> «الأيام» أنيس منصور :
مشاهد مسكونة بالفقر والبؤس
سبعة آلاف نسمة تعداد سكان وادي ذر، ترتبط هذه المناطق بطريق رملي وتقطعات ترابية تجد فيها السيارات أنواعا من المشقة والأعطال يقطعها المواطنون على مضض في مسافة طويلة فوق سيارات قوية مرتفعة بإطارتها عن سطح الأرض، مساكنهم صغيرة بسيطة من القش والتراب تعتليها أخشاب وحطب وخليط من التراب وأوراق الشجر اليابس، ترى حجم المأساة من بعثرة ثيابهم وهزالة أجسامهم، أفواههم لا تفتح إلا مرتين لوجبتين شعبيتين خفيفتين، يتلوى أبناء الصبيحة جوعاً وفقراً مدقع إنهم عالم من البائسين المظلومين والمساكين، اعترضنا عجوز مسنة ورجل شائب من مناطق ذر وعلصان وبلهجة عامية قالت الحجة نعمة سالم الصبيحي بصوت شاحب:«نحن يا ولدي بدو رحل لا نملك إلا هذه الغنيمات- تشير بأناملها نحو قطيع الأغنام الرابضات تحت ظلال الشجر- نبيع صغارها كي نعيش عزيزين نأكل كسرة خبز متصلب ونبلله باللبن فقط»، سألناها عن أوضاع البلد والسياسة وأحداث العالم؟فقالت وهي ترتعش:«يا ولدي نحن بعد الأغنام من جبل إلى واد، يهمنا مواطن المياه والعشب وأماكن هطول المطر، حياتنا تعب لا نعرف الراحة»، وعاودت الحجه نعمة تسرد قصص الفقر والجوع والمخاطرة بحياتهم في رحلات ليلية ليس لهم موقع محدد، يتعاملون مع الشجر والحجر والبهائم وأصوات العصافير، يحسبون الشهور بمتابعة الهلال والنجوم، يعيشون وسط الفيافي والقفار بجلود أشد سواداً، وبشرة يابسة وملابس قديمة مقطعة، يشربون مياها شديدة الملوحة. يقول الشيخ هميس محمد عبدالله:«أوضاعنا لا تريد من يتحدث عنها، كل شيء أمامك يتحدث عن نفسه لا كهرباء ولا ماء تذهب النساء مسافة كبيرة للبحث عن مياه الشرب، أوضاعنا الاقتصادية صعبة مئات الفقراء المعدومين في صراع من أجل العيش، حالات الضمان الاجتماعي يتم التلاعب بها، أولادنا تركوا التعليم من شدة الفقر والفاقة، هناك من يمرض في مناطق ذر لا يجد قيمة حبة أسبرين» وأخرج الشيخ هميس يده من جيبه وهو يشير إلى غرفة محطة الاتصالات السلكية التي لم يتم تشغيلها وإلى جدران مبنى قسم الأمن وهو يتساقط وجدران مدرسة علي جاحص وهي متشققة وبسط أمامه ملفا مليئا بالوعود والمتابعات ذهبت مثل دخان الحريق. واستعرض أحمد ناصر صالح واقع من يعيشون على الاحتطاب وبيع الفحم لتوفير وتأمين لقمة العيش، كما تناول الشيخ مانع سالم صالح أهم المطالب الخدمية لمناطق ذر وهي ربط مناطقهم بالتيار الكهربائي وبناء مستوصف صحي وحفر آبار ومساعدة المزارعين والفلاحين في توفير سدود وحواجز للأراضي وحمايتها من السيول، وبناء خزانات حفظ مياه الأمطار والاهتمام بالعملية التربوية من خلال توفير الكادر التربوي المتخصص.
يتكدس مئات الشباب العاطلين في مناطق الصبيحة على أمل انتظار الوظائف، جامعيون بمختلف التخصصات تقف المحسوبية والوساطة والرشوة حواجز بينهم وبين الوظيفة ذهب عنهم قطار الزواج وعنفوان الشباب وغزا الشيب مفارقهم، فالجامعي أحمد سالم عسر أحد العاطلين منذ عام 98م اختصر أوضاع شباب وادي ذر قائلاً:« يوجد جامعيون لم يتوظفوا وآخرون لم يستكملوا تعليمهم من هول التكاليف الباهظة وخسائر التعليم العالي، منهم من التحق بالسلك العسكري، ومنهم من يرعى الأغنام ويعمل في الزراعة، انتشرت عمالة الأطفال بسبب الحالة المعيشية وارتفاع الأسعار والجرعات المتلاحقة، الوظيفة أصبحت من المستحيلات تذهب لذوي النفوذ لمن يملك محسوبية والخريجون بالصبيحة مقصيون. هكذا هي حياة الشباب مصير مجهول وهواجس تقلقهم، تراكمت عليهم الهموم ينشدون الوظيفة ولو في قاع البحر أصبحت مؤهلاتهم الجامعية حبيسة أدراج الخدمة المدنية رهينة الدفع وشبه الدفع.
تعليم تحت الأشجار
صور تراجيدية يصطدم بها الحليم الزائر لوادي ذر الصبيحة، وهو يشاهد تلاميذ يتعلمون تحت الشجر يسيرون مع الظل أينما سار، يرتعشون من رياح باردة في الصباح ويحترقون من حرارة الشمس بالصيف، مئات الطلاب والطالبات بمختلف الأعمار يتلقون تعليماً بين الأشواك وفوق التراب. في مدرسة النجاح بالمراغ وقف مدير المدرسة الأستاذ عياش محمد علي وهو يؤكد على ضرورة التصوير قائلاً : «التقط صورة حتى يعرف وزير التربية أين يتعلم أبناء الصبيحة، لقد تعبنا من المتابعات والمناشدات والشكاوى الداعية لإنقاد الطلاب، لم يبقلنا سوى صحيفة «الأيام» لنقل ما تبقى من صور ومشاهد أليمة»، وتفضل ثلاثة معلمين بالحديث عن تلاميذ يدرسون في أكواخ من القش والبناء الشعبي تم إنشاؤه حسب قولهم بمبادرات ذاتية، ولسان الحال يقول هل عجزت دولة المنجزات عن بناء فصول مدرسية بالمراغ، وهل يعلم فلاسفة اليونان وعباقرة البصرة عن نظرية الواقع والتعليم في العراء الطلق وتحت ظلال الشجر بمراغ الصبيحة، ويسأل بعض أولياء الأمور أين وعود المسؤولين، أين الحكومة التي أعطيناها أصوات الانتخابات لم ترحم حال أطفالنا، ويقترح الأستاذ أحمد الهبوب أن يكون اسم المدرسة (مدرسة ظل الشجر) ليكون اسما على مسمى داعياً المجلس المحلي وقيادة المحافظة إلى الاهتمام بالمبنى المدرسي في مناطق الصبيحة، كما وضح أهالي المراغ أنهم على استعداد لتقديم العون لتجهيز الأرضية والتبرع بها لكل المحسنين والمنظمات المانحة، لأنهم في حالة يأس من خدمات السلطة.
ذلك هو حصيلة ما تم الاطلاع عليه من ميدان الحدث وتلك هي مناطق وادي ذر بالصبيحة تنشد الخدمات التنموية ترفض أن تعيش بهذه الوضعية المأساوية والحياة المختزلة بالوعود الكاذبة، مناطق لا يعرفها المسؤولون وسادة الحكم إلا أيام الانتخابات كأن حياتهم مربوطة بالمناسبات وأوقات