«الأيام» تستطلع معاناة وهموم طلاب القسم الداخلي بمديرية الشعيب محافظة الضالع ..الثالوث القاتل (الجوع.. العطش.. البرد) يهدد حياتهم ومخصصات التغذية تذهب إلى جيوب وأياد متنفذة ورموز الفساد بالمديرية

> «الأيام» محمد الحيمدي :

>
طلاب القسم في انتظار وجبة الغذاء أمام المطبخ
طلاب القسم في انتظار وجبة الغذاء أمام المطبخ
طلاب القسم الداخلي بمديرية الشعيب محافظة الضالع يتوافدون من مختلف قرى المديرية المترامية الأطراف، قاطعين مسافات طويلة عبر طرقات وعرة وخطيرة يتراوح طولها من-20 30 كيلو متر، للوصول إلى عاصمة مديرية العوابل لغرض الدارسة في ثانوية العبادي، لعدم توفر مدارس ثانوية في قراهم، التي تكون غالبا مكونة من ستة صفوف، أوقل هؤلاء الطلاب يعانون شتى صنوف الذل والهوان والخوف بسبب الوضعية السيئة في السكن القسم الداخلي، الذي يعيشون في كنفه، وتهديد الثالوث القاتل: الجوع ،العطش، البرد لحياتهم، هذه الوضعية السيئة، دفعت بكثير من الطلاب هذه الفترة إلى هجر السكن والدراسة نهائيا، والأغلبية فضلوا مكرهين ومجبرين على الموت والسكن في القسم الداخلي في سبيل مواصلة دراستهم.

هذه الوضعية والمأساة سببها وللأسف الشديد، هو ابتلاع وتلاعب في مخصصات التغذية واعتمادات القسم من قبل أياد متنفذة ومسئولة في مكتب التربية، ورموز الفساد في المديرية.

«الأيام» اقتربت عن كثب من هذه الوضعية السيئة والمعاناة التي يعيشها هؤلاء الطلاب لتنقلها بشفافية ومصداقية، وتجرد من أي أهواء أو أغراض شخصية بالكلمة والصورة.. رافق «الأيام» في استطلاعها هذا المربي الفاضل محمد طاهر جوبع.

السكن براقات متهالكة آيلة للسقوط على رؤوس الطلاب بين لحظة وأخرى

سكن القسم الداخلي عبارة عن عشرة براقات غير صالحة لسكن المواشي، بنيت منذ مايقارب من أربعة عقود، لم ترمم ولو مرة واحدة طيلة هذه الفترة، فهي في وضع يرثى لها، ومأساوية أبوابها، ونوافذها مهمشة بشكل شبه كامل وبعضها بالكامل، وجدرانها عارية مشققة تخترقها مياه الأمطار، خاصة هذه الأيام، وهي مواسم الأمطار لتحط رحالها على فرشان الطلاب وكتبهم ومستلزماتهم المختلفة، فيقبعون تحتها القرفصاء لاحول لهم ولاقوة، لترتعد أجسامهم من شدة البرد، وتخفق قلوبهم مضطربة خوفا على حياتهم من انهيار سقوف هذه البراقات على رؤوسهم، أما الخطر الآخر الذي يهدد حياتهم يتركز بالتسليك الكهربائي العشوائي داخل البراقات، فهو يشكل موتا محققا يرتقبه الطلاب كل يوم وكل ساعة، وهذه الأسلاك قديمة قدم المبنى ممزقة ومكشوفة وقريبة من الأرضية، وفي حالة عطبها يقوم الطلاب بإصلاحها بأنفسهم معرضين حياتهم للخطر، والمؤسف أن معظم هذه البراقات قد تحولت إلى حمامات مجانية للعامة يقضون حاجتهم فيها، كما صارت سكنا للحيوانات الأليفة والمتوحشة، ولم تقف المعاناة عند هذا الحد كما يقول الطالب ناصر الشلن، بل وصلت إلى أن تعرضت ممتلكات الكثير من الطلاب للنهب والعبث أثناء إجازتهم الدراسية عدة مرات، بسبب عدم وجود حارس للسكن والأبواب والنوافد المكسرة، الأمر الذي اضطرهم لإغلاقها بالحجارة، ذاكرا مأساة أخرى، وهي أن جميع طلاب السكن من دون سرر، ويفترشون الأرض الرطبة المتشققة والمكسرة.

المطبخ من الداخل
المطبخ من الداخل
سكن يفتقر إلى الحمامات

عند سؤالنا الطلاب عن الحمامات، وأين يقضون حاجتهم ارتسمت على وجههم ملامح الخجل والحياء وبصوت شاحب وخافت تملؤها المرارة والحزن، أفادوا: «إنه لاتوجد حمامات في السكن عدا حمام قديم واحد مكشوف بالقرب من السكن وطريق المارة، ونتيجة لقدمه فقد نضح وامتلى بمخلفات لطلاب، ولم يعد يستوعب لقضاء الحاجة فيه، حتى أصبح مصدرا مقززا، ويؤذي المارة بانبعاث الروائح الكريهة والنتنة منه، لاسيما وأنه في طريق عام، وتحديدا مدرسي ومدرسات وطلاب مدرسة عبادي القريبة منه، كما تحول إلى مرتع خصب لتكاثر البعوض والذباب ومختلف الحشرات، ومع كل ذلك لايستطيعون الاستغناء عنه».

المطبخ يشبه محلا للبنشر وتغيير الزيوت

من يشاهد ويزور مطبخ القسم لأول مرة يصاب بالذعر والاشمئزاز لدرجة التقيؤ، متحيرا لتلك الحالة التي هو عليها، فهو عبارة عن غرفة قديمة متهالكة صغيرة وبدون تهوية مساحته 3×4 م تحاصره القمامة من مختلف الجهات، وتنبعث منه الروائح الكريهة النتنة جراء تحطم أنابيب الصرف الصحي، أما جدرانه ففيها ثقوب كبيرة، أصبحت للطيور أما من الداخل فحدث ولاحرج، فيخاله من يزوره للمرة الأولى محلا للبنشر وتغيير الزيوت، فقد تحولت ألوان جدرانه ذات اللون الأبيض إلى اللون الأسود لعدم النظافة وتجديد طلاءه منذ أن بني قبل أربعين عاما، حيث صارت الفئران وجميع الحشرات تمرح وتلهو فيه بحرية تامة دون مضايقة من أحد، علاوة على أنه يفتقر إلى أبسط أدوات الطباخة عدا شولة واحدة وأنبوبة غاز يتيمة و(دست) قديم لطباخة الأرز وآخر للخضار و(كتلي) قديم للشاي.

طلاب القسم يتناولون طعامهم في العراء والقمامة من تحتهم وتحيط بهم
طلاب القسم يتناولون طعامهم في العراء والقمامة من تحتهم وتحيط بهم
التغذية هشة والطعام يتناول في العراء في أماكن غير صحية

التغذية وجه آخر من هذه المعاناة التي يذوق مرارتها الطلاب كل يوم وتلازمهم في كل الوجبات الثلاث، فهي هشة ولاتفي بالغرض ولاتسد رمق جوعهم، فما يرصد لهم من مبلغ يومي للتغذية لايكفي حتى لثلث الطلاب، فهذا المبلغ حسب توضيح الطالب هزاع محمد صالح رئيس اللجنة الغذائية عبارة عن 15,000ريال لتغذية أكثر من 130 طالبا، مضيفا أن علبة السمك نوع (راقي أو العمدة) يتقاسمها خمسة طلاب والدجاجة حجم (1200) جرام عشرة طلاب، أما عن وجبة (القراع) والعشاء، فهي عبارة عن قرصي روتي بحجم القلم لكل طالب، والخصار فول معلب (حاف) والشاي أحمر خال من أبسط وأرخص البهارات، أما وجبة الغذاء، فهي أرز أبيض بدون أي تحسينات يوزع في صحن صغير يتجمع حوله عشرة طلاب، موضحا سبب ذلك أن مخصصات التغذية تغذي جيوب بعض المسئولين بدلا عن الطلاب.أما عن قاعة تناول الطعام قال الطالب محسن فضل عضو لجنة التغذية: «إن القسم الداخلي يمتلك قاعة كبيرة معدة لتناول الطعام، إلا أنها مغلقة ولم نتناول فيها وجبة واحدة، رغم توجيهات الجهاز المركزي للمحاسبة والرقابة العديدة بفتح القاعة، إلا أن هذه التعليمات تذهب أدراج الرياح، ولانعرف ما السر وراء ذلك الأمر، الذي يدفع الطلاب إلى تناول طعامهم في الشارع وممرات المشاة، وبالقرب من طريق السيارات، وفي أماكن مملوءة بالقمامة والقاذروات، حيث تمتزج بالغبار والأتربة».

المياه تجلب على ظهور الطلاب

أما المياه فهي ركن آخر من أركان هذه المعاناة، حيث يجلبه الطلاب على ظهورهم من بئر نائية، أشفق لحالهم المرير أحد فاعلي الخير، مالك هذه البئر وسمح لهم بالتزود منها.

الحمام الوحيد للقسم ويبدو مكشوفا متهالكا وقد نضح بما فيه من مخلفات آدمية
الحمام الوحيد للقسم ويبدو مكشوفا متهالكا وقد نضح بما فيه من مخلفات آدمية
يبدعون ويحلمون رغم هذه المعاناة

الطالب المبدع المتفوق هلال الغلابي قال: «رغم هذه المعاناة والظروف القاسية، مازلنا نبدع ونحلم، فنحن نصدر نشرة باسم طلاب القسم الداخلي اسمها (الألباب) على أمل أن تعي الجهات المسئولة بالمديرية،وتحديدا إدارة التربية، دورها في دعم وتشجيع الطلاب وحثهم على الإبداع والتواصل، لأن هذا الجانب خارج نطاق اهتمامهم وكأن لاعلاقة لهم به، مع أنه الجزء المكمل للأعمال الصفية، ونصدر هذه النشرة بمجهود ذاتي فقط !!».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى