«الأيام» تستطلع أوضاع أهالي الفرع في إب:مديرية فرع العدين.. أسيرة الحاضر الحزين وعُزل تتناثر على صدر الجبال لتحكي قساوة الصراع المرير مع الحياة (4 - 4)

> «الأيام» محمد مرشد عقابي:

>
منطقة وادي السد -عزلة الوزيرة
منطقة وادي السد -عزلة الوزيرة
عزلة الوزيرة إحدى فروع الأصل لمديرية الفرع، تمتلك هذه العزلة جمالا طبيعيا آسرا، فهي سحبت بساط الروعة من تحت الكثير من المناطق، فأراضي هذه العزلة تحفل بروائع رسم الإبداع الرباني، تدرجات مطرزة بالاخضرار، وجبال تكسو جسدها بيارق أشجار نادرة. عزلة تتوزع مناطقها على شكل لوحات فنية على سفوح وصدور جبال شاهقة، تحاكي زرقة السماء ليمتزج فيها جمال المكان بروعة المنظر، ومنازل تعيش حرارة قبلات اللقاء اليومي مع غمائم الضباب الذي ينسنس ويهفو بين لحظة وأخرى زائرا عابرا عليها. تتفكك المفردات وتتعطل لغة العبارات والوصف عند الحديث عن مفاتن عزلة الوزيرة لتأخذنا في لحظات هاربة مشاهد حية من مسلسلات مآسي أهاليها إلى منحنى آخر.

إليكم عزائي القراء الأكارم حكايتها التفصيلية المؤلمة:

منطقة وادي أسد طواها إهمال أرباب الزمن الرديء

بينما «الأيام» تعبر سفوح تلك الجبال في طريقها لمعاينة أوضاع الوادي (أسد) وبين لحظات أخذنا فيها التأمل في ذلك الجمال الطبيعي المتدلي بين أحضان جبال ترتدي حلة الاخضرار، الضباب حينها يداعب بلطف نسمات الهواء العليل، ويعيش عناقا حارا ومن نوع خاص مع جبال ازدانت بثوب الزمهرير الأخضر، كانت السماء حينها ترسل قبلات الوداع لتلك الرواسي على شكل زخات مطر خفيفة لتغسل ظهر تلك الجبال الشاهقة، وتروي عطشها في مشهد فائق الجمال يذوب له الشاعر عشقا.. حينذاك كان الضباب يمسح برفق من على الجبال غبار يوم من عمر المعمورة، كانت مؤشرات عقارب الساعة توحي برحيل ذلك اليوم، كان الوقت يأخذنا بسرعة ليعلن لنا ذهاب يوم من عمرنا، فقرص الشمس حينها قد شارف على المغادرة، وبدأ بالأزوف رويدا رويدا كان يتوارى من مكانه بانسياب باتجاه الجانب الغربي حيث مسكنه، قرص الشمس يطلق مؤشرات الرحيل في طريقه للغروب كان ينحني نحو الأسفل ليعطي إشارات طي صفحة يوم من عمر الزمن، لحظتها طلب مرافقي الشيخ مطيع من قائد السيارة الإسراع بالسير للحاق باليوم مع ضرورة التحكم بمقود المركبة فاندفعنا بسرعة في سباق مع الزمن على أمل اللحاق بالجزء الأخير من نهار ذلك اليوم، وقبل أن يسدل الظلام بستاره ويودع قرص الشمس نهاره كان لنا ما أردنا، فقد توغلنا إلى مشارف منطقتي وادي أسد والظهرة المتجاورتين، كان هناك في انتظارنا الشخصية الاجتماعية محمد عبده قائد، فطلبت منه أن يروي لنا معاناة المنطقة فحاول إقناعي بأخذ قسط من الراحة واسترجاع الأنفاس تقديرا منه لطول وشدة متاعب ووعثاء السفر، فما كان مني إلا أن أصررت على رأيي فقبل بعد شد وجذب حصل لاقتيادي إلى منزله للضيافة والتقاط الأنفاس، وتحدث إلينا والغصة تحتل مساحة واسعة من حلقه، وقلبه يعتصره الحزن على واقع مأساة منطقته، فأعطى بضع كلمات مبهمة من وزن: «أين بصمات الثورة ومنجزات الوحدة؟ وأين منا المشاريع الورقية التي يتحدث عنها المسؤولون؟ فمديرية الفرع بشكل عام تعيش في ظلال الإهمال، وتغطيها بطانية المشاريع الوهمية، وقد أحيل كل أبنائها إلى الفصل القسري والإجباري من الخدمات في وقت توارت فيه المشاريع الحقيقية كسوفا وخجلا من المشاريع الورقية كثيرة التعداد وصعبة العد والحصر». واستدرك قائلاً: «حقيقة نحن نعيش على هذه البلاد بدون هوية وطنية، والدليل على ذلك الغياب التام للمشاريع الحيوية عنوة، فالفقر والمرض والجهل قد استوطن علينا، ولا يوجد منفذ للهرب من هذا الواقع السيء، فيما المواطن منا تسحقه الحياة بقساوة ظروفها التي هي على المواطن أشد مضاضة من كل شيء آخر». وتابع حديثه بالقول: «منطقتنا وباختصار تفتقر لأبسط مقاييس الخدمات الحيوية والتنموية، فالجميع هنا يعيش صراعا طويلا ومستمرا مع المكابدة والنسيان، وغالبية المواطنين في منطقتنا يعانون الفقر، ويعتمدون في تسيير ضروريات حياتهم بدرجة كاملة على الحيوانات ورعي الأغنام والزراعة، وذلك في سبيل ضمان لقمة العيش لأسرهم وأطفالهم».

وقال: «المعاناة وضيق الحال لهما جذور تاريخية، فهما يمثلان الوجه الآخر لكل مواطن عندنا، ولغة المأساة تظهر على ملامح الكبير والصغير في المنطقة، والمسؤولون في سبات عميق عنا، ونائمون دوما ولا يفيقون ولا يولونا أي قيمة، ولم يعمل لنا أهل المناصب والرتب أي مشروع يذكر، فنحن بالفعل ضائعون وتائهون وعديمو الوجود، ونحن على تراب أرض آبائنا وأجدادنا» وواصل قائلا: «السلطة المحلية بالمديرية لم تحرك روؤسها ضمائرهم تجاه ما نعانيه ويعانيه الجميع في المديرية، ورغم كل ما لنا من مواجع ومتاعب وأحزان إلا أن هؤلاء لا يعيرون مآسينا أي اهتمام، وكأن لا يعنيهم من الأمر شيء». واختتم حديثه قائلا: «أناشد من على منبر «الأيام» كل الجهات الرسمية والمسؤولة بالمحافظة بضرورة النزول لتفقد وضعنا المزري ومعاينة همومنا ومطالبنا، والتعرف على مآسينا عن قرب، وأوجه شكري الخالص لـ«الأيام» على نزولها لمديريتنا المهجورة والمعزولة والمهضومة من جميع أساسيات الحياة».

بني أحمد الثلث
بني أحمد الثلث
لقطات من وحي الاستطلاع لم تسقط من الذاكرة:

مديرية فرع العدين أهدتنا متعة النظر، وصدرت لنا الروعة بكل لوحاتها ورسمها الإبداعي الجميل.. مديرية تتيح لزائرها قراءة خطوط سحرها الطبيعي الأخاذ بمجرد نظرة تأمل واحدة. .مديرية من أكثر مديريات العدين جاذبية للألباب، لأنها تستند إلى مفاتن جمالية ولمسات سحرية نادرة.. إنها حقا موطن للمتعة الطبيعية إلا أنها رغم كل تلك الجماليات التي تتفرد بها لاتزال أسيرة الحاضر الحزين، فهي تعاني الفقر في تموينات المشاريع الخدمية كالطرقات والماء والكهرباء، وأهاليها في مكابدة يومية مستمرة مع تقلبات طقوس الحياة، خطوط تصاعدية لمعدلات ومؤشرات المعاناة تنذر بقادم أسوأ لا محالة.. مديرية الفرع بكامل عزلها تعاني انفصاما في الخدمات وعدم وجود هوية واضحة تبرز حقيقة وجودها على رقعة الخارطة الوطنية.. آهات المناشدة المطلقة من أفواه أهالي المديرية- كانوا عجزة أم أطفالا- الموحية بحجم المأساة تذوب جميعها في فناجين المسؤولين.. ملفات مشاريع المديرية مليئة بالطلاسم المستعصية التي تحتاج إلى عمليات قيصرية لفهم رموزها ومعانيها، فالمشاريع الورقية لا تعد ولا تحصى.. وحقيقة الواقع المعيش لا تجد إلا مديرية قد كفنها الأهالي وحملت على نعش المآسي وحطت في لحد النسيان.. ويا لها من مفارقات يشيب لها ريش الغراب.. والمشاهد الملموسة واقعيا تقول بأن مديرية فرع العدين كالسلحفاة التي تعاني حمولة ثقيلة تتنوع بين الحرمان والمآسي والمقاساة تفوق قدرتها ووزنها الطبيعي الأصلي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى