«الأيام» تستطلع أوضاع منطقة جول آل عبدالمانع في شبوة ..مدينة السلام تحاصرها الأوبئة من كل مكان (2 - 1)

> «الأيام» جمال شنيتر:

>
بوابة حصن قديم
بوابة حصن قديم
جول الشيخ عبدالمانع إحدى مناطق مديرية ميفعة محافظة شبوة، تقع على وادي ميفعة، منطقة غنية بموروثها الشعبي وتاريخها العريق منذ مئات السنين من خلال تعاقب مشايخ آل عبدالمانع على حكم هذه المنطقة وما كان لها من قدسية واحترام بين قبائل المنطقة.

تقع جول الشيخ على بعد نحو 15 كيلومترا من مركز المديرية، ويفصلها وادي ميفعة عن خط المواصلات الرئيس عدن - المكلا، وهي تعد مركزاً انتخابياً وتتبعها بعض القرى المجاورة لها كالسواط والدرجاج وقرين النشوة. شهدت المنطقة في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً لمرض الغدة النكفية (الصمم) الذي تجاوز عدد المصابين به من أبناء المنطقة المائتي حالة، ويأتي ذلك بعد انتشار الحصبة الألمانية مطلع العام الجاري.

«الأيام» تلقت العديد من الشكاوى والطلبات من أبناء المنطقة الذين طالبوها بزيارة منطقتهم، وتسليط الأضواء على الأوضاع الصحية الخطيرة التي تعانيها، وكذا ملامسة الأوضاع والهموم الأخرى ولاسيما افتقار المنطقة إلى مشاريع التنمية.

دار السلام

انطلقت بنا السيارة من مركز مديرية ميفعة جول الريدة باتجاه جول الشيخ التي تبعد بمسافة 15كم، منها 12 كيلو أسفلت ثم تنحرف السيارة نحو اليمين في طريق ترابية قصيرة سرعان ما تنتهي بواد صغير يفصل جول الشيخ عن الخط العام، ولا صوت هنا إلا صوت السيارة، وهي تجنح وسط هذه الرمال يعقبها دثار سحابة من الأتربة التي تخلفها وراءنا، وهاهي أولى معالم جول الشيخ تبدو لنا.. بيوت متناثرة تشير إلى العمارة الطينية التي تميز بها المنطقة.. كيف لا وجول الشيخ «الحبط» ودار السلام، الذي كان يحظى بقدسية واحترام كل قبائل المنطقة في عهود مضت، فكان يمنع استخدام السلاح، وكان لمشايخ آل عبدالمانع المتعاقبين على المشيخة دور في حل النزاعات بين قبائل السلطنة الواحدية والدول التي سبقتها في المنطقة وكانت أحكامهم تحظى بالاحترام والقبول من كل الأطراف.

أثناء التجوال في جول الشيخ شاهدت عددا من الحصون القديمة لمشايخ آل عبدالمانع، الذين تعاقبوا على حكم المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبعضها يصل عمره إلى نحو 400 سنة، هنا الأطلال القديمة التي تأسر الأفئدة وتشير إلى نخوة الرجال وإباء النفس وأفق الفضاء الذي يزهو بالتوهج، وحقاً لا يكبر وعي الإنسان إذا لم يقف ويتأمل في مثل هكذا أطلال، وعليها اليوم تبكي حمر القصائد عن زمن جميل قد مضى وعن السنين التي تدور على مسرح الأزمنة، حيث التفاصيل والأمكنة تتحرك بين مد و جزر.

سألت مرافقي الأخ مالك علي عبدالمانع: ما سر هذا الصمت الذي يخيم على جول الشيخ في مثل هذا اليوم النيساني حتى يخيل للمرء أنها خالية من السكان ولا يوجد بها إلا الأطلال والأشباح؟!.. أجابني:«هذا هو الحال كل صباح، فالرجال والشباب خارج المدينة باستثناء المعلمين والتلاميذ في المدرسة، فلا تستغرب إذاً من مثل هكذا سكون!».

الصمم آخر الأوبئة

كنا قد نشرنا في «الأيام» خلال الأشهر الماضية عددا من المواد الإخبارية عن معاناة منطقة جول الشيخ من انتشار بعض الأمراض والأوبئة، كالحصبة الألمانية وحمى الضنك والصمم، وقد شكرنا الأهالي على تلك المتابعات، وطلبوا منا نقل شكرهم للناشرين هشام وتمام باشراحيل. اتجهت إلى الوحدة الصحية الوحيدة في المنطقة، و قد صادف نزولنا وجود الفريق الطبي المتنقل بين مناطق المديرية، حيث يعاين وبشكل شبه أسبوعي نساء المنطقة والأطفال.

استقبلنا الأخ محمد عبدالله الذرب مساعد صحي في الوحدة الصحية، الذي يعد من العمال الملتزمين بالدوام بحسب شهادة الأهالي الذين التقيناهم، وطلبت منه أن يطلعنا عن انتشار الصمم في المنطقة فقال:«بدأ انتشار الصمم في المنطقة بتاريخ 2008/2/5م، وبلغ عدد الحالات المصابة منذ ذلك الحين وحتى اليوم الأربعاء 2008/4/16م أكثر من مائتي حالة وهو مرض فيروسي معدٍ يصيب الغدة اللعابية وينتشر في الوجه والغدة اللعابية تحت الفك واللسان، ومن مضاعفاته ألم في أسفل البطن، وتورم الخصيتين، ويصيب الإناث في المبيض، وهناك حالات خطيرة تم نقلها إلى مستشفيات عزان والمكلا.

وقد زار المنطقة قبل أسبوع فريق طبي وأحضروا ثمانية كراتين قرب ومضادات حيوية للوحدة الصحية».

وأضاف:«قبل عدة أشهر انتشرت الحصبة الألمانية في المنطقة وأصيب أكثر من مائة وخمسين شخصاً بذلك، وقبل سنوات أصيب كثير من أبناء المنطقة بحمى الظنك وكانت جول الشيخ من أكثر المناطق الموبوءة».

وعن الوحدة الصحية الوحيدة في المنطقة قال:«للأسف الشديد الوحدة الصحية لا تمتلك أي إمكانيات، فالثلاجة الموجودة بدون غاز ولا يوجد تيار كهربائي، كما أنها تفتقر لكثير من التجهيزات الطبية، كما أن الوحدة بدون أي مخصصات مالية رغم أننا سمعنا أن الاعتماد موجود ومرصود، لكن لم يصرف ولا ندري ما السبب، مع أن هذا المخصص سيساهم في شراء أدوية لبعض الحالات المرضية الفقيرة التي هي في أمس الحاجة إلى المساعدة المادية، ولهذا نناشد عبر «الأيام» السلطة المحلية بالمحافظة والمديرية ومكتب الصحة والسكان بضرورة توفير الإمكانيات والتجهزات الطبية المناسبة للوحدة الصحية بجول الشيخ التي تقوم بتقديم خدماتها لأبناء المنطقة والقرى المجاورة لها».

الوحدة الصحية
الوحدة الصحية
حجم الكارثة

كثير ممن التقتهم «الأيام» من أبناء المنطقة تحدثوا بقلق عن حجم الكارثة الصحية التي تعانيها المنطقة من جراء انتشار الأوبئة ويتساءلون عن دور السلطة المحلية ومكتب الصحة والبلدية والبيئة في ذلك.

يقول الأخ مالك عبدالمانع:«أصيب خمسة من أبنائي بالصمم وبينهم طفل عمره عامان اضطررت لنقله إلى أحد مستشفيات محافظة حضرموت وظل على سرير المرض نحو 15 يوما نتيجة تدهور حالته الصحية».

أما الأخ علي الحوطي فيقول:«الصمم انتشر بين الأطفال والشباب، ولم توفر الدولة العلاج المناسب أو اللقاح المقاوم للمرض، ولم تقم الواجبات الصحية بواجباتها تجاه المرضى، وعندنا الوحدة الصحية خالية من الأدوية ومن الكوادر وبحاجة إلى اهتمام الجهات المسؤولة»..ويضيف:«الوحدة الصحية تفتقر إلى كثير من الإمكانيات والأدوية ونحن منطقة ريفية ولا يوجد علاج لدغات الأفاعي وبعض الأدوية الأخرى المطلوبة، ولذا نرجو من الجهات المسؤولة توفير هذه الإمكانيات».

ويقول الشيخ علي عبدالسيد عبدالمانع عضو المجلس المحلي عن مركز جول الشيخ: «لقد تم إبلاغ الجهات المختصة بالمديرية وتم مخاطبة مكتب الصحة بالمحافظة، وفي ضوء ذلك نزل فريق طبي إلى المنطقة بعد النشر في صحيفتكم الموقرة، ولكن المنطقة بحاجة إلى اهتمام ومكافحة ووقاية سريعة ضد هذه الأمراض، ويتطلب نزول فريق بيئي ومسح المنطقة ومعرفة أسباب انتشار الأوبئة في المنطقة، ولابد من حلول جذرية للمشكلة ومنها اعتماد مشروع للصرف الصحي للمنطقة، حيث إنها تفتقر إلى ذلك».

وبحسب إفادة الأهالي، فإن عددا غير قليل من تلاميذ مدرسة جول الشيخ للتعليم الأساسي قد أصيبوا بالصمم ما أدى إلى غيابهم وانقطاعهم عن الدراسة لفترات زمنية متفاوتة، ولاشك أن مثل ذلك يؤثر سلباً على تحصيلهم العلمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى