الشعر في موكب القضية (2)

> «الأيام» عبده يحيى الدباني:

> ومثل ما كان هناك شعر في الشمال والجنوب قبل الوحدة يعبر عن الرغبة في تحقيقها، فإن بعض الشعراء لم يخف خوفه من فشل الوحدة إذا ما تحققت نظراً لعدم اكتمال مقوماتها، وقد صرح بذلك شاعر اليمن الكبير عبدالله البرودني - رحمه الله - في مقابلاته ومحاضراته قبل الوحدة وبعدها إلى وفاته ولعله قد أشار إلى ذلك في شعره، خاصة في دواوينه الأخيرة، ومن المدهش حقاً أن يشير إلى هذا المعنى شاعر شعبي من (حالمين)، هو محمد حسين القاضي - رحمه الله - وذلك قبل الوحدة بزمن طويل حين قال في أحد زوامله :

الشعب يشتيها وبايدفع ثمن

والرجعية يشتوا يغلوها غلول

إن هذا الزامل الشعبي لهذا الشاعر يشير إلى حقيقة حب الشعب لهذه الوحدة المنتظرة، واستعداده للتضحية في سبيلها بينما القوى التقليدية المتخلفة تريدها مغنماً وتريد الاستئثار بها وكبحها وإفراغها من مضامينها، حيث قال: (والرجعية يشتوا يغلوها غلول) على ما تحمله كلمة (غلول) من دلالة وإيحاء، لقد تحقق اليوم ما تنبأ به الشاعر قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً وهذه هي فراسة الشعراء .

وبعد حرب صيف عام 1994م بأيام قليلة حضرت حفل عرس في القرية، وبينما كان الرجال يرددون الزوامل فإذا بالشاعر الشعبي مساعد حسنين الفارعي - رحمه الله - ينبري من بينهم طالباً منهم أن يرددوا زاملة الجديد، فإذا به يرفع صوته مردداً بصورة شجية :

وحدة سياسية بالغبار اتلبسه

روادها خمسة بيجنون الذنوب

سارت بنا عكسه مشينا هرمسه

حتى استوت نكسة على شعب الجنوب

ولعل لغة الشاعر - رغم عاميتها- واضحة للقارئ، فالوحدة التي تحققت عام 1990م كانت وحدة استدعتها ظروف سياسية طارئة لهذا كانت غامضة وملتبسة ومفاجئة، أما روادها الخمسة الذين إشار إليهم الشاعر والذين جنوا الذنوب ومايزالون حسب تعبير الشاعر الذي جاء بالفعل المضارع الحاضر (يجنون) فلا ندري من هم بالضبط ولكن لعله يقصد أعضاء مجلس الرئاسة في المرحلة الانتقالية، وهم على كل حال يمثلون القيادة السياسية في الشطرين الذين وقعوا على وثيقة الوحدة، لقد كانت هذه الوحدة عودة إلى الخلف (سارت بنا عكسه) على طريق مجهول (مشينا هرمسه) والهرمسة تعني اللاوعي والتخبط مثل النائم عندما يتكلم أو يمشي فإنما أفعاله (هرمسه) .

فكان نتيجة هذا الغموض واللبس والسرعة والتخبط ، ومن ثم الحرب كارثة على أبناء محافظات الجنوب، كما قال الشاعر: (حتى استوت نكسة على شعب الجنوب)، فالوحدة وما بعدها حتى نهاية الحرب المعلنة كل هذا مثل انتكاسة وارتكاسة للشعب في المحافظات الجنوبية.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى