لم تعد إيطاليا جنة كرة القدم الكالتشيو..ساحة للمعارك السياسية الباردة

> دبي «الأيام الرياضي» وكالات :

>
يبدو أن إدمان الأسطورة الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا المخدرات والمنشطات لم يقتصر أثره على أدائه الكروي فحسب، بل امتد ليطال فهمه لما يجري حوله من أحداث وتطورات اجتماعية وسياسية.

فخلال السنوات السبع التي قضاها مع فريق نابولي الإيطالي بين عامي 1984 و1991، وصف أسطورة التانغو إيطاليا بـ «جنة كرة القدم»، التي ليس لها مثيل على وجه الأرض، إلاّ أن تراجع ترتيب «الكالتشيو» بين بطولات الدوري المحلي الأوروبية وفقدانه مركز الصدارة الذي هيمن عليه منذ ثمانينيات القرن المنصرم، لفت أنظار المراقبين للمشاكل التي يعاني منها القطاع الرياضي في شبه الجزيرة المتوسطية، الذي أثار الكثير من الشبهات حول دقة تصريحات نجم الكرة الأرجنتينية الأول.

فبالنظر إلى أندية المقدمة في الدوري الإيطالي والتدقيق في الخلفيات الثقافية والسياسية لملاّكها، يبدو التأثير الأيديولوجي جلياً عليها، على عكس بقية الدوريات الأوروبية التي تمكن أصحابها منذ الثمانينيات من تطبيق الفكر الاحترافي الـ «ليبرالي» بحذافيره، والالتزام بتوصيات الاتحاد الدولي لكرة القدم بإبعاد اللعبة عن شتى الأطياف والتوجهات السياسية.

لاتسيو الأكثر «غرقاً» في ميدان السياسة

يُعد لاتسيو أحد أشهر الأمثلة على التداخل بين الرياضة والسياسة في إيطاليا، إذ تنتمي إدارته ومعظم مشجعيه -الذين يشكلون 3.5% من جماهير الكرة في البلاد- إلى أحزاب اليمين المتطرفة الداعية للعودة إلى الفاشية وإحياء ما تدعو له من مبادئ عنصرية، الأمر الذي دفع مجموعة من مشجعيه تطلق على نفسها إسم «Irriducibili Lazio» للتصرف بعنصرية مع لاعبي الفريق من ذوي البشرة السمراء كغابي مودينغايي وعثمان دابو وكريستيان مانفريديني وفابيو ليفيراني، رغم الأصول الإيطالية للأخير.

عنصرية نادي لاتسيو لم تقتصر على الجمهور وحده، بل أظهرت إدارة الـ «بيانكوشليستي»تأييدها الكبير لسياسة الزعيم الإيطالي الراحل بينيتو موسوليني، من خلال عزوفها عن التعاقد مع اللاعبين السود، ليمثل انتقال الهولندي رون فينتر للاتسيو عام 1992 حادثةً تاريخية، كونه أول لاعب أسمر في تاريخ النادي البالغ من العمر 108 سنوات.

ناهيك عن إيماء نجم وقائد فريق لاتسيو السابق باولو دي كانيو لجمهوره بتحية نازية عنصرية في أكثر من مناسبة.

اليسار يدعم الفلسطينيين غيظاً لليهود

جماهير العاصمة يساريةوعلى النقيض من لاتسيو، تنتمي الغالبية العظمى من جماهير ناديي روما (6% من جماهير الكرة في البلاد) وليفورنو، إلى أحزاب اليسار، والتي تدعو مبادئها الأساسية لتبني الاشتراكية والشيوعية من جهة، ونبذ الأقليات العرقية والدينية من جهة أخرى.

دعوة جماهير الفريقين لنبذ الأقليات رصدت من مدرجات ملعب آرماندو بيتشي في ليفورنو والملعب الأولمبي في روما، حيث تداولت الكثير من المنتديات العربية صوراً لجمهور الفريقين خلال رفعها لافتاتٍ تندد بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتدعم منظمة حماس.

وإلى جانب مساندة جماهير ليفورنو لحركة حماس التي اعتبرتها يساريةً أيضاً، عبّرت مجموعة مشجعين تطلق على نفسها إسم «كتائب ليفورنو المستقلة (PAL)»، عن سخطها على قرار حزب رئيس الوزراء سيلفيو بيرلسكوني بإرسال جنودٍ إيطاليين لمساندة أمريكا في حربها على الإرهاب في العراق بطريقة أثارت استهجان الشارع الإيطالي.

فبعد مقتل 17 جندياً إيطالياً في هجوم انتحاري بمدينة الناصرية في العراق يوم 12 نوفمبر 2003، فرض الاتحاد الإيطالي لكرة القدم وقوف الجمهور دقيقة صمت حداداً على ضحايا الهجمة الانتحارية قبل كل مباريات دوريّي الدرجتين الأولى والثانية التي تلت الاعتداء، فما كان من جمهور ليفورنو إلا أن خرق صمت الحداد بإطلاق صافرات استهجان معارضة لمشاركة إيطاليا في الحرب الأمريكية على العراق.

أما جمهور فريق نابولي القادم من الجنوب الإيطالي، فذهب بدوره بعيداً في نبذه لليهود، عندما شكلت نسبة من محبيه مجموعة أطلقت على نفسها إسم «الفدائيين» في ثمانينيات القرن المنصرم -نسبة للفدائيين الفلسطينيين الذين قاموا بعمليات تصفية ضد شخصيات ومصالح إسرائيلية مختلفة- وذلك لإثارة مشاعر الأقليات اليهودية المتواجدة في الجنوب الإيطالي.

إنتر وميلان يتقلدون المناصب.. ويوفنتوس الأقل تورطاً

الأندية الثلاثة تهتم بالبطولات أكثر وعلى الرغم من الشعبية الجارفة لفرق يوفنتوس وميلان وجاره إنتر ميلان على التوالي، فإن أندية المقدمة الثلاث دائماً ما تسعى للتنصّل من أية توجهات سياسية، لاسيما أن العائلات التي تمتلكها تحمل صبغة إقطاعية واضحة.

محاولات رئيس ميلان السابق سيلفيو بيرلسكوني -اضطر للتنحي عن منصب الرئاسة لمصلحة أدريانو غالياني بعد تقلده منصب رئيس الوزراء- بإضفاء طابع الاحترافية والبعد عن التيارات السياسية على ناديه لاقت نجاحاً واضحاً. فرغم ترأسه لحزب «أهل الحرية (People of Freedom)»، الذي نجح مؤخراً في الفوز في الانتخابات، أبدى المراقبون إعجابهم بطريقة بيرلسكوني في تسيير الأمور في أروقة الـ «روسونيري».

فبرغم دعوة حزبه للتخلص من الأجانب في البلاد، لا تبدو هذه السياسة مطبقةً في صفوف حامل لقب دوري أبطال أوروبا..فبمجرد النظر إلى التشكيلة الأساسية للفريق، يمكن للمراقب ملاحظة وجود 16 لاعباً أجنبياً في قائمة لاعبي ميلان الـ29.

أما رئيس نادي إنتر ميلان ماسيمو موراتي، الذي يمتلك أشهر شركات النفط والاتصالات الإيطالية، فقد نجح بدوره في التنصل من السياسة، رغم احتلال زوجة شقيقه ليتيزيا موراتي منصب عمدة ميلان، ومحاولتها المستمرة لتنفيذ أجندة حزبها «فورزا إيطاليا (Forza Italia)» في إيقاف تدفق العمالة الشمال إفريقية والتخلص من تواجد الأقليات الأجنبية في شبه الجزيرة المتوسطية.

ويضمّ الـ «نيراتزوري» 23 لاعباً أجنبياً من أصل لاعبيه الـ27 المسجلين، ما يعني أن بطل إيطاليا لا يضم في صفوفه سوى أربعة لاعبين إيطاليين يلعب إثنان منهم في مركز حارس مرمى.

من جهته يبقى يوفنتوس صاحب الشعبية الأعلى في إيطاليا -يشكل مشجعوه 28% من جماهير الكرة في البلاد- أبعد الفرق الثلاثة عن السياسة. فعلى الرغم من الخلفية اليمينية لعائلة الآنييلي التي تملكه وتملك إمبراطورية محركات الفيات (FIAT)، فإن مالكه الأسطوري جياني آنييلي (1927 – 2003)، حافظ خلال سنواته في الـ «بيانكونيري» على ليبرالية النادي، وبعده عن أية تيارات فكرية.

ويتميز فريق نادي «السيدة العجوز» بتوازن سياسة إدارته في التعاقد مع اللاعبين الأجانب، وابتعادها عن العنصرية والعرقية، الأمر الذي يبدو واضحاً على «ألوان بشرة» لاعبي اليوفي، وعلى اللافتات التي تحملها الجماهير والأهازيج التي ترددها.

يبدو أن أسطورة الكرة مارادونا كان بحاجة إلى تفكير أصفى قبل الإدلاء بتصريحه حول «جنة كرة القدم»، فقد يتميز الكالتشيو بنجومه العالميين وحرارة المنافسة التي يتميز بها عن سائر البطولات الأوروبية، إلا أن الأبعاد السياسية الواضحة للعبة، وحالات العنف والشغب الجماهيري التي تشهدها المدرجات قد تجعل من شبه الجزيرة المتوسطية جحيماً للعبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى