من أقوال عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> أورد الميداني في (مجمع الأمثال) نخبة من أقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي صارت أمثالا مضروبة، مثلما أورد عددا من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعثمان وعلي وعبدالله بن العباس وعبدالله ابن مسعود رضي الله عنهم، وسنورد هنا ما تيسر من أقوال عمر محاولين توضيحها والتعليق عليها والإشارة إلى بعض جوانب بلاغتها.

قال سيدنا عمر: «من كتم سره كان الخيار في يده»، والمثل واضح المعنى، وبلاغته تكمن في إيجازه واعتماده على أسلوب الشروط مما جعله في حالة استمرار وتجدد، ثم في تجسيده (للخيار)، وهو معنوي إذ جعله في اليد.

(2) ومما قاله رضي الله عنه: «أعقل الناس أعذرهم للناس»، وهذا المثل ينبثق من سماحة الإسلام ومعرفته لطبيعة النفس البشرية، وقد قيل أيضا في هذا المعنى: «أبحث لأخيك عن سبعين عذرا»، أما بلاغة المثل، فنلاحظها في حسن التقسيم والإيجاز، وفي الاعتماد على صيغة التفضيل في بناء المثل، وغير ذلك.

(3) وقال أيضا: «أشقى الولاة من شقيت به رعيته»، والمعنى واضح، وهو ينسجه مع نزعة العدل التي اشتهر بها عمر، والولاة هم الحاكمون، وكل من تولى أمرا من أمور الناس، وهذا ليس مثلا فحسب، ولكنه تعريف جامع مانع للوالي الشقي والأشقى.

(4) وقال الفاروق أيضا: «لو أن الشكر والصبر بعيران لما باليت أيهما أركب»، ويأتي مضمون هذا المثل مجسدا مرحلة متقدمة من مراحل الإيمان والزهد والورع التي وصل إليها الفاروق رضي الله عنه، حتى تساوى عنده طاعة الشكر على النعم والخير، وطاعة الصبر على المكاره والمصائب والمحن، فكلاهما خير، لأن المؤمن إذا أصابة شر صبر، وإذا أصابة خير شكر وفي كل خير، كما جاء في الحديث النبوي. ثم انظر إلى بلاغة المثل من خلال هذا التجسيد لكل من الصبر والشكر، لقد جعل كل منهما بعيرا يركب، مما يدل على أن الحياة رحلة قصيرة حثيثة نحو الدار الآخرة، وعلى المؤمن الكيّس أن يتخذ الوسيلة الناجعة للوصول إلى الجنة مهما كانت ظروف حياته ومواجهاته.

(5) وقال هذا الرجل العظيم: «من لم يعرف الشر كان جديرا أن يقع فيه»، وهذا المثل الكنز حري أن يؤلف فيه كتاب نظرا لثرائه وعمقه وتجلياته في الواقع والحاجة إليه. لقد قيل لعمر إن فلانا لايعرف الشر، فكان جوابه هذا المثل الخالد، إذ إن العلم بالشيء غير العمل به، مثلما أن ناقل الكفر ليس بكافر.

لقد جاء في الأسفار أن أناساًً وجدوا عيسى بن مريم عليه السلام خارجاً من منزل امرأة مشبوهة، فأنكروا عليه ذلك، وقالوا: ما تفعل هنا ياروح الله؟! فقال قولته الفصل: «إنما يأتي الطبيب المرضى»، وهذا هو منهج الداعين إلى الله تعالى عبر التاريخ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى