«الأيام» تستطلع أوضاع مناطق وادي ذر بالصبيحة ..مديرية يحاصرها الجفاف ويقتلها العطش.. براميل فارغة من الماء وقشة قصمت ظهر القبيطة (4 - 2)

> «الأيام» أنيس منصور :

>
جفاف المياه ونضوب الآبار القاسم المشترك بين أهالي مناطق مديرية القبيطة بمحافظة لحج، فهو جزء لا يتجزأ من واقع أليم، تعجز الأقلام والألسن البليغة عن الإحاطة بتفاصيل أنات وأهات الباحثين عن قطرات الحياة في القبيطة ومراكزها، البالغة (27) مركزا سكانيا.

بدأت تباشير الصيف وعلامات الجفاف تؤرق حياة المواطنين، فقد هلكت المزارع ويبست الأشجار ونضبت الآبار، وقل منسوب الحواجز المائية، وارتفعت أسعار صهاريج المياه وأسعار العبوات البلاستيكية، الكل في القبيطة خائفون قلقون، ماذا بعد هذا؟.

تعبت الأجساد وتجعدت الوجوه وعم الحزن، فهم يخافون الموت عطشا، ولقد شوهدت أسر وهي تحزم أمتعتها للرحيل من القبيطة.. للرحيل من الجفاف. أصبحت قضية الجفاف مشكلة عالقة وغائرة نسطر تفاصيلها في حلقات.

مقدمة

القبيطة مديرية كثيفة السكان (120 ألف نسمة)، ذات طبيعة تضاريسية جبلية شاهقة، يعتمد أبناؤها في الحصول على المياه على ما تسمى الخزانات الحجرية (السقاية)، وعلى مياه الأمطار، وبعض الآبار السطحية في أربع عزل، هي الهجر - اليوسفين - كرش - القبيطة، تتوزع فيها بعض السدود الصغيرة، أكبرها سد وادي ظمران وسد وادي الرماء، فيها مشاريع مياه داخلية متعثرة فاشلة، كلفت الدولة مليارات، فمشروع مياه اليوسفين من أكبر المشاريع الضائعة، أصبح خرابا، يضرب به المثل في فشل وهشاشة الدولة، فيقال في المثل (إذا صلح مشروع مياه اليوسفين صلحت البلاد)، ومشروع مياه الرماء ضاع عند أول أنبوب، لقد تحول الخزان التابع للمشروع إلى غرفة للصرف الصحي وجمع القاذورات، ومشروع مياه الهجر تنقلت وثائقه بين النيابة والمحكمة، وأصبح ورقة اتهامات متبادلة، والمواطنون في انتظار تشغيله، ومثله مشروع مياه الحيدين الواقف على أطلال الماضي، ومشروعا مياه كرش والشريجة تعاقبت عليهما إدارات ولجان، وخصصت لهما اعتمادات تأهيل، ومازالا يعانيان من مشاكل شائكة ومعقدة، وأصبحا رهيني الشد والجذب والمهاترات الداخلية.

بهذه المقدمة يتضح لنا جليا، كيف حرم أبناء القبيطة من نعيم وخيرات هذه المشاريع، التي أصبحت في خانة الوفيات، وهو ما جعل الناس في حالة تذمر وسخط.

ونستنتج مما سبق أن مشاريع المياه لافائدة منها في القبيطة، لأن تنفيذ هذه المشاريع الفاشلة لاتقوم على الدراسات والخطط، وإنما حسب المزاج وأهواء مقايل التخزين والنكايات الحزبية.

من وحي المعاناة

مئات النساء كما تقول أم عدنان عامر «يقطعن مسافات طويلة في الأيام المشمسة في مناطق حدابة - وادي شرار - دياش - وادي البير - والنويحة، طلبا للمياه، وفوق رؤوسهن دباب المياه.. ليس للحياة طعم، لأن الماء من أهم الهموم التي تجعل النساء مسافرات كل يوم».

وتحدثت ضوية سعيد أنعم: «تصاب الفتيات والعجائز بأمراض وإعاقات وعاهات مستديمة، خصوصا اللواتي يتسلقن جبال النوبة والحاصلية، لأنهن يسلكن طرقا جبلية متعرجة تربط وادي حدابة وقرى السعادنة والدخينة وبني حماد».

استعرض محمد حياة المهاجرين والمهاجرات من القبيطة نتيجة الجفاف وشحة المياه قائلا: «لاتزال منازلهم في ثوجان - الحنكة - المقابل - الفوز - الحليمة - أيفوع - ثباب والكعثل، شاهدة على بشاعة المأساة».

وقال عبدالمولى ردمان: «آه.. ما أقسى الجفاف عندما يرفض أن يغادر مناطقنا!». فيما هناك أسر ومئات المواطنين صامدون ما بين السقايات والسدود.

وفي قرى ثوجان وسوق الخميس وفحيم وأجزاء من عيريم ابتدع كبار المشايخ والمثقفون أساليب التقسيم بالمساواة، عن طريق توزيع الأدوار وكمية المستخرج من مياه الآبار بين البيوت، لكل أسرة خمس عبوات سعة 20 لترا، لفترة ثلاثة أيام.

كذلك مناطق الأكروب والكعبين والإبل والنبي شعيب يتم فيها التقاسم، ولكن من خزانات حصاد المياه.. مناطق كثيرة لاتعرف السعادة في الليل، هناك تسابق على مدار 24 ساعة، طلبا لقطرات الماء، التي أصبحت غالية ومكلفة، وتتجسد صور البؤس ومعاني القهر في أبشع صورها، وتكشف مدى الخراب الذي سببه الجفاف، ونضوب الآبار، وترك مساحة من الرعب، وأنت ترى فتيات صغيرات فوق الآبار والخزانات.

قالت فدوى وأفراح وغادة من حافة أحد الآبار: «نحن لانعرف التسالي والألعاب.. أهلنا كلفونا نقل المياه، ونحن مرابطات في الطابور فوق البئر، إما أن نعود بالمياه أو نتعرض للضرب والعقاب».

وتحسر بصوت رقيق الحاج فاروق شايف مهيوب نادما على البقرة والثور والأغنام الذين باعهم بيعة الرخص. لماذا وما هي أسباب البيع؟

إنه انعدام الماء وشحته. وقال صالح علي هاشم: «هل تعلم أن شحة المياه من أسباب الحقد والكراهية والمنازعات والخلافات بين الناس، فكم هي المشاكل والخصومات فوق الخزانات والآبار والبراميل».

هالك وعاطش ضمأ

يتكاثر الناس وتزداد همومهم، وتتعاقب الأجيال، ومازالت مأساة البحث عن الماء بالقبيطة تستفحل، معلومات دقيقة وأرقام جمعناها من مصادر مختلفة محلية وأهلية وسياسية، تؤكد أن ما يقارب 413 بئرا على مستوى عموم المديرية والتجمعات السكانية قد نضبت، وما يقارب 46 بئرا على وشك النضوب.

إنها حقائق وأرقام مخيفة، تهدد كيان التجمعات البشرية، وتدعونا للتأمل وللمعالجة، لإنهاء أرقام تهدد بكارثة مستقبلية، وربما يأتي زمن يقال فيه كانت هنا مديرية تسمى القبيطة!.

استعرض مدير مستوصف سوق الخميس محمد علي عمر أولويات بناء المنازل، التي تكون بدايتها إنشاء خزانات أرضية لتجميع مياه الأمطار من سطوح المنازل للتخفيف من تكاليف البحث عن الماء، ويرى د.محمد أن الخزانات المفتوحة والمياه الراكدة لها أضرار صحية كثيرة.

ولكن للضرورة أحكام، فأبناء القبيطة مخيرون بين مياه الخزانات والمخاطرة بحياتهم، ولايعني ذلك الاستخفاف ببناء الخزانات، ولكن لابد من الوقاية والاحتراز خصوصا مياه الشرب، التي لابد أن تكون نظيفة وخالية من الجراثيم، وهناك طرق كفيلة بالحفاظ على السلامة.

وأشاد عبدالحبيب دياش بجهود مؤسسة هائل سعيد أنعم التي تبرعت بإنشاء حواجز لحصر مياه السيول، وبعض المنظمات المانحة ورجال الخير وجمعية القبيطة فرع الحديدة لمشاركتها بنسبة في سد وادي الرماء.

وأبدى الأستاذ حسن علي سعيد اعتراضه على بعض التصرفات قائلا: «هناك من يدعي أن المياه ملك لهم يوزعونها كيفما أرادوا، هل تناسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «الناس شركاء في ثلاثة، الماء والكلأ والنار».

واستذكر الحاج ياسين المنصوب الأجداد السابقين وترحم عليهم، قائلا: «تركوا لنا آبارا وخزانات، وكانوا يعتمدون على أنفسهم، أما الناس في زماننا فيستعذبون أغنية أيوب طارش (مكانني ظمأن) و(الماء بجنبي وأنا هالك وعاطش ظمأ)، لقد تغيرت حياتنا اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وماتت معاني التكافل الاجتماعي والأخوة والتعاون بسبب جفاف المياه، لأن الماء سر الحياة وعنوانها الأول، فلا اقتصاد ولا ثقافة ولا سياسة بدون ماء».

أضحت الدباب (العبوات البلاستيكية)والبراميل الفارغة من الماء القشة التي قصمت ظهر القبيطة! فمن يملأها وينقذ حياة البشر..؟!، وللحديث بقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى