ريكارد .. لماذا خرقتَ السفينة الكتالونية؟

> «الأيام الرياضي» وليد عبدالله العبادي:

> تسافر أحلام عشاق النادي الكتالوني في بحرها الشديد الاضطراب فالعاتيات تُقصيها والعاليات تُدنيها.. فأناس لا زالوا يأملون وينشدون وآخرون متشائمون .. وقبل موسمين إثنين فقط كانت الغلالة الكتالونية حبلى بالألقاب إذ أن برشلونة الذي اقتلع بطولة الدوري الأسباني من فم الغريم المدريدي عاد ليخطف بطولة أندية أوروبا البطلة الغائبة عن خزائن النادي منذ العام 90 فكان بذلك يصدر للعشاق بديع الأُمنيات وظن المخالف والمجانف أن النادي لا بد أن يلامس مجداً أكبر.

ماذا فعل ريكارد؟

في الموسم الماضي لم يكن الأنصار قد فارقوا زهو لحظات التتويج البديعة حتى وجدوا أنفسهم يهتفون في ظل كثير من الخذلان لأن النادي سقط في البطولات جميعاً وجميعها كورقة خريف مهترئة .. وبغض النظر عن سبب هذا الانحدار – غير المبرر- أكان ريكارد أم اللاعبين فإن المهم بالنسبة لعشاق النادي أن تجد لحظات السقوط فارساً شهماً ومدربا عبقرياً يعيد للمجموعة هيبتها.

إلى ما قبل بداية الموسم الحالي كانت لحظات الانكسار تحمل في طياتها منفذا لتغييرات انتظرها الجمهور .. كان شغف المحبين يتجه بكل جوارحه نحو زاوية تغيير مدرب، أو ربما بعض اللاعبين – غير الفعالين- ولكن التغيير جاء في زاوية أخرى وناحية غير متوقعة طالت الانقلاب على منهجية التفكير وليس على من أساءوا التدبير..! لأن الانقلاب طال نمطية وعقلية أداء جلبت مع التاريخ ولعل الاستفهامات القاسية تدور بمخيلة كل مشجع برشلوني وتصدح بأحقيتها بالقول: ما الذي فعله ريكارد في سبيل التغيير في الموسم الحالي؟

طبعاً دخل المدرب الغمار (غمار البطولات) برصيد من النجوم واللاعبين يندر أن يحققه نادٍ آخر، ولست بحاجة لذكر الأسماء .. المهم أن كل المؤشرات كانت تتجه نحو فريق كتالوني يعيد للأذهان برشلونة أيام زمان .. أيام الزمن الجميل أداء .. نتيجة فتتويج .. ولكن ما حدث ويحدث ضد هذا كله، والأسباب كثيرة وكبيرة ومنها أن نقول : أن في الاعتدال بجلب الأسماء وإحضار اللاعبين المؤثرين الذين تقتضيهم الحاجة ويُسد بهم فراغ أو خلل ففي ذلك كله تماسك وتمرس للقوة والامكانات والانسجام أما التدريبات المكشوفة واللهث وراء تكوين مجموعة لاعبين يذوبون هياماً وخجلاً بتسمية (فريق الأحلام) ففيه سرحان لهذه القوة وخيالات منفصلة للاعبين مآلها الوحيد هو التوهان..وإلا لماذا أصبح تألق ميسي كابوساً يغزو رأس زميله رونالدينيو ويسقطه في بحر من الأداء الباهت؟ وكيف أصبح قدوم (هنري) - غير المبرر- الفاتك بنجومية إيتو والسبب في الحد من بريقه.. أما النتيجة أن اللاعبين الإثنين لم يقدما بعض ما ينتظره العشاق..!

أعرف أن كلمات من هذا النوع ستبدو عارية وصلدة ومتحفية عند الكثيرين من عشاق هذا اللاعب أو ذاك ، وإلى كل أولئك أقول: أخبروني مثلاً ما الذي أضافه قدوم هنري لبرشلونه؟.. أجزم أن الإجابة ستكون من محبي اللاعب نفسه بتفضيلهم عودته للآرسنال ومواصلة خارقات اللا معقول هناك،عن إلباسه ثوبا من الأداء الذي لا يليق به من قبل قائد الجوقة (فرانك ريكارد) الذي افتقد الزخم الهجومي الذي كان يؤمنه له إيتو في المواسم الماضية فأحضر هنري وأقحم الإثنين في ديناميكية أداء وتمركز غير مجد فظهر اللاعبان فاقدين للحلول وهما من أتحفانا روعة ومتعة وأهدافاً؟

فيما يخص ساحر النادي الكتالوني (رونالدينيو) فلم يقو على الصمود بغير ثوب (فريق اللاعب الواحد) وهو الثوب الذي لطالما أرتداه في النادي وأصاب من خلاله تألقاً ملفتاً وزخماً كبيراً.. أما الإجابة على سؤال يقول بطبيعة الحال .. لماذا أصبح (روني) باهتاً هكذا؟ فأظنها إجابة تجر معها تساؤلاً آخرا ، وهو لماذا لا يبدع روني عندما يبدع (ميسي) بالذات؟! ولأن السؤال لا يرد بالسؤال فسأحيل الإجابة على استفهامات من هذا الطراز إلى عقلية وتفكير اللاعب الذي أسقطته في بحر عالم آخر لا علاقة له قطعاً بالوجه المشرق الآخر.

بعد كل هذا الركام ومع الدخول بهذه الظروف الحرجة كانت البدائل بالنسبة لريكارد الاستعانة بالصغيرين (جوفاني وبويان) ولكن إجراء كهذا لم يكن يقود للمجد وإن قدم هذان الصغيران ما يعتبر مقبولاً قياساً بإمكاناتهما وسنهما أما الجوهرة الأرجنتينية المغرية (ليونيل ميسي) فكان عليه أحياناً أن يتحمل ذلك العبء وهو ما لم يقو على احتماله ، وتوشح هو الآخر بخذلان من نوعية أخرى .. نوعية كان مجبراً عليها وهي الإصابة اللعينة التي جعلته يبدو كمن يدخل امتحاناً فيسحب منه قلم وورقة الإجابة ويقال له عليك أن تجيب.

وبعد عرض ما تيسر من غث خط المقدمة وسمينه .. لا يضني المتتبع أن يعرف أن خط منتصف البرسا أصبح فاقداً للحلول من الناحية الدفاعية عندما يتقهقر (أنيستا) أما هجومياً فلم يكن ديكو بقدر لائق ومقبول فيما يكتفي أكزافي بتطبيق مهام هجومية وإهمال للدور الدفاعي.

أما الدفاع فبلغ النشاز فيه مبلغاً كبيراً.. ففي حين رأى الكثير الإيجابية بجلب المدافع الرائع (ميليتو) إلا أنني أرى أن في هذا التعاقد ما يلغي دور لاعب آخر ويرسله إلى الشق الساكن من الذاكرة وهو المدافع الآخر (بويول).. من دون أن يفوتنا عرض مشكلة النادي الكبيرة (مؤخراً) مع مركز الظهير الأيمن والتي لا يمكن أن يتقبلها محب للنادي الكتالوني وهي تعنت ريكارد الواضح فأحياناً هو لا يقتنع فيغُيب زامبروتا لعدم القناعة به وأحياناً أخرى تغيبه الإصابات فيوضع بويول بهذا المركز..لا أدري كم هم أولئك الذين أثنوا على منطق كهذا.

نقلاب ريكارد.!

وبرغم بعض ما ذُكر أو برغمه كله فأرى أن النشاز الكتالوني كان بسبب هؤلاء من جهة وبسبب تغيير منهجية أداء منحت النادي الكثير خاصة في آخر ثلاثين عاماً وخصوصاً بعد غزو الكرة الشاملة ووضعها لقواعد مسيرة الفريق.

انقلاب ريكارد وقدومه بدا في أول الأمر كتغيير صحي ولازم على اعتباره أحد اللاعبين الهولنديين الذين عزفوا على أنغام الكرة الهولندية الشاملة.! وكنا ننتظر من ريكارد التغيير الذي لا يمس إلا الظروف الوقتية والآنية للأشياء.. لكن تغيير ريكارد جاء باستبدال ديناميكية أداء يحسد عليها النادي.. بمعنى أن المدرب جاء لينقلب على أداء النادي ككل وليس على طريقة أداء لاعب أو أكثر وبالتالي ظهر النادي في بادئ الأمر متوجاً بالنياشين والنجومية ومبتعداً عن الأصل والأساس والمنبت.. وهنا هلل من هلل وفي الطرف الآخر احتضن الفم إشارات المعارضين بقولهم ما الذي تفعله يا ريكارد؟

ربما يجب أن نستذكر أن سبب النجاح الأولي كان نتاجاً لواقعية المدرب التي منحها للنادي في أول موسمين له عندما استقبل الجميع وبعد طول انتظار تتويجات الطرب الجوفاء التي ظللت الكثيرين بالإتيان بمنطق النادي الجديد والمتمثل بالواقعية – غير المتخاذلة - والأداء المتزن بين الجمالية وبين التمسك بمستلزمات الفوز الدفاعية .. نجح النادي في أول الأمر وتقبلت الجماهير الكيفية لأنها ظلت تراوح بين الأداء المقنع والانجاز القريب .. حتى أتت رياح التغيير في الموسمين التاليين لتلقي بظلالها العاتية على ثوابت نشأ عليها النادي وهي الجماعية المطعمة بنجومية تقتضيها المصلحة وعدم تزاحم المدرب على خيارات في مراكز معينة وإهمال الإتيان بلاعبين فعالين ومؤثرين لأنهم لا يلبون الطابع الاستعراضي ونظرية ( show ) التي فتكت بالفريق المدريدي في حقب بائدة.. لا أدري لماذا لا يفهم ريكارد أن قلة الخيارات أو كفايتها تمنح لذة أكبر ودافعية أكثر لدى اللاعبين، فيما تولد كثرة النجومية وتعدد الخيارات المتاحة حيرة يكون المدرب مجبرا عليها فتكون معولا للهدم وكبش الفداء أمام أي من الجزارين المهرة.

ختاماً .. قد أكون طرقت أبواباً لم يقم عشاق النادي بإقفال أي منها بعد .. وقد وصلت إلى تساؤل أنشد من خلاله الانتهاء وهو هل يجب أن يبقى ريكارد في النادي؟

أظن الإجابة على سؤال من هذا النوع يعدُ محلا لحلة تذهب بالألباب إلى مصاف عديد التساؤل والجواب .. لذلك ولكل ما قد قيل فإني سأرجئ الإجابة عنه إلى كتابة ومناسبة قادمة .. مناسبة لا يكون فيها ريكارد مدرباً فإن انتظاره أصبح كانتظار حلول الحلول لمن لم تبلغ أمواله النصاب أصلاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى