ماذا يعني انتخاب المحافظين؟

> أديب قاسم:

> ماذا يعني قيام (محافظ جديد) بشكل انتخابي؟.. ترى، هل نجد في هذا الإجراء التنظيمي الحكومي نقلة نوعية على طريق العمل الديمقراطي مع فرقاء الحراك السياسي الوطني، فيشمل قوى الشعب كافة؟ وهل الهدف من وراء ذلك إحداث تغيير حقيقي في البنية التركيبية للدولة بحيث تضم عناصر من خارج السلطة، وهو بما قد يشكل اختراقاً من جانب (المعارضة) في حال حظيت بالفوز في هذه الانتخابات إن تمت بصورة جد نزيهة.. حيث أصبح من المعروف «أن المعارضة بحكم مركزها مقيدة بدعم مزايا السبيل المغاير للسبيل الذي تبنته الحكومة وسلكته»؟!.. وهذا هو نص دبليو. إي.إتش ليكي W.E.H Lecky واحد من أبرز الكتاب الإنجليز في مؤلفه (خريطة الحياة) The Mab of Life , The Opposition is almost bound by it’s postion to enforce the merits of the course opposed to that adopted by the Government .. فالحكومة والمعارضة يعملان عادة في اتجاهين متعاكسين.. فكيف لهذه الديمقراطية أن تتحقق في مجرى هذه الانتخابات مالم تتدخل الحكومة القائمة على السلطة ممثلة بالحزب الحاكم للتحكم بمجرى هذه العملية عن طريق مطبخها Kitchen Cabinet، وذلك بما يتوافق مع الخطة المنبعثة من صميم مصلحة الدولة لجهة السلطة؟

فالمحافظ الذي جاء من خارج السلطة لاسيما من جانب المعارضة حتماً سوف يعمل لضبط نزوات الحكومة وأجهزتها القمعية المتسلطة كي لا تتسبب في الأذى أو في الحط من مطالب واحتياجات الشعب (في إطار محافظته) - وهو بذلك إنما يعمل لصالح مجتمعه .. الفكرة الأساسية للديمقراطية.

وعندنا نظام دولة يصنّف سياسياً بعد حرب 94م بنظام الغنائم Spoil System، وهو أساس الجدل الراهن في الجنوب فيما يشهده من حراك سياسي جماهيري انسحب على مفهوم «القضية الجنوبية» أي قضية شعب دخل في مواجهة مع السلطة، حيث كانت ومازالت العوامل التي أدت إلى بروز هذه القضية هي أن نظام الغنائم - بما هو من شيم الدولة المستبدة - يقوم على أعمال النهب والسلب واللصوصية .. غير ذلك اعتبار المناصب الحكومية نهباً يجب تقسيمه بين أعضاء الحزب المنتصر!!

وهذا ما يتوسمه الناس في عدن وفي سائر المحافظات الجنوبية من الترتيب والإعداد لقدوم محافظ جديد وإن جاء بشكل انتخابي !.. ذلك أن الطبقة الحاكمة بما تشكلت حولها من (استشارية قانونية سياسية) أي صفوة حاكمة تقوم على عصبية المال والحزب.. وقد خلت من كل الدلالات الوظيفية للأطر الديمقراطية عبر مسار الفكر السلطوي اعتباراً بما أحرزته اليمن من تطور سياسي - تاريخي جرى تتويجه بالوحدة، لم تعد تمتلك مشروعاً إستراتيجياً متطوراً لبناء وتحديث وتقوية أسس الوحدة، ومن أجل إحراز تقدم في المشروع الوطني المتنامي نحو التكامل على طريق الديمقراطية، أي نحو تحقيق درجة أخرى من درجات السلم الاجتماعي والنمو الداخلي في نطاق التوحد.

مشروع استراتيجي للوحدة (يضمن نجاح العمليات الديمقراطية) لا يتحقق في ظل الظروف الراهنة إلا من خلال الاعتراف بوجود أزمة سياسية جنوبية تعاني من سطوة النظام الاستبدادي !.. هذا النظام الذي توقف بكل عنجهيته وخوائه السياسي خارج مساق الفكر الديمقراطي، وهو ما يصفه أرنولد توينبي (Hybris)، ويمكن ترجمته بمعنى: الزهو والغرور والتكبر والأنانية بما هو قيد الاعتبار عند فيلسوف التاريخ في سقوط أنظمة الحكم الاستبدادي.. وما هو قائم لدى ممثلي السلطة في اليمن في الراهن السياسي الذي يتوقف على (الغنيمة) أو الفيد باستباحته للأرض وحقوق الإنسان في نصف الوطن (وقل في ثلثي مساحة اليمن) الذي اعتبر مهزوماً في حرب!

ترى كيف سيتسنّى لـ(هكذا) نظام وبطانته العمياء التي قال فيها الشاعر : «ويرى أنه الخبير بهذا/ وهو في العمى ضائع العكاز» الارتقاء إلى ثقافة التسامح والتصالح، وقل «ثقافة الوحدة» التي لم تتجاوز - بعد - مرحلة مبكرة من تطورها.. وظلت تفتقر لمشروع استراتيجي منذ أن تحققت الوحدة .. وحتى يمضي إلى الديمقراطية؟

الديمقراطية (التي ترمى صوب هذه الانتخابات) تستدعي تفكيراً يتسم بالعقلانية في إدارة دفة الدولة.. وعبر تقبل الآخر (أحزاب سياسية معارضة، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات اعتبارية مستقلة تمثل الأوساط الاجتماعية، لاسيما المحتجين من أناس لم تعجبهم الحياة التي وجدوا أنفسهم على هامشها وهم يمثلون بتعبيراتهم في النضال (السلمي) نموذجاً إيجابياً للمسيرة الديمقراطية).. ذلك أن هذا الآخر ربما كان يمتلك من الرؤى الفكرية والمواقف العملية في توجهاته السياسية إلى مرمى الإدارة Administration، ما يجيز له الائتلاف مع آلية تطور الدولة لإحداث التغيير الحقيقي بالاتساق مع العصر.. ومع تفجر الرؤى الإنسانية في كل زمان في سياق المشروع الحضاري.

هذه في النهاية هي الأداة التي يمكنا من طريقها «اختيار المحافظين» وفق رؤية ديمقراطية تذهب بالمحافظ إلى أبعد من حدود مصلحته الشخصية.. أو مصلحة الحزب!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى