عدن البحر والمدينة

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد

>
سفينة الاصطياد (مستكشف الخليج) التابعة لحكومة عدن خلال عملية الاصطياد في الصباح الباكر
سفينة الاصطياد (مستكشف الخليج) التابعة لحكومة عدن خلال عملية الاصطياد في الصباح الباكر
الصلة بين عدن المدينة والبحر لاتقف حدودها عند الموقع الجغرافي، بل هي مراحل من التاريخ والحضارة والنهوض الإنساني الذي يجعل لكل شيء قيمة مادية ومعنوية في حياة الناس.

وما نقدمه هنا من معلومات عن عدن المدينة وبحرها، يوضح العمق الأبعد في هذا الارتباط الذي يمتد على مسافة طويلة من الزمن ظلت فيها عدن مدينة البحر والناس وصلة العالم المتصل، حتى عندما امتد عمرانها إلى مناطقها المنعزلة لتتحول إلى مدن و مناطق عامرة بالحياة، وهذه لحظات من ذلك الزمان الذي مازال يشهد على مكانة عدن وأهميتها.

صناعة صيد الأسماك في عدن والمحميات

في العدد 6 من مجلة «عدن» الصادرة عن شركة (BP) مصافي البريقة بشهر يونيو عام 1963، كتب الخبير البريطاني المستر في.تي.هايندس قائلا: «إن المساحة المخصصة لإدارة مصايد الأسماك في عدن تتضمن جزيرة كمران وميون وخط ساحلي طوله 720 ميلا، حيث يعمل فيه حوالي 60.000 صياد.. وهناك 600 قارب كبير للصيد، أو ما تعرف محليا باسم (صنابيق)، و 1500 قارب صغير، وفي موسم مناسب للصيد، فإن المنطقة السمكية كلها تستطيع أن تنتج ما يقارب من 50.000 طن من السمك.. وهذه الكمية تتضمن بين 18.000 و25.000 طن من سمك الساردين من المنطقة الشرقية، وتتركز أعمال إدارة مصايد الأسماك على سمك الساردين والتونة، والأسماك المعروفة محليا بأسماء سمك الديرك واللخم والباغة والكشر والخلخل والعنتق وأم الشروخ والسلاحف.وقد أسست إدارة مصايد الأسماك في عام 1948، وامتدت أعمالها إلى المحمية في عام 1956، عندما أسس منصب مساعد ضابط الأسماك في محمية عدن الشرقية.

وفي عام 1959 امتدت أعمال الإدارة إلى محمية عدن الغربية، ونتيجة لذلك فقد شرعت الإدارة في ميكنة القوارب المحلية، وأدخلت النايلون في الشباك والمحاصي، الأمر الذي أدى إلى ازدياد كمية السمك، كما تحسنت أحوال الصيادين المحليين.

إن مراكب الصيد التي تسيرها الإدارة قد عملت أبحاثا مختلفة في البحر واستكشافات شتى لجمع المعلومات عن صيد الأسماك في هذه المنطقة، وإيجاد طرق عديدة لتحسين هذه الصناعة والثروة التي تعطيها الأمم المتحضرة أهميتها.

وقد أدمجت ضمن هذا البرنامج الهام لتطوير هذه الصناعة شباك الأسماك الدانماركية الكبيرة جدا، وسفن صيد السمك بالشباك، وهذه الشباك تجرها هذه السفن، كما أن هناك طرقا عديدة للصيد، منها الصيد بالصنارة والصيد بالشباك المتنوعة والشباك المعقدة التي توضع في قعر البحر، والخيوط الطويلة التي توضع في قعر البحر لصيد سمك اللخم، وفي الأيام الأخيرة أجريت عمليات صيد سمك التونة بواسطة الشباك الكبيرة جدا والخيوط الطويلة اليابانية الصابية التي تستعمل لصيد سمك التونة، والتركيز في الوقت الحاضر هو على هاتين الطريقتين، وهما طريقتان يعتقد أنهما سوف تكونان الطريقتين التجاريتين المطابقتين للأحوال المحلية.

وقد أجريت العمليات الاستكشافية وتمت الأبحاث السمكية المختلفة في جزيرة كمران، والآن تنمى صناعة ممتازة لصيد سمك اللخم، بإدخال نظام استعمال النايلون للشباك التي تصطاد صيد اللخم، وكذا تحسين الطرقات لإنتاج اللخم المجفف وزعانف هذا النوع من السمك، لتصديره إلى شرق أفريقيا والشرق الأقصى، ويستعمل لصيد أم الشروخ المعروف باللوبستر قارب يسير بالآلة يحمل على ظهره عدة أقفاص لحفظ هذا النوع من الحيوان المائي، وقد أجري العمل من على ظهر الباخرة (الجلف إكسبلورر)، وهي باخرة صيد السمك التابعة لإدارة مصايد الأسماك، وتستعمل هذه الباخرة شباكا مصنوعة من النايلون الفرنسي لصيد سمك أم الشروخ، وكانت النتائج باهرة وعظيمة وتدعو إلى المزيد من التقدم والازدهار، وكمتابعة لهذا العمل فقد نمت إدارة التعاون والتسويق تجارة أم الشروخ المجمد لتصديره إلى عدن عن طريق الجو.

وكانت المساعدة التي قدمتها هيئة الأمم المتحدة في صور عديدة كتقديم المكافأة في مصايد الأسماك والخبراء في بناء قوارب الصيد واضحة، فقد ساعدت كثيرا على تنمية هذه الصناعة في هذه البلاد، وزار عدن أيضا خبير ياباني في شؤون قوارب الصيد، وقدم توصيات عديدة لتحسين القوارب المحلية التي تسيرها الآلة لجعلها مناسبة لصيد الأسماك بواسطة الشباك الكبيرة جدا التي تستعمل عادة في الدانمارك وعن طريق الخيوط الطويلة الصابية لاصطياد سمك التونة، وهي الطريقة المستعملة في اليابان، ويزور عدن أيضا خبير ياباني آخر متخصص في اصطياد سمك التونة بواسطة الخيوط الطويلة الصابية، وهو يجري الآن تجاربه وأبحاثه بمساعدة إدارة مصايد الأسماك هناك وموظفيها ومراكب وقوارب صيدها.

وكانت النتائج في هذه العمليات الاستكشافية مشجعة للغاية، ومن الواضح الآن أن سمك التونة ذي الزعانف الصفراء موجودة بالقرب من بحر عدن، ومن الممكن اصطياده في معظم أيام السنة، وفي محمية عدن الشرقية يستطيع فصل الساردين أن يجلب ما بين 18.000 طن و 25.000 طن من المواد (الطازة) المناسبة لإطعام الأسماك الأخرى وإنتاج الزيت، وبعث معهد منتجات الخطوط الاستوائية في لندن بتقرير يحتوي على تحليل دقيق مقيد لعينات من طعام السمك الموجود في المكلا، بل وأكثر من ذلك فقد أرسل المعهد بضابط متخصص في تحسين هذه الصناعة ونوع الأسماك الموجودة في المنطقة، ليجري تجاربا خاصة لغرض تصديرها إلى أسواق شرق أفريقيا وسيلان.

وهذه الطرق ستجري أبحاثها في الأسماك من الدرجة الثانية طالما أن هناك رغبة ملحة في تصدير السمك المثلج الذي هو من النوع الأول إلى أوروبا، وقد جاءت هذه الرغبة نتيجة إرسال أنواع عديدة من هذه الأسماك المثلجة.

والموظفون العرب في إدارة مصايد الأسماك يتلقون تدريبهم في الإدارة نفسها وبواسطة دورات تدريبية في الخارج، والغرض من هذه الدورات التدريبية تعريفهم بهذه الصناعة وتكتيكاتها وأعمالها الفنية الأخرى، ولجعلهم قادرين لإدارة هذه الإدارة في المستقبل، وأجريت زيارات عديدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والنرويج ومالطة والسويس، وفي هذه الزيارات يدرب الأفراد المعنيون بالأمر في الأعمال الفنية المختصة بمصايد الأسماك وإدارة قواربها وتثليج الأسماك وبناء القوارب الخاصة بالصيد وميكنة هذه القوارب، ويدربون أيضا على أمور أخرى عامة تختص بهذه الصناعة العظيمة، أما تصدير السلاحف فقد ابتدأ في أواخر عام 1961، ولكن نتيجة لغمر الأسواق الأوروبية بمنتجات أستراليا، فإن الصادرات من عدن قد خفَّت، ولكن هذا لايعني أن الإدارة قد تقاعست، بل هي الآن في صدد بناء هذه التجارة من جديد.

وجاء خبير من بومباي في الهند فأجرى تجارب عديدة في ما يخص مزرعة الأسماك، في أحد أحواض الملح المهجورة في عدن، ولكن هذا الخبير الهندي قرر بعد دراساته وملاحظاته العديدة أنه نظرا للأحوال المناخية في عدن فإنه من الصعب جدا إقامة مزرعة للأسماك هنا، ولكن هناك إمكانيات لتنمية صناعة الأصداف في مناطق ساحلية خاصة.

وهناك مشاريع تطويرية عديدة للمستقبل في ما يخص إمكانيات صيد أسماك التونة وتأسيس تجارة فيها، وكذا إقامة معمل لتعبئة الأسماك في علب، ولكن هذه الصناعة تحتاج إلى العلم الوفير، لاسيما عن التغييرات الفصلية التي تعتمد على درجات الحرارة في المحيطات، وكذا تحركات التيارات فيها، ومن المؤمل على كل حال أن مراكب الصيد الضخمة من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التي تعمل حاليا في البعثة الاستكشافية الدولية في المحيط الهندي وخليج عدن هي التي ستأتينا بما جد في هذه الاستكشافات البحرية، وربما تعطينا الأجوبة الشافية لأسئلتنا العديدة عن مستقبل مصايد الأسماك في العالم، وفي هذه الحالة ستكون قد أروت ظمأنا من البحث المستمر عن الإمكانيات اللازمة لتوسيع هذه الصناعة.

إن هذه البعثة الاستكشافية تبحث عن الشؤون البيولوجية والتضاريس الموجودة في الأعماق والأحياء المائية والأسماك بأنواعها، وعن أية معلومات يمكن الحصول عليها في هذا المحيط الفسيح، وستبحث هذه البعثة المشاكل الأساسية الأولية التي تؤثر على الثروة الغذائية السمكية في العالم.

أما في ما يخص الخيوط الطويلة المستعملة لاصطياد سمك التونة، فقد استطاعت باخرة إدارة مصايد الأسماك الجلف إكسبلورر أن تصطاد عددا كبيرا منها، وهذا في حد ذاته دليل ملموس وبرهان محسوس على أنه من الممكن توسيع هذه الصناعة بل وجعلها رياضة محبوبة في عدن.

والأسماك الآتية هي ذات أهمية:

سمك فرس (سورد فش) - 270 رطلا

سمك تونة ذات زعانف صفراء أو ثمد - 157 رطلا.

سمك فرس (مارلن) مخطط - 131 رطلا.

سمك فرس (سيل فش) -120 رطلا.

سمك جرم - 72 رطلا.

سمك صابات - 60 رطلا.

سمك ديرك - 58 رطلا.

وبزيادة الاهتمام بتشجيع السياح بزيارة عدن، فإن صناعة الأسماك هي أحد العوامل لاجتذاب السياح إليها، فهناك مثلا فكرة لإقامة معرض للأحياء المائية تعرض فيه الأسماك العديدة الملونة التي يمكن الحصول عليها من بحار عدن، وكذا أسماك اللخم والسفن والسلاحف وحتى عرائس البحر».

ميناء عدن

في عام 1820 أسست في عدن أول محطة لوقود الفحم في ميناء صيرة، وبعد أن نقل الميناء من صيرة إلى منطقة التواهي حتى أوليات القرن الماضي كانت ترى أكوام كبيرة وعديدة من الفحم الحجري مكدسة على أرصفة الميناء تنتظر من يأتي ويأخذها على ظهر البواخر، وكان الحمالون يحملون الفحم في عز الحر ليأخذوه إلى البواخر بينما يتساقط ويتنافر تراب الفحم على سطح الباخرة، وكان ذلك الأمر يزعج الركاب والمسافرين على متن هذه البواخر.

إن عمليات تموين السفن بالفحم كانت تجري وهم يصعدون السلم ليأخذوا كبائنهم، وتأخذ يومين إلى ثلاثة أيام حتى تتم، وهذا المنظر لم يكن في عدن وحدها بل في كل موانئ العالم، حتى في بداية الحرب العالمية الأولى عندما كان ما يقرب من 97% من مجموع بواخر حمولتها 45.000.000 طن تتمون بالفحم لتسير عبر البحار.

ولكن بعد ذلك تغير الوضع بشكل تام، حيث أصبح حتى عام 1962 أكثر من 100 مليون طن من مجموعة 120 مليون طن من البواخر في العالم تتمون بزيت الوقود، وفي عام 1919 افتتحت شركة البترول البريطانية مستودعا لتموين السفن بزيت الوقود في ميناء عدن، وقد اشتد الطلب وتضاعف عدة مرات، وكانت الشركة تبيع سنويا أكثر من مليوني طن من زيت الوقود لآلاف السفن التي تقف في ميناء عدن لتتزود بالوقود.

بين الأعوام 1951 و 1958 تزايدت عدد السفن التي تستعمل ميناء عدن إلى أكثر من 35%، وقد تصاعد العدد بعد فترة قصيرة من الوقت، فقد كانت خدمات الميناء في تلك الحقبة ممتازة ولائقة، والتأجيلات في مجال الأعمال نادرا ما تحدث، ولكن كان يحدث أحيانا أن جميع المرافئ تبقى محجوزة ومشحونة بالبواخر، وكان أعضاء مجلس أمانة ميناء عدن يقترحون أن يكثروا من عدد هذه المرافئ، عبر تبديل مراسي العوامات لإرشاد السفن إلى مراسٍ كبيرة تعرف باسم مراسي دولفن، أي (مراسي الدرفيل).

ويحتوي الدرفيل على كتل من الركائز الصلبة التي تصل إلى قاع الميناء، وهي طويلة لدرجة أنها ترتفع فوق الماء في جميع مراحل المد والجزر،وتغلق برصيف أو مصطبة من الخرسان المسلح.

والمرسى الكبير المعروف باسم مرسى دولفن يحتوي على زوجين من الدرافيل، حيث ترسو البواخر عليها كما ترسو على المرافئ العادية الأخرى في الميناء، وتصميم هذه الدرافيل لابد أن يستدعي رسو البواخر التي تكون في بعض الأحايين بواخر ضخمة، وقد صُممت بطريقة أنها تقاطع بعضها البعض للمتانة، وبالتالي لتحمل مثل هذا الثقل، وبين كل زوجين من هذه الدرافيل كانت توجد (مصطبة) أو (منصة) لتموين البواخر بزيت الوقود.

وكلها بُنيت كالركائز الصلبية، ومنها سوف تمتد مراكز لتموين البواخر بزيت الوقود، ورافعة متحركة لتتولى شؤون الخراطيم.

وقد صمم في ذلك الوقت مشروع لتغيير جميع المرافئ في الميناء إلى هذا النوع من المراسي، ولكن لكسب التجارب ولتوزيع سعر هذا المشروع على عدة سنوات من تلك المرحلة، قسم على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى أمرت بتنفيذها أمانة ميناء عدن، وأخذت المقاولة الشركة الهولندية الملكية لأعمال الموانئ، وقد عملت بالتعاون مع شركة المقاولين المتحدة في بداية هذه المرحلة التي غطت بناء مرفأ واحد في الجهات الشمالية ومرفأين آخرين في الناحية الجنوبية من الميناء، وكانت بداية العمل في مارس 1963 وانتهى عام 1964، وفي ذلك الوقت كان أمناء ميناء عدن يدرسون إمكانية تنفيذ المراحل الأخرى من المشروع.

ومن فوائد هذا النوع من المراسي، أنها يمكن أن تستعمل في أية حركة من حركات المد والجزر، وفي ذلك الوقت كانت مراسي العوامات المستعملة في الميناء تستعمل في حالات رسو الباخرة.

أما أثناء حركة الجزر أو حركة المد، ونتيجة لهذا، فإن المراسي (الدرفيلية) سوف تكثر من عدد المرافئ في الميناء في أي وقت من الأوقات دون زيادة المساحة المائية المستعملة للرسو، وأما المراسي الدرفيلية في الناحية الشمالية من الميناء فقدمت السلامة للبواخر أثناء أشهر الصيف، عندما تهب الرياح الموسمية الجنوبية فتمنع هذه المراسي الرياح الموسمية من الهبوب إليها أثناء رسو أوخروج باخرة ما إلى أو من المرفأ.

وكانت المراحل الأخرى من المشروع تتضمن بناء مراسٍ في وسط الميناء، وكان إذا تم الوفاق عليها فإن المراسي الدرفيلية سوف تصبح مضاعفة الجانبين، وبذلك كانت أمانة ميناء عدن سوف تضاعف عدد المراسي في هذا القسم من الميناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى