الذكرى الثمانون لميلاد لطفي جعفر أمان (1928/5/12 - 2008/5/12) ..شعر الأسرة

> «الأيام» فضل علي القسمة:

> احتفاءً بذكرى هذا الميلاد العظيم (الثمانين) نسلط الضوء على موضوع من الموضوعات الشعرية الجديدة في تجربة الشاعر لطفي جعفر أمان، هذه التجربة الغنية إلى امتدت من ديوانه البكر (بقايا نغم - أكتوبر 1948) وانتهاء بـ (إليكم يا إخوتي - 1969م) تبوأ خلالها الشاعر مكانة ريادية في شعر اليمن المعاصر، هذه الريادة للاتجاه الرومانسي في اليمن لا تقل عن مكانة نظرائه من شعراء الاتجاه الرومانسي العربي الحديث.

عرف الشعر المعاصر في اليمن بعض الموضوعات الشعرية الجديدة (كشعر الأسرة) ووصف الطفولة وشؤون الأسرة الحياتية وحوادثها اليومية، وذلك بتأثير من شعراء الاتجاه الوجداني الرومانسي العربي الحديث وشعراء الأدب الرومانسي الغربي، وظهر هذا الاتجاه الجديد في شعر اليمن المعاصر عند الشاعرين (محمد عبده غانم، لطفي جعفر أمان)

برز هذا اللون الشعري الجديد عند (غانم) في ديوانه (موج وصخر)، حيث أبرز الشاعر الناحية الإنسانية بروزا واضحاً في تناوله وهو يصور زهراته في وجدان صادق يضفي على شعوره بالإنسانية معنى شعرياً هو خليق به، ومن تلك القصائد الزهرات (اغتراب أب، أفراح قلب، الأبوة الراحلة، الوثبة الأولى، نزار، لحظة، والنبأ العظيم)، وهذا مقطع من (النبأ العظيم) يستهله الشاعر بالنداء إلى (عز) البنت الكبرى للشاعر:

ياعز طالت عن ديارك غيبة العز التليد

أيام كانت للنساء بطولة الرجل الجليد

أيام يشهدن المعامع حفلاً تحت البنود

ومجالس الأدب الرفيع تشع بالفن المجيد

وسكينة من الحسين تصول في العدد العديد

وتبث في القوم الحجى بالذوق والرأي السديد

مجد الجدود وأين نحن اليوم من مجد الجدود

لكنه الأمل الملح يهيم في قلب الحفيد

فيثير فيه الهمة القعساء باللحن الشرود

لتخوض أهوال الكفاح وترتقي هام النجوم

عدنية عربية مضرية للمستزيد (1)

أما لطفي أمان فقد عبر عن هذا اللون الجديد في دواوينه (بقايا نغم، الدرب الأخضر، كانت لنا أيام ، ليل.. إلى متى؟، إليكم يا أخوتي) ولاشك أن ثقافة الشاعر قد مكنته من الاطلاع على مجمل التراث الأدبي العربي والغربي، ومذاهبه الفنية، وشعر (الأسرة) أحد تلك المؤثرات الثقافية في تجربة الشاعر العاطفية الإنسانية، وقد عبر الشاعر من خلال قصائده عن إنسانيته الصادقة تجاه أسرته (الزوجة والأبناء).. وتجربة لطفي رائدة في مجال هذا اللون التجديدي في الموضوع الشعري في الشعر المعاصر في اليمن.

ومن ديوان «بقايا نغم» هذا المقطع من قصيدة (أشواق) الذي يبث فيه الشاعر أحزان غربته إلى الطفل الأنيس (عادل) ابن أخيه (عبدالحميد) الذي ودعه بقبلة قال عنها: «ولما يزل لهيباً في دمي».

با عدتني عنك.. لو تدري.. وهادٌ وروابي

وأنا وحدي هنا.. أنهل من دمع التصابي

كلما طيفك بي مرّ.. رقيق الانسياب

هفّ بي الشوق.. وناغيتك من قلبي المذاب

آه.. يا عادل..! كم أهواك في بعدٍ وقرب! (2)

وقصيدة(عندما تمرضين) تصوير لإحساسه ومشاعره الصادقة نحو الزوجة وما ينتابه من حزن وقلق على حالتها الصحية، فتراه كالمجنون.. وفي فورة الغضب ومشاعر القلق التي سيطرت على فكره والخوف على الزوجة رصدت عدسته جانباً من حياة المجتمع اليمني إبان الحكم الإنجليزي عام 1956.. أشباح عمال الطريق والمأساة التي يعيشونها:

وخلال نافذتي وآهات الستاره

وخلال دخان السيجاره

أشباح عمال الطريق

هم والمعاول والحجاره

يتجمّد العرق الصبيب

على معاولهم حجاره

تُبني بها في كل ناحية عماره

تبقى مدى الأجيال مفخرة وجاه

والصانعون الجاه

تلفظهم على الأرض الحياه

بلا دواء.. ولا كساء

إلا الكفاف من الغذاء (3)

وقصيدة (هل من خطاب) رسالة بعث بها الشاعر لابنه حينما كان في زيارة لأخواله في شمال الوطن (صرواح) وهو في سن العاشرة .. عبر فيها عن مشاعر الأبوة الصادقة:

أحرقت كل سجائري وأنا رماد من شجوني

في كل ركن من آثار تُّهيّج بي حنيني

حتى «المجلات» الصغيرة فوق درجك تستبيني

«ميكي».. «بساط الريح» ليت معي بساطاً يحتويني

لنهبتُ أرضي.. واحتضنتك «ياجهادي» في عيوني (4)

ومن الرسائل العاطفية التي كان يرسلها الشاعر لزوجته خلال فترة سفره كثيرة، ومنها الرسالة التي كتبها من نيروبي في 23/10/1961م بعنوان «فوزية»:

فوزيه!!

يا أحلى الأسماء السحريه

يا نغماً يعبق في قيثارة حوريه

يا أحلى لؤلؤة نبضت إنسانيه

يا دفقة ربي تملؤني روحانيه

يا ثروة حبي الأبديه

يافوزيه!

نجواك ترف على صلواتي القلبيه

فأراك.. أراك بكل مفاتنك الحيّه

بشروق البسمة فجريه

برنين الضحكة ذهبيه

برياض حديثك أعذبه

عين تتكسر «ألفيّه»

بنقوش المنديل الورديه

تسخو بكنوز عطريه

بجنان طيوب لحجيه

والدرع ولمعته البُنيّه

كمويجات النيل الخمريه

يافوزيه (5)

ومن تلك الرسائل أيضاً هذه الرسالة التي بعث بها من الخرطوم شتاء عام 1961م «المدينة التي عشت فيها من قبل سبع سنوات من حياة دراسية» وضمنها هذه العبارة من قصيدة «شلال شوق»:

لأول مره

أشعر وحدي

وكان لنا يا شريكة روحي

-بدرب النجيمات تنساب ثرّه-

رفيق ارتحالٍ سنيّ الجناح

غمسناه في سبحات المجره

معاً ياحبيبة روحي كنا

معاً نزرع الأرض ضوءاً ولحنا

فحيث اتجهنا

تضىء على دربنا ألف زهره (6)

هذا اللون الشعري يختلف كثيراً عن شعر (الرثاء) الذي عرفه الشعر العربي القديم والذي يصور مناقب الإنسان بعد الموت.

وشعر الرثاء هو مدح بعد الموت، ومادته كمادة المدح مؤلفة من الخصال المحمودة والفعال المجيدة.. وفي أحيان كثيرة لم يقم الرثاء عن قلب مجروح ولوعة صادقة، إنما هي أحوال قضت بالندب فأطلق الشاعر صوته جارياً على ما يقتضيه هذا النوع الأدبي من تفجع وأسف قد يغالي فيهما إلى حد غير طبيعي، معدداً مناقب الفقيد، مبالغا في إطرائه، مبالغا في تعظيم الرزء.

أما المبنى فهو خطابي وعباراته متينة، فلا تخلو الألفاظ من تكلف وصلابة وخشونة في أحيان كثيرة، وهي بمجملها مادية محسوسة في مدلولها، وقد لا نجد في هذا الشعر غزارة لوصف الوجدان أو عمقاً في التحليل النفسي إذا ما استثنينا بعض النماذج الخالدة.

أما شعر الأسرة، فيمكن أن نجد فيه موضوعاً شعرياً جديداً في لغة شعرية شفافة بعيدة عن اللغة التقليدية الموروثة، فالشاعر يجسد فيه كثيراً من المشاعر العاطفية والإنسانية، ويجول من خلاله في معان جديدة وأهداف نبيلة تتعلق بالحياة والطموح وقضايا الأمة والإنسانية، وهو أيضاً وصف لمناقب الإنسان وتكريم لقدراته ونشاطه وإنسانيته كفرد فاعل في مجتمعه، بهدف التوجيه والإرشاد والتحريض والدفع به إلى مراتب الكمال.

وأختم الموضوع بهذا التعبير الجميل للأستاذ الفاضل د. عبدالمطلب أحمد جبر قائلاً:«وهكذا أقحم لطفي الشعر في اليمن بمثل هذا التناول الإنساني لشؤون الأسرة وعالمها بدلاً من ذلك الاتجاه التقليدي الذي يكتفي بالرثاء في الغالب للابن والزوجة والأب والأقارب، في لغة موروثة جاهزة العبارات تبعدها أحياناً عن الصدق العاطفي الشعوري». (7)

الهامش :

(1) الأعمال الشعرية الكاملة (ديوان موج وصخر) غانم ص 197.

(2) ديوان «بقايا نغم» / أشواق - ص 48.

(3) ديوان «الدرب الأخضر»- ص 51.

(4) ديوان «ليل.. إلى متى؟»- ص 101.

(5) المصدر نفسه ص 13.

(6) المصدر نفسه (9).

(7) التجديد في شعر لطفي أمان، د. عبدالمطلب جبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى