عمالة الأطفال والمصير المجهول!!

> «الأيام» بشرى العامري:

> قبل بضعة أيام تسببت حافلة (باص صغير) وبسبب السرعة الجنونية في دهس الطفل علوي فضل (14 عاماً) في منطقة الحبيلين.

وقع الحادث عندما كانت الحافلة وعلى متنها باعة القات تسير بسرعة في الخط العام، ولم يكن الطفل علوي يلعب مثل بقية أقرانه، ولكنه كان أحد باعة الصحف والمجلات في الشارع العام لهذه المدينة.

وأشارت مصادر إلى أن هذا الحادث هو الرابع لباعة الصحف المتجولين في مدينة الحبيلين خلال عام ونصف العام.

وهناك أطفال كثيرون آخرون يعملون على الخطوط الطويلة بين المحافظات والمدن والأرياف يبيعون الخضروات والفواكه والقات وكل ما قد تتخيله، وهم في أعمار متفاوتة ما بين سن الخامسة والخامسة عشرة معرضون لأخطار عديدة منها التعرض للشمس والمشي لمسافات طويلة وهم يحملون بالبضائع التي في أغلب الأحيان تكون ثقيلة، ناهيك عن مخاطر الطريق والسرعة الجنونية للسيارات والحافلات والكلاب المتشردة والضالة..إلى تعرضهم للاعتداءات الجسدية والتحرش الجنسي من قبل عصابات ومتقطعي الطرق.

قد لا تكون هذه هي الصورة الوحيدة لعمالة الأطفال ذكوراً وإناثاً واستغلالهم لجني المال ودر الأرباح، فهناك طرق كثيرة وأكثر بشاعة وإجراماً لا يتسع هذا التحقيق لذكرها ومناقشتها، وقد حددت لائحة الأعمال المحظورة على الأطفال العاملين من هم أقل من 18 سنة بقرار وزاري رقم (56) لسنة 2004م أكثر من 58 عملاً استناداً إلى اتفاقيتي العمل الدولية رقم (182) لعام 1999م بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال ورقم (138) لعام 1973م بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، الصادرتين من منظمة العمل الدولية.

إحصائيات ومؤشرات

تقدر الإحصائيات المحلية وجود أكثر من ستمائة ألف طفل منخرطين في سوق العمل دون سن الخامسة عشرة، وأن هذه الظاهرة تنمو بصورة كبيرة وبمتوسط سنوي بلغ (%3) من إجمالي عدد الأطفال دون سن الثانية عشرةً، وهناك طرح أن معظم عمالة الأطفال قادمة في الغالب من الريف، وتقول كثير من الإحصائيات إن %70 من عمالة الأطفال الموجودة في المدن أصلها من الريف أو قادمة من الريف.

وهناك تقديرات أخرى تؤكد وجود أكثر من سبعمائة طفل يمارسون العمل في الفئة العمرية(12-6) سنة في اليمن. ولاتزال الدراسات والبحوث العلمية والميدانية لكل جوانب الظاهرة شحيحة ومحدودة.

أسباب تفشي الظاهرة

يشير الأستاذ يحيى السياني من الإدارة العامة للشؤون القانونية بوزارة الشؤون الاجتماعية و العمل إلى أن ظاهرة عمالة الأطفال تعود إلى أسباب اقتصادية تتمثل في ارتفاع معدلات الفقر، حيث أوضحت الدراسات أن الفقر هو السبب الرئيس في انخراط الأطفال في سوق العمل لكسب المال اللازم لزيادة الأسرة. وقال: «الفقر يجعل من عمل الأطفال سلعة رخيصة الثمن مما يغري أصحاب العمل لاستقطابهم، الأمر الذي يسبب ارتفاع نسبة البطالة بين الراشدين» موضحاً أن الفقر من أهم الأسباب التي تجعل الطفل يترك التعليم ويتجه إلى سوق العمل المبكر، مضيفاً إلى ذلك عجز الأهل عن الإنفاق على أولادهم.

أما الأسباب الاجتماعية، فقد لخصها في انخفاض الوعي الثقافي للأسر الذي يؤدي إلى عدم إدراك الأضرار الناجمة عن عمالة الأطفال جسدياً وذهنياً ونفسياً وعلمياً، وعدم معرفتهم بفائدة تعليم أبنائهم، وبالتالي دفع أبنائهم للعمل من أجل مساعدة الأسرة، بالإضافة إلى رغبة الطفل في الاعتماد على النفس والإنفاق على الذات وملء الفراغ بعد ترك المدرسة أو بعد انتهاء اليوم المدرسي ورغبته في مساعدة الأسرة.

وقال: «يعتبر سوء الأوضاع التعليمية من أهم أسباب ظاهرة عمالة الأطفال، فقد أثبت العديد من الدراسات أن هناك علاقة وثيقة بين تخلف المناهج التعليمية وتوجه الطفل للعمل» مؤكداً على أن قلة المدارس والتعليم الإلزامي ساهم في تفشي ظاهرة عمالة الأطفال، وبعد المدارس والتسرب من التعليم. كما أشار إلى وجود إشكاليات واضحة في الجانب التشريعي والقانوني تتمثل في ضعف المسؤولية الجنائية سواء على أصحاب العمل أو أولياء الأمور، الذين يقومون بتشغيل أطفالهم وعدم متابعة ومراقبة تنفيذ الالتزامات التي فرضها القانون على أصحاب العمل.

برلمان الأطفال

برلمان الأطفال ناقش هذه القضية مع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل د. أمة الرزاق حمد، وطرح توصية بإقرار معاقبة أولياء الأمور الذين يدفعون بأبنائهم لسوق العمل، وكذا أرباب العمل وتفعيل القوانين والتشريعات. وطالب بإلزامية ومجانية التعليم المنصوص عليها في القانون والدستور، لأنها تحد من عمالة الأطفال .

وأشار الأستاذ جمال الشامي إلى أن هناك حالات كثيرة ومتعددة لعمالة الأطفال، وفي تقرير أعدته المدرسة الديمقراطية، وضح أن أكثر الأطفال العاملين موجودون في الأسواق الرسمية، وأضاف:«هناك أطفال يعملون في مجال النظافة التي يجيز القانون العمل فيها لمن هم في سن الرابعة عشرة وما فوق، ولكن هناك أطفال أقل من ذلك يعملون وعندما أخذنا صورا لهم طلبوا منا عدم نشرها حتى لا يطردوا من عملهم الذي يعيلهم وأسرهم أو يخلق لهم مشاكل عديدة».

وأوضح أن هناك أطفالا يعملون في النظافة عوضاً عن آبائهم أو أقربائهم، وتطرق قائلاً:«اليوم هناك عضو في برلمان الأطفال هو طفل عامل يمثل فئة الأطفال العاملين يطرح مشاكلهم وقضاياهم ويناقش مع الجميع طرق حلها والحد منها».

وبين تقرير خاص بلجنة الرصد في برلمان الأطفال وجود فتيان وفتيات عاملين في الأسواق بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم، وفيها خطورة على حياتهم وتعرضهم للانتهاكات اللفظية والجسدية أو الاستغلال الجنسي والخطف والمشي في طريق خاطئ يؤثر على سلوكهم، وخرجت لجنة رصد أوضاع الأطفال بعد نزولها الميداني بعدد من التوصيات المرفوعة للجهات المختصة منها:

العمل على مساعدة الأطفال العاملين في الشوارع من خلال توفير الضمان الاجتماعي المناسب وإيجاد آلية ملزمة لأولياء أمور الأطفال ولإلحاقهم بالتعليم الأساسي، وحماية الأطفال العاملين من الانتهاكات في الشوارع خاصة من قبل رجال البلدية.

مخرجات الظاهرة

أشارت الأستاذة صفية الصايدي مديرة مركز إعادة تأهيل الأطفال العاملين إلى أن عمالة الأطفال تضع الأطفال في بيئات يمكن أن يتعرضوا فيها إلى ممارسات دنيئة في المجتمعات الحضرية، وهذا بدوره يجعلهم معرضين للانخراط في أنشطة غير قانونية، مثل استخدام المخدرات والتجار بها والدعارة والجريمة المنظمة بكافة أشكالها.

وقد كشفت دراسة حديثة لوزارة الداخلية أن جرائم السرقة المرتكبة من قبل الأحداث الجانحين الموجودين في السجون قد احتلت المرتبة الأولى بنسبة %29، وأكد تقرير أمني أن الأطفال الجانحين في اليمن أكثر ميلاً لسرقة المنازل والمحلات التجارية من ارتكاب الجرائم الأخرى، مشيراً إلى أن جرائم السرقة التي ضبطتها السلطات وثبت تورط أطفال في ارتكابها مثلث 146 جريمة سرقة من بين 980 قضية مختلفة رصدت العام 2006م ضد أطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ 18 سنة ويعدد التقرير الجرائم التي كثيراً ما يرتكبها الأطفال بين جرائم نشل بـ 27 حالة و15سرقة سيارات و27 حالة نشل و9 قضايا إتلاف ملكية شخصية وتتوزع بقية النسبة في أنواع أخرى من الجرائم.

توصيات وحلول

يرى الأستاذ يحيى السياني، للحد من هذه الظاهرة، ضرورة الاستعانة بمجموعة من التدابير ومنها:

- تطبيق القوانين واللوائح والأنظمة التي تنظم تشغيل الأطفال.

- القضاء الفوري على عمل الأطفال في ظروف خطرة أو استغلالهم.

- فرض التعليم الأساسي الإلزامي والمجاني.

- تشجيع وتسهيل تسجيل الأطفال في المدارس لتفادي اضطراره للجوء إلى أشكال من العمل.

- وضع السياسات لمحاربة الفقر وتنفيذها.

- الإشراف المستمر ومتابعة أوضاع الأطفال العاملين الصحية والعملية.

- توسيع الحماية الاجتماعية.

- تشجيع البرامج المتعلقة بمحاربة عمل الأطفال.

- استيقاظ الوعي وتعبئة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والمشتغلين من الأطفال ومفتشي العمل ووسائل الإعلام والآباء بأهمية محاربة عمل الأطفال.

- دعم البرامج الوطنية لمكافحة عمل الأطفال.

- إشراك الأطفال العاملين في إعداد وتنفيذ ومتابعة جميع أنشطة محاربة تشغيل الأطفال.

- دعم الأسرة الفقيرة التي تم انتشال أطفالها من سوق العمل ببدائل مساعدة لتعويض دخل الأسرة.

خاتمة

يقول الأستاذ عوض سعيد الحنشي، مدير إدارة الصحة المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل:«إن قوانين عمل الأطفال تحمي عمالنا الصغار المعرضين لحوادث العمل والأمراض المهنية، ولكن القوانين ليست الوسيلة الوحيدة لتوفير بيئة آمنة وصحية لهؤلاء العمال إنما هي الخطوة الأولى نحو وضع معيار اجتماعي لحمايتهم، وبغض النظر عن أن بعض أشكال عمل الأطفال قد تكون نافعة لهم، لناحية مشاركتهم في إعادة توزيع الثروة ومن خلال جنيهم للأرباح، فإن بيت الطفل هو بيت أهله الدافئ، ومكان عمله هو المدرسة، وحقل عمله هو ملعب الحي.

ويؤكد الكثير من الأبحاث على وجود علاقة وطيدة بين وضع الطفل في المجتمع والتنمية، وهناك مقولة تقول: «أعطني طفلاً صحيحاً معافى أعطِك مجتمعاً قوياً» .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى