعر التفرقة بدلاً عن الوحدة، ولتفهُّم مطالب الشعب بدلاً عن إثارة أحقاده .

وللأسف فقد ترافق صدور هذا البيان بما تضمنه من تهديد ووعيد ودعوة للتمزق - من خلال تلك الإشارة التي تعمَّد فيها نكأ جروح الصراعات السابقة - بحملة شرسة لهدم مخيم الشهيد صالح أبوبكر اليافعي شهيد التصالح والتسامح، الذي شارك الجماهير الغفيرة من كل المحافظات الجنوبية والشرقية في مهرجان التصالح والتسامح والتضامن الذي عبرت فيه عن ترفعها على كل الصراعات السابقة بما فيها ما أراد التذكير بها مراراً حزب المؤتمر، الذي يعمل بالمقولة : (قتل القتيل فمشى بجنازته).. وتزامن ذلك البيان مع اعتقال رموز التصالح والتسامح الشرفاء بصورة تعسفية في المحافظات الجنوبية تجعل الشعب أكثر إثارة على السلطة .

وبالإضافة إلى ذلك، فقد فرط حزب المؤتمر بالوحدة اليمنية برفضه أبناء الجنوب من الالتحاق بوظائف الدولة القائمة وجيشها - وهذا ما دعا المتظاهرين في الضالع والحبيلين للخروج إلى الشارع وقطع الطرق - الذين طالبوا بالالتحاق بهذه الدولة وليس في جيش انفصال، بالرغم من الأخطاء التي رافقت احتجاجهم بالقيام ببعض الأعمال التخريبية الطائشة لعدم وجود قيادة لهم .. وقبل ذلك طالب المتقاعدون قسراً بالعودة إلى العمل في جيش الجمهورية اليمنية وليس في (جيش علي سالم البيض) .. ويطالب الشباب العاطلون عن العمل من خلال جمعياتهم بالحصول على لقمة العيش الكريم في وظيفة عامة، وليس للحصول على أراضٍ سكنية وزراعية في عدن ولحج وأبين وحضرموت !.. ويعرف المؤتمر الشعبي عن الأعداد الهائلة من الشباب الذين نشأوا ثم هاجروا في عهد الجمهورية اليمنية لغياب فرص العمل يتجاوز عددهم أضعاف من تبقى من إخوانهم في جنوب اليمن .

فهل يعتقد المؤتمر الشعبي العام الحاكم أنه بإنكاره لعاصفة الغضب الشعبي المتصاعد في جنوب اليمن التي أصبح أصحابها يسمونها (انتفاضة الجنوب) وبتسخير كل الوسائط الإعلامية لذلك واستخدام القوة ضد تظاهرات شعبية منتشرة بقوة وفي خلال عام في كل مديريات محافظات الجنوب، يستطيع أن يحافظ على دولة موحدة مع الشعب الذي يعبر عن رفضه للأوضاع القائمة وما سيترتب عليها مستقبلاً بعد أن يئس من الوعود في التنمية والديمقراطية والأمن لمدة تقارب 18عاماً ؟!

وإذا كان المؤتمر الشعبي يعتقد أن الرهان على معارضة مدفوعة الأجر أو موظفين في الدولة تخلوا عن حاجات وأوضاع ومغاناة أهلهم الذين ضحوا بهم لأجل ماصالحهم الذاتية التي باعوا من أجلها أنفسهم، هو ضمان لبقاء وحدة شعبين توحدا دون استفتاء ودون علم بما جرى في يوم توقيع اتفاقية الوحدة التي كان قد تراجع عنها الطرفان في صيف 1994م عندما أعلن الطرف الأول تراجعه عنها بالانفصال، ثم أعلن بعده الطرف الثاني ضرورة الإحلال والاحتلال، فلن يكون ذلك إلا ضرباً من الوهم والتوهم ! إن العودة إلى وحدة عادلة بين أبناء الشعب اليمني مرهونة بالاعتراف بأخطاء المتنفذين على الجنوب وبالتراجع عن سياسة الإقصاء وإعادة ما تم نهبه من ثروات الجنوب العامة و الخاصة.

إن كثيراً من الشعب في الجنوب مايزال يأمل بالحكمة اليمانية المعروف عنها، تشبه المبادرة اليمنية لوحدة الصف الفلسطيني أمام العدو الإسرائيلي التي أشارت في بندها الأول لعودة الأوضاع في السلطة الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل الخلاف بين حركتي حماس وفتح، لأن الشعب اليمني بحاجة إلى العودة إلى توحيد الصف في مواجهة العدو المشترك المتمثل بالفساد الذي تغذيه رموز قبلية في الدولة والحزب الحاكم تقود البلد إلى هاوية التمزق والتخلف، استبدلت برامج التنمية ببرامج نهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة وترسيخ النزعات العنصرية والقبلية والأثرة والتسلط.. ومايزال الشعب اليمني يحتاج أيضاً إلى الحكمة اليمانية في التعامل مع التظاهرات السلمية دون استخدام نيران الطائرات الحربية والدبابات التي فضلت الحكمة اليمانية عدم استخدامها من قبل في مواجهة احتلال دولة إريتريا لجزيرة حنيش الكبرى، لأن التظاهرات والاحتجاجات تمثل دافعاً لعجلة التغيير والتطور وتصحيح الأخطاء على مدى تاريخ البشرية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى