الحكم المحلي بين القرار الجمهوري والقرار الجماهيري

> عبـــدالله أحمد الحوتري:

> الحكم المحلي موضوع يستحق الحديث عنه كتجربة متطورة بالمقارنة مع النظام السياسي القائم، هذا إذا كانت المسألة فيها جدية لانتقال حقيقي إلى حكم محلي كامل الصلاحيات، كتطور اقتضته المرحلة من ناحية، ومدعوم بقناعة القيادة السياسية كشرط أساس من ناحية أخرى، والقوى السياسية بما فيها الحزب الحاكم تتحدث عن ضرورة قيام حكم محلي، وكل قدَّم مشروعه في هذا الجانب، وظهر التفاوت بين هذه المشاريع من حيث صلاحيات الحكم المحلي.. من يقول بحكم محلي كامل واسع الصلاحيات، ومن يقول بحكم محلي مقنن الصلاحيات لا يختلف عن السلطة المحلية أو أدنى.. وهناك موقف مختلف لتيار آخر يرى الدعوة للحكم المحلي بداية لتفكك وتشرذم الوطن. أصحاب هذا الرأي يشكلون تياراً قوياً أيضاً وهم أمام الإجماع الوطني الداعي لقيام حكم محلي يضغطون بكل قدرتهم لإفراغ هذا القرار أو القانون، ولإخراجه مسخاً، وهو أهون الشرين بالنسبة لهم، وكان قرار انتخاب المحافظين وما تضمنه اختباراً لقدرة هذا التيار الذي يمكن تسميته بـ «مستثمري الوحدة»، وهو من يقف بصلابة واستماتة تجاه أي توجه لتغيير الوضع القائم حتى وإن قاده الأخ الرئيس، وهنا يتبلور بوضوح أطراف الصراع الحقيقي بين التغيير والمراوحة، أو بين المصلحة العليا للوطن والمواطن، وبين مصلحة مستثمري الوحدة، وقد وفقوا في اختيار الشعار الذي يتمترسون وراءه، وهو (حماية الوحدة)، وهي كلمة حق أريد بها باطل، وتحت هذا الشعار توجه الحملات على مختلف المستويات ضد أي دعوة للإصلاح السياسي بدءًا بدعوة الحكم المحلي وانتهاءً بدعوة مؤتمر وطني إنقاذي، لا يكتفي هذا التيار بما وصل له من قوة ضاغطة، لكنه يطمح للاستيلاء الكامل على القرار السياسي تحت شعاره المختار بعناية.. ونسأل متى تعمقت الوحدة في نفوس هؤلاء؟ وكيف يجري الدفاع عنها؟

ألم يعلموا أن من يتهمونهم اليوم بالانفصالية هم من بحَّت أصواتهم من الهتاف لتحقيق الوحدة بدءًا من 30 نوفمبر 1967م وحتى 22 مايو 1990م؟ وهم من كان يردد شعار «لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية» في صبيحة كل يوم وفي مختلف القطاعات العسكرية والطلابية والعمالية.. إلخ. لقد ترسخ حب الوحدة في نفوس من تنعتوهم اليوم بالانفصالية.

أما الجانب الآخر فيعرف الجميع أن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح قد نزل إلى عدن لتوقيع وثيقة الوحدة بقرار اتخذه بمفرده عندما تحفظ الغالبية على قرار الوحدة مع الجنوب، وهو يذكرني بقرار الرئيس الشهيد سالمين أثناء إصراره على المشاركة في تشييع جنازة الشهيد الرئيس الحمدي رحمهما الله.

إننا نطمح إلى انفصال لا رجعة فيه بين القوى الوطنية اليمنية الطامحة إلى بناء يمن ديمقراطي موحد يجد فيه أبناء اليمن عزتهم وكرامتهم وترتفع فيه مستويات معيشتهم وغيرها، وبين مستثمري الوحدة الذين لا يرون في الوحدة إلا اتساعاً لمصادر الثروة المنهوبة من قبلهم.

لنعود ونسأل مرة أخرى: ماهي مواصفات الانفصالي؟ هل هو المستخدم للسلطة في نهب المال العام؟ المتمسك بوحدة الأرض والثروة لا وحدة الإنسان؟ المحارب لأي استثمارات لا يكون شريكاً فيها؟ المستولي على المساحات الواسعة من الأراضي المصرِّين على استمرار تسميتها أراضي الدولة، وهي التسمية الوحيدة المتبقية من النظام الشمولي في الجنوب، التي وجدت حماية بل استماتة في الدفاع عن بقائها كمصدر للغير، حتى وإن طالب أهلها بعودتها لهم كأراض شملها قانون التأميم.. هذا إلى جانب مفردات أخرى كثيرة .

أم أن الانفصالي هو من فقد حقوقه المكتسبة قانوناً، ومن أصبح من أفراد جيش خليك بالبيت أو من نفذ بجلده خارج الوطن أو من أصبح دخله لا يغطي ربع النفقات الضرورية للبقاء حياً.

أو من جيش العاطلين عن العمل من الخريجين ومختلف الشرائح الأخرى، الذين واجهوهم بالرصاص والسجون عندما طلبوا الالتحاق بالمؤسسات العسكرية.

إننا ندعو إلى استخدام العقل والواقعية في تحليل ما يجري على الساحة اليمنية بعيداً عن رمي التهم، والحملات الإعلامية التي لا تزيد الأمور إلا تعقيداً.

إن تيار الفساد أو مستثمري الوحدة هم وراء كل ما يجري من الغليان، وبدلاً من التصادم الذي يسوقون البلاد إليه ينبغي إعادة النظر في كثير من الشوائب التي تعكر صفو الحياة، وأن تتم خطوات بلا تردد بدلاً من عمليات المد والجزر تجاه بعض القرارات الاستراتيجية، وعدم الإصغاء لأصحاب فزاعة (الخطر على الوحدة) .

إن الخطر الحقيقي على الوحدة يكمن في استمرار العبث بثروات الوطن وحرمان أبنائه، الذين وصلت مستويات حياتهم إلى درجة تهدد بانفجار غير منظم نحن اليوم في مؤشراته الأولى، ندعو الله عز وجل أن يجنب وطننا وأهلنا شره.

إن الوطن وأبناءه بانتظار الانحياز الكامل للأخ الرئيس إلى صفهم ضد عتاولة الفساد وناهبي الثروة الذين يقودون الوطن إلى الهاوية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى